
15-03-2022, 02:13 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,916
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 336 الى صـ 340
الحلقة (66)
السادسة عشرة : إن المصائب والشدائد تمنع من الأشر والبطر والفخر والخيلاء والتكبر والتجبر ، فإن نمرود ، لو كان فقيرا سقيما ، فاقد السمع والبصر ، لما حاج إبراهيم في ربه ، لكن حمله بطر الملك على ذلك ، وقد علل الله سبحانه وتعالى محاجته بإتيانه الملك ، ولو ابتلي فرعون بمثل ذلك لما قال : أنا ربكم الأعلى وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال [ ص: 336 ] مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون
والفقراء والضعفاء هم الأولياء وأتباع الأنبياء . ولهذه الفوائد الجليلة كان أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ; نسبوا إلى الجنون ، والسحر ، والكهانة واستهزئ بهم وسخر منهم ، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا وقيل لنا : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [ ص: 337 ] ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا كالذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وتغربوا عن أوطانهم ، وكثر عناهم ، واشتد بلاهم ، وتكاثر أعداهم . فغلبوا في بعض المواطن ، وقتل منهم بأحد وبئر معونة من قتل . وشج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وقتل أعزاؤه ومثل بهم ، فشمتت أعداؤه واغتم أولياؤه ، وابتلوا يوم الخندق ، وزلزلوا زلزالا شديدا ، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وكانوا في خوف دائم وعري لازم . وفقر مدقع . حتى شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع . ولم يشبع سيد الأولين والآخرين من خبز بر في يوم مرتين ، وأوذي بأنواع الأذية حتى قذفوا أحب أهله إليه .
ثم ابتلي في آخر الأمر [ ص: 338 ] بمسيلمة وطليحة والعنسي ، ولقي هو وأصحابه في جيش العسرة ما لقوه ، ومات ودرعه عند يهودي على آصع من شعير . ولم تزل الأنبياء والصالحون يتعهدون بالبلاء الوقت بالوقت (يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان صلبا في دينه شدد في بلائه . ولقد كان أحدهم يوضع المنشار على مفرقه فلا يصده ذلك عن دينه) . وقال عليه الصلاة والسلام : [ ص: 339 ] « مثل المؤمن مثل الزرع ، لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء » . وقال عليه الصلاة والسلام : « مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح ، تصرعها مرة وتعدلها مرة حتى تهيج » فحال الشدة والبلوى مقبلة بالعبد إلى الله عز وجل ، وحال العافية والنعماء صارفة للعبد عن الله تعالى : وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه فلأجل ذلك تقللوا في المأكل والمشارب والمناكح والمجالس والمراكب وغير ذلك . ليكونوا على حالة توجب لهم الرجوع إلى الله تعالى عز وجل والإقبال عليه .
السابعة عشرة : الرضا الموجب لرضوان الله تعالى ، فإن المصائب تنزل بالبر والفاجر ، فمن سخطها فله السخط وخسران الدنيا والآخرة ، ومن رضيها فله الرضا . والرضا أفضل من الجنة وما فيها ; لقوله تعالى : ورضوان من الله أكبر أي : من جنات عدن ومساكنها الطيبة .
[ ص: 340 ] فهذه نبذة مما حضرنا من فوائد البلوى ونحن نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة فلسنا من رجال البلوى.وفقنا الله تعالى لما يحب ويرضى وعافانا من المحن والرزايا بمنه وكرمه . آمين
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|