عرض مشاركة واحدة
  #54  
قديم 11-03-2022, 08:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
من صــ 324 الى صــ 329
الحلقة (54)

قلت : فعلى الأول وهو قول أكثر العلماء - فالزكاة في الكتاب مجملة بينها النبي صلى الله عليه وسلم فروى الأئمة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق ولا فيما دون خمس ذود صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة وقال البخاري ( خمس أواق من الورق ) وروى البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر وسيأتي بيان هذا الباب في " الأنعام " إن شاء الله تعالى ويأتي في " براءة " زكاة العين والماشية وبيان المال الذي لا يؤخذ منه زكاة عند قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة وأما زكاة الفطر فليس لها في الكتاب نص عليها إلا ما تأوله مالك هنا ، وقوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى والمفسرون يذكرون الكلام عليها في سورة " الأعلى " ، ورأيت الكلام عليها [ ص: 323 ] في هذه السورة عند كلامنا على آي الصيام ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان ، الحديث . وسيأتي فأضافها إلى رمضان .
الخامسة : قوله تعالى : واركعوا الركوع في اللغة الانحناء بالشخص وكل منحن راكع . قال لبيد :


أخبر أخبار القرون التي مضت أدب كأني كلما قمت راكع
وقال ابن دريد : الركعة الهوة في الأرض لغة يمانية وقيل الانحناء يعم الركوع والسجود ويستعار أيضا في الانحطاط في المنزلة . قال


ولا تعاد الضعيف علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه
السادسة : واختلف الناس في تخصيص الركوع بالذكر فقال قوم جعل الركوع ؛ لما كان من أركان الصلاة عبارة عن الصلاة .

قلت : وهذا ليس مختصا بالركوع وحده ، فقد جعل الشرع القراءة عبارة عن الصلاة والسجود عبارة عن الركعة بكمالها فقال وقرآن الفجر أي صلاة الفجر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك سجدة من الصلاة فقد أدرك الصلاة . وأهل الحجاز يطلقون على الركعة سجدة وقيل إنما خص الركوع بالذكر ؛ لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع وقيل : لأنه كان أثقل على القوم في الجاهلية حتى لقد قال بعض من أسلم - أظنه عمران بن حصين - للنبي صلى الله عليه وسلم : على ألا أخر إلا قائما . فمن تأويله على ألا أركع ، فلما تمكن الإسلام من قلبه اطمأنت بذلك نفسه وامتثل ما أمر به من الركوع .
السابعة : الركوع الشرعي هو أن يحني الرجل صلبه ويمد ظهره وعنقه ويفتح أصابع يديه ويقبض على ركبتيه ثم يطمئن راكعا يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه . روى مسلم عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب " الحمد لله رب [ ص: 324 ] العالمين " وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك . وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره الحديث .
الثامنة : الركوع فرض ، قرآنا وسنة ، وكذلك السجود لقوله تعالى في آخر الحج اركعوا واسجدوا . وزادت السنة الطمأنينة فيهما والفصل بينهما وقد تقدم القول في ذلك وبينا صفة الركوع آنفا وأما السجود فقد جاء مبينا من حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد مكن جبهته وأنفه من الأرض ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه . خرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وروى مسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب . وعن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك . وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوى بيديه - يعني جنح حتى يرى وضح إبطيه من ورائه - وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى .
التاسعة : واختلف العلماء فيمن وضع جبهته في السجود دون أنفه أو أنفه دون جبهته ، فقال مالك : يسجد على جبهته وأنفه ، وبه قال الثوري وأحمد ، وهو قول النخعي . قال أحمد : لا يجزئه السجود على أحدهما دون الآخر ، وبه قال أبو خيثمة وابن أبي شيبة . قال إسحاق : إن [ ص: 325 ] سجد على أحدهما دون الآخر فصلاته فاسدة . وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، كلهم أمر بالسجود على الأنف . وقالت طائفة : يجزئ أن يسجد على جبهته دون أنفه ، هذا قول عطاء وطاوس وعكرمة وابن سيرين والحسن البصري ، وبه قال الشافعي وأبو ثور ويعقوب ومحمد . قال ابن المنذر : وقال قائل : إن وضع جبهته ولم يضع أنفه أو وضع أنفه ولم يضع جبهته فقد أساء ، وصلاته تامة ، هذا قولالنعمان . قال ابن المنذر : ولا أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ولا تابعه عليه .

