عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 15-03-2022, 01:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 321 الى صـ 325
الحلقة (63)

ولذا قال الأصم : يعني لا تسموهم بالموتى ، وقولوا لهم الشهداء الأحياء . وقال الراغب الأصفهاني : الحياة على أوجه ، وكل واحد منها يقابله موت (الأولى) هي القوة النامية التي [ ص: 321 ] بها الغذاء ، والشهوة إليه ، وذلك موجود في النبات والحيوان والإنسان . ولذلك يقال : نبات حي .

(والثانية) في القوة الحاسة التي بها الحركة المكانية . وهي في الحيوان دون النبات .

(والثالثة) القوة العاملة العاقلة . وهي في الإنسان دون الحيوان والنبات . وبها يتعلق التكليف . وقد يقال للعلم المستفاد والعمل الصالح : حياة ، وعلى ذلك قوله تعالى : استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم وقيل : المحسن حي وإن كان في دار الأموات ، والمسيء ميت وإن كان في دار الأحياء .

(قال) ونعود إلى معنى الآية فنقول : قد أجمعوا على أنه لا يثبت لهم الحياة التي بها النمو والغذاء ، ولا الحياة التي بها الحس . فإن فقدانهما عن الميت محسوس ومعقول . فبعض المفسرين اعتبر الحياة المختصة بالإنسان . وقال : إن هذه الحياة مخصصة بالقوة المسماة تارة الروح وتارة النفس . قال : والموت المشاهد هو مفارقة هذه القوة - التي هي الروح البدن . فمتى كان الإنسان محسنا كان منعما بروحه مسرورا لمكانه إلى يوم القيامة . وإن كان مسيئا كان به معذبا . وإلى هذا ذهب الحكماء ودلوا عليه بالبراهين والأدلة . وهو مذهب أصحاب الحديث . ويدل على صحته الأخبار والآيات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم . بل إليه ذهب أصحاب الملل كلها .

ومما دل على صحته خبرا « الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف » وما روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد [ ص: 322 ] بألفي عام» . وروي أنه لما قتل من قتل من صناديد قريش -يوم بدر- وجمعوا في قليب ، أقبل النبي صلى الله عليه وسلم فخاطبهم بقوله : « هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا » قيل : يا رسول الله ! أتخاطب جيفا ؟ فقال : « ما أنتم بأسمع منهم ، ولو قدروا لأجابوا » . إلى غير ذلك من الأخبار . وقال تعالى في آل فرعون : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا وهذا يعني به قبل يوم القيامة ; لأنه قال في آخر الآية : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب انتهى .

وفي البيضاوي وحواشيه : إن إثبات الحياة للشهداء في زمان بطلان الجسد ، وفساد البنية ؛ ونفي الشعور بها - دليل على أن حياتهم ليست الجسد ، ولا من جنس حياة الحيوان ، لأنها بصحة البنية ، واعتدال المزاج وإنما هي أمر يدرك بالوحي لا بالعقل . انتهى .

وقد جاء الوحي ببيان حياتهم -كما أسلفنا- قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (الروح): وقد أخبر سبحانه عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وهذه حياة أرواحهم ، ورزقها دار ، وإلا فالأبدان قد تمزقت . وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه [ ص: 323 ] الحياة : بأن أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ؟ قالوا : أي شيء نشتهي ؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا . . . ! ففعل بهم ذلك ثلاث مرات . فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا -قالوا : يا رب ! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى . . ! فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا . وصح عنه صلى الله عليه وسلم : « إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر الجنة » (وتعلق بضم اللام ; أي : تأكل العلقة) وهذا صريح في أكلها ، وشربها ، وحركتها ، وانتقالها ، وكلامها . . . ! انتهى .

قال الطيبي : قوله صلى الله عليه وسلم : « أرواحهم في جوف طير خضر » أي : يخلق لأرواحهم ، بعدما فارقت أبدانهم ، هياكل على تلك الهيئة ، تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم ، فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللذات الحسية . وقال ابن القيم في كتاب (الروح): إن الله سبحانه وتعالى جعل الدور ثلاثة : دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار القرار ، وجعل لكل دار أحكاما تختص بها ، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس وجعل أحكام دار الدنيا على الأبدان ، والأرواح تبع لها ، ولهذا جعل أحكامه الشرعية مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح ، وإن أضمرت النفوس خلافه .

