عرض مشاركة واحدة
  #75  
قديم 15-03-2022, 01:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 381 الى صـ 385
الحلقة (75)


قال الحرالي: وذكر الإهلال إعلام بأن ما أعلن عليه بغير اسم الله هو أشد المحرم، ففي إفهامه تخفيف الخطاب عما لا يعلم من خفي الذكر. وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا باللحم، لا ندري أذكر [ ص: 381 ] اسم الله عليه أم لا؟ فقال: « سموا عليه أنتم وكلوه » . قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر. فكأن المحرم ليس ما لم يعلم أن اسم الله ذكر عليه ; بل الذي علم أن اسم الله قد أعلن به عليه.

وروي عن علي رضي الله عنه قال: إذا سمعتم اليهود والنصارى يهلون لغير الله فلا تأكلوا، وإذا لم تسمعوهم فكلوا، فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.

فصل

فيما لتحريم هذه المذكورات من الحكم والأسرار الباهرات

فأما الميتة: فقال الحرالي: هي ما أدركه الموت من الحيوان عن ذبول القوة وفناء الحياة، وهي أشد مفسد للجسم، لفساد تركيبها بالموت، وذهاب تلذذ أجزائها، وعفنها، وذهاب روح الحياة والطهارة منها.

وقال المهايمي في " تفسيره ": ثم أشار تعالى إلى أنه إنما يقطع محبته أكل ما حرم، وهو الميتة وما ذكر معها. فأما الميتة فلأنها خبثت بنزع الروح منها بلا مطهر من الذبح باسم الله، تحقيقا أو تقديرا فتتعلق أرواحكم بالخبيث فتخبث، فينقطع عنها محبة الله. وإنما أبيح ميتة السمك لأن أصله الماء المطهر، فكما لا يؤثر فيه النجاسة، لا يؤثر نزع الروح فيما حصل منه، والجراد لأنه حصل من غير تولد ولا خبث في ذاته كسائر الحشرات.

وأما خبث الدم فلأنه جوهر مرتكس عن حال الطعام، ولم يبلغ بعد إلى حال الأعضاء فهو ميتة.

وقال الإمام ابن تيمية: حرم الدم المسفوح لأنه مجمع قوى النفس الشهوية الغضبية، [ ص: 382 ] وزيادته توجب طغيان هذه القوى، وهو مجرى الشيطان من البدن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم » .

وأما خبث لحم الخنزير: فلأذاه للنفس، كما حرم ما قبله لمضرتها في الجسم لأن من حكمة الله في خلقه: أن من اغتذى جسمه بجسمانية شيء اغتذت نفسانيته بنفسانية ذلك الشيء: « الكبر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم » . فلما جعل في الخنزير من الأوصاف الذميمة، حرم على من حوفظ على نفسه من ذميم الأخلاق. نقله البقاعي.

وقد كشف لأطباء هذا العصر من مضار لحم الخنزير المبنية على التجارب الحسية غير ما قالوه القدماء. فمن مضاره: أنه يورث الدودة الوحيدة المتسبب من وجودها في الأمعاء أعراض كثيرة: كالمغص، والإسهال، والقيء، وفقد شهوة الطعام، أو النهم الشديد، وآلام الرأس، والإغماء، والدوار، واضطراب الفكر، وعروض نوبات صرعية، وتشنجات عصبية، وإصابة مرض دودة الشعر الحلزونية الذي يفوق الحمى، ويودي بحياة المصاب...... إلى غير ذلك من التعب وعسر الهضم، ومضار سواها.

[ ص: 383 ] قال حكيم: فالإسلام لم يأت لإصلاح الروح فقط، بل لإصلاح الروح والجسم معا..! فلم يترك ضارا لأحدهما إلا ونبه عليه تصريحا أو تلويحا... وقد بسط الحكماء المتأخرون الكلام على مضرات لحم الخنزير في مقالات عديدة.

وأما خبث المهل به لغير الله: فلأنه يرين على القلب، لأنه تقرب به لغير موجده وخالقه تقرب عبادة، وذلك من صريح الإشراك والاعتماد على غيره تعالى ; فكان خبثه معنويا لتأثيره على النفوس والأخلاق كتأثير المضر بالجسم والبدن، والشرع جاء للحفظ عما يضر مطلقا، ولصيانة مقام التوحيد.

ولما كان هذا الدين يسرا لا عسر فيه ولا حرج، رفع حكم هذا التحريم عن المضطر. فقال: فمن اضطر أي: ألجأه ملجئ بأي ضرورة كانت إلى أكل شيء مما حرم بأن أشرف على التلف، فأكل من شيء منه حال كونه: غير باغ أي: غير طالب له راغب فيه لذاته. من بغى الشيء وابتغاه طلبه وحرص عليه ولا عاد أي: مجاوز لسد الرمق وإزالة الضرورة: فلا إثم عليه وإن بقيت حرمته، لأنه إذا تناوله حال الاضطرار لا يؤثر فيه الخبث لأنه كاره بالطبع. وقال الراغب: واختلف إذا اضطر إلى ذلك في دواء لا يسد غيره مسده. والصحيح أنه يجوز له تناوله للعلة المذكورة، يعني: إبقاء روحه بجهة ما رآه أقرب إلى إبقائه، وهي التي أجيز تناوله ما ذكر له للجوع.

إن الله غفور لما أكله حال الضرورة: رحيم حيث رخص لعباده في ذلك إبقاء عليهم.

