
15-03-2022, 01:17 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 366 الى صـ 370
الحلقة (72)
[ ص: 366 ] وقال الخليل لقومه: إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين وقالت الملائكة: تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ويقولون: سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون وقال تعالى: ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين وقال تعالى: وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم
[ ص: 367 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[168] يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين
يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا حال أو مفعول، وهو ما انتفى عنه حكم التحريم: طيبا أي: مستطابا في نفسه، غير ضار للأبدان ولا للعقول.
وقد روى الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن ابن عباس قال: تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة! فقال: « يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة. والذي نفس محمد بيده! إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به...! » : ولا تتبعوا خطوات الشيطان وهي طرائقه ومسالكه فيما أضل أتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها... مما زينه لهم في جاهليتهم، كما في حديث عياض بن حمار الذي في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يقول الله تعالى: إن كل مال منحته عبادي فهو لهم حلال » . وفيه: « وإني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم » .
[ ص: 368 ] ومما يدخل في خطوات الشيطان: كل معصية لله، ومنها: النذور في المعاصي كما قاله بعض السلف في الآية.
قال الشعبي: نذر رجل أن ينحر ابنه، فأفتاه مسروق بذبح كبش، وقال: هذا من خطوات الشيطان!
قال أبو الضحى عن مسروق: أتى عبد الله بن مسعود بضرع وملح، فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم، فقال: لا أريده. فقال: أصائم أنت؟ قال: لا..! قال: فما شأنك؟ قال حرمت أن آكل ضرعا أبدا...! فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فأطعم وكفر عن يمينك..! رواه ابن أبي حاتم.
وروي أيضا عن أبي رافع قال: غضبت يوما على امرأتي، فقالت: هي يوما يهودية [ ص: 369 ] ويوما نصرانية، وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك..! فأتيت عبد الله بن عمر فقال: إنما هذه من خطوات الشيطان..! وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة - وهي يومئذ أفقه امرأة في المدينة - وأتيت عاصما وابن عمر فقالا مثل ذلك.
وروى عبد بن حميد عن ابن عباس قال: ما كان من يمين أو نذر في غضب، فهو من خطوات الشيطان، وكفارته كفارة يمين! نقله الإمام ابن كثير الدمشقي.
إنه لكم عدو مبين تعليل للنهي، للتنفير عنه والتحذير منه كما قال: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وقال تعالى: أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا
القول في تأويل قوله تعالى:
[169] إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون
إنما يأمركم بالسوء والفحشاء استئناف لبيان كيفية عداوته، وتفصيل لفنون شره وإفساده. والسوء: يشكل جميع المعاصي، سواء كانت من أعمال الجوارح، أو أفعال القلوب. و: والفحشاء ما تجاوز الحد في القبح من العظائم وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون أي: بأن تفتروا عليه تعالى بأنه حرم هذا وذاك بغير علم. فمعنى: ما لا تعلمون ما لا تعلمون أن الله تعالى أمر به.
[ ص: 370 ] قال البقاعي: ولقد أبلغ سبحانه في هذه الآية في حسن الدعاء لعباده إليه، لطفا بهم ورحمة لهم، بتذكيرهم في سياق الاستدلال على وحدانيته، بما أنعم عليهم، بخلقه لهم أولا، وبجعله ملائما لهم ثانيا وإباحته لهم ثالثا، وتحذيره لهم من العدو رابعا.... إلى غير ذلك من دقائق الألطاف وجلائل المنن...!اهـ.
قال الرازي: قوله تعالى: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون يتناول جميع المذاهب الفاسدة، بل يتناول مقلد الحق...! لأنه - وإن كان مقلدا للحق - لكنه قال ما لا يعلمه، فصار مستحقا للذم لاندراجه تحت الذم في هذه الآية.! انتهى.
وقال الإمام ابن القيم في " أعلام الموقعين ": القول على الله بلا علم يعم القول عليه سبحانه في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وفي دينه وشرعه. وقد جعله الله تعالى من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينـزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم ! فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه: هذا حرام. ولما لم يحله: هذا حلال. وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه.
وقال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول لما لا يعلم ولا ورد الوحي المبين بتحليله وتحريمه: أحله الله وحرمه، لمجرد التقليد أو بالتأويل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|