وجعل أحكام البرزخ على الأرواح ، والأبدان [ ص: 324 ] تبع لها ، فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا ، فتألمت بألمها ، والتذت براحتها ، وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب -تبعت الأبدان الأرواح في نعيمها وعذابها ، والأرواح حينئذ هي التي تباشر العذاب والنعيم ، فالأبدان هنا ظاهرة ، والأرواح خفية . والأبدان كالقبور لها . والأرواح هناك ظاهرة والأبدان خفية في قبورها ، فتجري أحكام البرزخ على الأرواح . فترى إلى أبدانها نعيما وعذابا . كما جرى أحكام الدنيا على الأبدان فترى إلى أرواحها نعيما وعذابا ، فأحط بهذا الموضع علما واعرفه كما ينبغي ، يزل عنك كل إشكال يورد عليك من داخل وخارج . وقد أرانا الله سبحانه ، بلطفه ، ورحمته وهدايته من ذلك ، أنموذجا في الدنيا من حال النائم . فإن ما ينعم به ، أو يعذب في نومه ، يجري على روحه أصلا ، والبدن تبع له ، وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرا مشاهدا ، فيرى النائم أنه في نومه ضرب ، فيصبح وآثار الضرب في جسمه . ويرى أنه قد أكل وشرب ، فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في فيه . ويذهب عنه الجوع والظمأ .

وأعجب من ذلك أنك ترى النائم ، ثم يقوم من نومه ، ويضرب ويبطش ويدافع ، كأنه يقظان ، وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك . لأن الحكم ، لما جرى على الروح ، استعانت بالبدن من خارجه ، ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس .

فإذا كانت الروح تتألم وتتنعم ، ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع ، فهكذا في البرزخ ، بل أعظم . فإن تجرد الروح هناك أكمل وأقوى ، وهي متعلقة ببدنها ، لم تنقطع عنه كل الانقطاع . فإذا كان يوم حشر الأجساد ، وقيام الناس من قبورهم ، صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهرا باديا . ومتى أعطيت هذا الموضع حقه تبين لك أن ما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه ، وضيقه وسعته ، وضمه ، وكونه حفرة من حفر النار ، أو روضة من رياض الجنة- مطابق للعقل . وأنه حق لا مرية فيه . وأن من أشكل عليه ذلك ، فمن سوء فهمه ، وقلة علمه . انتهى .
[ ص: 325 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[155 ] ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين [156 ] الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون

وقوله تعالى : "ولنبلونكم بشيء" خطاب لمن آمن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، خصوا به ، وإن شمل من ماثلهم ، لأنهم المباشرون للدعوة والجهاد ، ومكافحة الفجار . وكل قائم بحق ، وداع إليه ، معرض للابتلاء بما ذكر ، كله أو بعضه . والتنوين للتقليل ; أي : بقليل من كل واحد من هذه البلايا وطرف منه ، وإنما قلل ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان ، وإن جل ، ففوقه ما يقل إليه ، وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم ، وإنما أخبر به قبل الوقوع ، ليوطنوا عليه نفوسهم ، ويزداد يقينهم ، عند مشاهدتهم له حسبما أخبر به ، وليعلموا أنه شيء يسير ، له عاقبة حميدة "من الخوف" أي خوف العدو والإرجاف به "والجوع" أي الفقر ، للشغل بالجهاد ، أو فقد الزاد ، إذا كنتم في سرية تجاهدون في سبيل الله . وقد كان يتفق لهم ذلك أياما يتبلغون فيها بتمرة "ونقص من الأموال" أي : لانقطاعهم بالجهاد عن عمارة بساتينهم ، أو لافتقاد بعضها بسبب الهجرة ، وترك شيء منه في البلدة المهاجر منها "والأنفس" بقتلها شهيدة في سبيل الله ، أو ذهاب أطرافها فيه "والثمرات" أي بأن لا نغل الحدائق كعادتها ، للغيبة عنها في سبيل الله ، وفقد من يتعاهدها ، وخصت بالذكر لأنها أعظم أموال الأنصار الذين هم أخص الناس بهذا الذكر لا سيما في وقت نزول هذه الآيات ، وهو أول زمان الهجرة . فكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده كما قال [ ص: 326 ] ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين قال الراغب: هذه الآية مشتملة على محن الدنيا كلها : أي إذا نظر إلى عموم كل فرد مما ذكر فيها ، وقطع النظر عن خصوص حال المخاطبين فيها ، بما يدل عليه سابقه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]