ثم أعاد تعالى وعيد كاتمي أحكامه، إثر ما ذكره من الأحكام، تحذيرا لهذه الأمة أن يسلكوا سبيل من عنوا به، وهم أهل الكتاب، فقال سبحانه:

قال الحرالي: وذكر الإهلال إعلام بأن ما أعلن عليه بغير اسم الله هو أشد المحرم، ففي إفهامه تخفيف الخطاب عما لا يعلم من خفي الذكر. وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا باللحم، لا ندري أذكر [ ص: 381 ] اسم الله عليه أم لا؟ فقال: « سموا عليه أنتم وكلوه » . قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر. فكأن المحرم ليس ما لم يعلم أن اسم الله ذكر عليه ; بل الذي علم أن اسم الله قد أعلن به عليه.

وروي عن علي رضي الله عنه قال: إذا سمعتم اليهود والنصارى يهلون لغير الله فلا تأكلوا، وإذا لم تسمعوهم فكلوا، فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.

فصل

فيما لتحريم هذه المذكورات من الحكم والأسرار الباهرات

فأما الميتة: فقال الحرالي: هي ما أدركه الموت من الحيوان عن ذبول القوة وفناء الحياة، وهي أشد مفسد للجسم، لفساد تركيبها بالموت، وذهاب تلذذ أجزائها، وعفنها، وذهاب روح الحياة والطهارة منها.

وقال المهايمي في " تفسيره ": ثم أشار تعالى إلى أنه إنما يقطع محبته أكل ما حرم، وهو الميتة وما ذكر معها. فأما الميتة فلأنها خبثت بنزع الروح منها بلا مطهر من الذبح باسم الله، تحقيقا أو تقديرا فتتعلق أرواحكم بالخبيث فتخبث، فينقطع عنها محبة الله. وإنما أبيح ميتة السمك لأن أصله الماء المطهر، فكما لا يؤثر فيه النجاسة، لا يؤثر نزع الروح فيما حصل منه، والجراد لأنه حصل من غير تولد ولا خبث في ذاته كسائر الحشرات.

وأما خبث الدم فلأنه جوهر مرتكس عن حال الطعام، ولم يبلغ بعد إلى حال الأعضاء فهو ميتة.

وقال الإمام ابن تيمية: حرم الدم المسفوح لأنه مجمع قوى النفس الشهوية الغضبية، [ ص: 382 ] وزيادته توجب طغيان هذه القوى، وهو مجرى الشيطان من البدن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم » .

وأما خبث لحم الخنزير: فلأذاه للنفس، كما حرم ما قبله لمضرتها في الجسم لأن من حكمة الله في خلقه: أن من اغتذى جسمه بجسمانية شيء اغتذت نفسانيته بنفسانية ذلك الشيء: « الكبر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم » . فلما جعل في الخنزير من الأوصاف الذميمة، حرم على من حوفظ على نفسه من ذميم الأخلاق. نقله البقاعي.

وقد كشف لأطباء هذا العصر من مضار لحم الخنزير المبنية على التجارب الحسية غير ما قالوه القدماء. فمن مضاره: أنه يورث الدودة الوحيدة المتسبب من وجودها في الأمعاء أعراض كثيرة: كالمغص، والإسهال، والقيء، وفقد شهوة الطعام، أو النهم الشديد، وآلام الرأس، والإغماء، والدوار، واضطراب الفكر، وعروض نوبات صرعية، وتشنجات عصبية، وإصابة مرض دودة الشعر الحلزونية الذي يفوق الحمى، ويودي بحياة المصاب...... إلى غير ذلك من التعب وعسر الهضم، ومضار سواها.

[ ص: 383 ] قال حكيم: فالإسلام لم يأت لإصلاح الروح فقط، بل لإصلاح الروح والجسم معا..! فلم يترك ضارا لأحدهما إلا ونبه عليه تصريحا أو تلويحا... وقد بسط الحكماء المتأخرون الكلام على مضرات لحم الخنزير في مقالات عديدة.

وأما خبث المهل به لغير الله: فلأنه يرين على القلب، لأنه تقرب به لغير موجده وخالقه تقرب عبادة، وذلك من صريح الإشراك والاعتماد على غيره تعالى ; فكان خبثه معنويا لتأثيره على النفوس والأخلاق كتأثير المضر بالجسم والبدن، والشرع جاء للحفظ عما يضر مطلقا، ولصيانة مقام التوحيد.

ولما كان هذا الدين يسرا لا عسر فيه ولا حرج، رفع حكم هذا التحريم عن المضطر. فقال: فمن اضطر أي: ألجأه ملجئ بأي ضرورة كانت إلى أكل شيء مما حرم بأن أشرف على التلف، فأكل من شيء منه حال كونه: غير باغ أي: غير طالب له راغب فيه لذاته. من بغى الشيء وابتغاه طلبه وحرص عليه ولا عاد أي: مجاوز لسد الرمق وإزالة الضرورة: فلا إثم عليه وإن بقيت حرمته، لأنه إذا تناوله حال الاضطرار لا يؤثر فيه الخبث لأنه كاره بالطبع. وقال الراغب: واختلف إذا اضطر إلى ذلك في دواء لا يسد غيره مسده. والصحيح أنه يجوز له تناوله للعلة المذكورة، يعني: إبقاء روحه بجهة ما رآه أقرب إلى إبقائه، وهي التي أجيز تناوله ما ذكر له للجوع.

إن الله غفور لما أكله حال الضرورة: رحيم حيث رخص لعباده في ذلك إبقاء عليهم.

ثم أعاد تعالى وعيد كاتمي أحكامه، إثر ما ذكره من الأحكام، تحذيرا لهذه الأمة أن يسلكوا سبيل من عنوا به، وهم أهل الكتاب، فقال سبحانه:

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]