قلت : الصحيح في السجود وضع الجبهة والأنف ، لحديث أبي حميد ، وقد تقدم . وروى البخاري عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب والشعر . وهذا كله بيان لمجمل الصلاة فتعين القول به والله أعلم وروي عن مالك أنه يجزيه أن يسجد على جبهته دون أنفه ، كقول عطاء والشافعي والمختار عندنا قوله الأول ولا يجزئ عند مالك إذا لم يسجد على جبهته .
العاشرة : ويكره السجود على كور العمامة ، وإن كان طاقة أو طاقتين مثل الثياب التي تستر الركب والقدمين فلا بأس ، والأفضل مباشرة الأرض أو ما يسجد عليه فإن كان هناك ما يؤذيه أزاله قبل دخوله في الصلاة ، فإن لم يفعل فليمسحه مسحة واحدة . وروى مسلم عن معيقيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال ( إن كنت فاعلا فواحدة ) وروي عن أنس بن مالك قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه .
الحادية عشرة : لما قال تعالى : اركعوا واسجدوا قال بعض علمائنا وغيرهم يكفي منها ما يسمى ركوعا وسجودا ، وكذلك من القيام ولم يشترطوا الطمأنينة في ذلك فأخذوا بأقل الاسم في ذلك وكأنهم لم يسمعوا الأحاديث الثابتة في إلغاء الصلاة قال ابن عبد البر : ولا يجزي ركوع ولا سجود ولا وقوف بعد الركوع ولا جلوس بين السجدتين حتى يعتدل [ ص: 326 ] راكعا وواقفا وساجدا وجالسا . وهو الصحيح في الأثر وعليه جمهور العلماء وأهل النظر وهي رواية ابن وهب وأبي مصعب عن مالك . وقال القاضي أبو بكر بن العربي : وقد تكاثرت الرواية عن ابن القاسم وغيره بوجوب الفصل وسقوط الطمأنينة وهو وهم عظيم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها وعلمها . فإن كان لابن القاسم عذر أن كان لم يطلع عليها فما لكم أنتم وقد انتهى العلم إليكم وقامت الحجة به عليكم روى النسائي والدارقطني وعلي بن عبد العزيز عن رفاعة بن رافع قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فدخل المسجد فصلى ، فلما قضى الصلاة جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فصل فإنك لم تصل وجعل يصلي وجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعيب منها فلما جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل قال همام فلا ندري أمره بذلك مرتين أو ثلاثا فقال له الرجل ما ألوت فلا أدري ما عبت علي من صلاتي ؟ فقال صلى الله عليه وسلم إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله تعالى ويثني عليه ثم يقرأ أم القرآن وما أذن له فيه وتيسر ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يقول سمع الله لمن حمده ويستوي قائما حتى يقيم صلبه ويأخذ كل عظم مأخوذه ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه قال همام وربما قال جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يكبر فيستوي قاعدا على مقعده ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ ثم قال لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك . ومثله حديث أبي هريرة خرجه مسلم وقد تقدم .

قلت : فهذا بيان الصلاة المجملة في الكتاب بتعليم النبي عليه السلام وتبليغه إياها جميع الأنام فمن لم يقف عند هذا البيان وأخل بما فرض عليه الرحمن ولم يمتثل ما بلغه عن نبيه عليه السلام كان من جملة من دخل في قوله تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى روى البخاري عن زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع ولا السجود فقال ما صليت ولو مت لمت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صلى الله عليه وسلم .
الثانية عشرة : قوله تعالى : مع الراكعين مع تقتضي المعية والجمعية ولهذا قال [ ص: 327 ] جماعة من أهل التأويل بالقرآن إن الأمر بالصلاة أولا لم يقتض شهود الجماعة فأمرهم بقوله مع شهود الجماعة وقد اختلف العلماء في شهود الجماعة على قولين فالذي عليه الجمهور أن ذلك من السنن المؤكدة ويجب على من أدمن التخلف عنها من غير عذر العقوبة وقد أوجبها بعض أهل العلم فرضا على الكفاية قال ابن عبد البر وهذا قول صحيح لإجماعهم على أنه لا يجوز أن يجتمع على تعطيل المساجد كلها من الجماعات فإذا قامت الجماعة في المسجد فصلاة المنفرد في بيته جائزة لقوله عليه السلام صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة أخرجه مسلم من حديث ابن عمر وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا . وقال داود الصلاة في الجماعة فرض على كل أحد في خاصته كالجمعة واحتج بقوله عليه السلام : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد خرجه أبو داود وصححه أبو محمد عبد الحق ، وهو قول عطاء بن أبي رباح وأحمد بن حنبل وأبي ثور وغيرهم . وقال الشافعي : لا أرخص لمن قدر على الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر حكاه ابن المنذر وروى مسلم عن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم قال فأجب وقال أبو داود في هذا الحديث لا أجد لك رخصة . خرجه من حديث ابن أم مكتوم وذكر أنه كان هو السائل وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال [ ص: 328 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع النداء فلم يمنعه من إتيانه عذر قالوا وما العذر قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلىقال أبو محمد عبد الحق : هذا يرويه مغراء العبدي والصحيح موقوف على ابن عباس من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له على أن قاسم بن أصبغ ذكره في كتابه فقال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر وحسبك بهذا الإسناد صحة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.12%)]