
15-03-2022, 01:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 316 الى صـ 320
الحلقة (62)
القول في تأويل قوله تعالى :
[153 ] يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين
يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة أرشد تعالى المؤمنين ، إثر الأمر بالشكر في الآية قبل ، بالاستعانة بالصبر والصلاة . لأن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها ، أو في نقمة فيصبر عليها . كما جاء في الحديث : « عجبا للمؤمن لا يقضى له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له » . وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب في سبيل الله ، الصبر والصلاة ; كما تقدم في قوله : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين وفي الحديث : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى » . ثم إن الصبر صبران : صبر على ترك المحارم والمآثم ، وصبر على فعل الطاعات والقربات . والثاني أكثر ثوابا . لأنه المقصود. وأما الصبر الثالث ، وهو الصبر على المصائب والنوائب ، فذاك أيضا واجب . كالاستغفار من المعائب .
[ ص: 317 ] وقال الإمام ابن تيمية في كتابه (السياسة الشرعية) وأعظم عون لولي الأمر خاصة ، ولغيره عامة ثلاثة أمور: أحدها الإخلاص لله ، والتوكل عليه بالدعاء وغيره . وأصل ذلك المحافظة على الصلاة بالقلب والبدن . والثاني الإحسان إلى الخلق بالنفع والمال الذي هو الزكاة . والثالث الصبر على الأذى من الخلق وغيره من النوائب ; ولهذا يجمع الله بين الصلاة والصبر كثيرا كقوله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وكقوله تعالى : وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين وقوله : فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وأما قرانه بين الصلاة والزكاة في القرآن فكثير جدا . فبالقيام بالصلاة والزكاة والصبر يصلح حال الراعي والرعية . إذا عرف الإنسان ما يدخل في هذه الأسماء الجامعة ، يدخل في الصلاة من ذكر الله تعالى ودعائه وتلاوة كتابه وإخلاص الدين له والتوكل عليه ، وفي الزكاة الإحسان إلى الخلق بالمال والنفع : من نصر المظلوم وإعانة الملهوف وقضاء حاجة المحتاج . وفي الصبر احتمال الأذى وكظم الغيظ والعفو عن الناس ومخالفة الهوى وترك الشر والبطر . انتهى .
"إن الله مع الصابرين" قال الإمام ابن تيمية في (شرح حديث النزول) : لفظ المعية في كتاب الله جاء عاما كما في قوله تعالى : وهو معكم أين ما كنتم وفي قوله [ ص: 318 ] ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم إلى قوله : إلا هو معهم أين ما كانوا وجاء خاصا كما في قوله : إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقوله : إنني معكما أسمع وأرى وقوله : لا تحزن إن الله معنا فلو كان المراد بذاته مع كل شيء لكان التعميم يناقض التخصيص . فإنه قد علم أن قوله : لا تحزن إن الله معنا أراد به تخصيص نفسه وأبا بكر دون عدوهم من الكفار ، وكذلك قوله : إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون خصهم بذلك دون الظالمين والفجار .
وأيضا ، فلفظ المعية ليست في لغة العرب ولا في شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى [ ص: 319 ] الذاتين بالأخرى . كما في قوله : محمد رسول الله والذين معه وقوله : فأولئك مع المؤمنين وقوله : اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقوله : وجاهدوا معكم ومثل هذا كثير . فامتنع أن يكون قوله "وهو معكم" يدل على أن تكون ذاته مختلطة بذوات الخلق .
وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر وبين أن لفظ المعية في اللغة ، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة ، فهو ، إذا كان مع العباد ، لم يناف ذلك علوه على عرشه . ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه . فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان ، ويخص بعضهم بالإعانة والنصرة والتأييد . انتهى مختصرا .
[ ص: 320 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[154 ] ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون [ 154 ]
وقوله تعالى : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ينهى تعالى عباده المؤمنين عن أن يقولوا للشهداء أمواتا ; بمعنى الذين تلفت نفوسهم وعدموا الحياة ، وتصرمت عنهم اللذات ، وأضحوا كالجمادات ، كما يتبادر من معنى الميت ، ويأمرهم سبحانه بأن يقولوا لهم : الأحياء ; لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، كما قال تعالى في آل عمران : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين فقوله في هذه الآية "عند ربهم" يفسر المراد من حياتهم ; أي : إنها لأرواحهم عنده تعالى ، وقوله "ولكن لا تشعرون" أي بحياتهم الزوجية بعد موتهم ; إذ لم يظهر منها شيء في أبدانهم ، وإن حفظ بعضها عن التلف ، كما ترون النيام همودا لا يتحركون ، فلا فخر أعظم من ذلك في الدنيا ، ولا عيش أرغد منه في الآخرة .
قال الحرالي : فكأنه تعالى ينفي عن المجاهد منال المكروه من كل وجه ، حتى في أن يقال عنه : ميت . فحماه من القول الذي هو عندهم من أشد غرض أنفسهم ، لاعتلاق أنفسهم بجميل الذكر . انتهى .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|