عرض مشاركة واحدة
  #77  
قديم 15-03-2022, 01:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 391 الى صـ 395
الحلقة (77)

وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو جعفر الباقر، والحسن، وقتادة، والضحاك، والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان. والسبيل اسم الطريق، وجعل المسافر ابنا لها لملازمته إياها كما يقال لطير الماء: ابن الماء، ويقال للرجل الذي أتت عليه السنون: ابن الأيام، وللشجعان: بنو الحرب، وللناس: بنو الزمان.

والسائلين وهم الذين يتعرضون للطلب، فيعطون من الزكوات والصدقات. كما روى الإمام أحمد عن حسين بن علي عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « للسائل حق وإن جاء على فرس » . ورواه أبو داود وفي الرقاب معطوف على المفعول الأول وهو ذوي أي: وآتى المال في الرقاب، أي: دفعه في فكها، أي: لأجله وبسببه

قال الراغب: الرقاب جمع رقبة. وأصل الرقبة: العنق. ويعبر بها عن الجملة، كما يعبر عنها بالرأس.

وقال الحرالي: الرقاب جمع رقبة وهو ما ناله الرق من بني آدم. فالمراد: الرقاب المسترقة التي يرام فكها بالكتابة، وفك الأسرى منه، وقدم عليهم أولئك ; لأن حاجتهم لإقامة البنية.

قيل: نكتة إيراد: في هو أن ما يعطى لهم: مصروف في تخليص رقابهم، فلا يملكونه كالمصارف الأخرى. والله أعلم.

لطيفة:

قال الراغب: إن قيل كيف اعتبر الترتيب المذكور في قوله تعالى: وآتى المال على حبه الآية؟ قيل: لما كان أولى من يتفقده الإنسان بمعروفه أقاربه، كان تقديمها أولى ثم عقبه باليتامى لأن مواساتهم بعد الأقارب أولى، ثم ذكر المساكين الذين لا مال لهم حاضرا ولا غائبا، ثم ذكر ابن السبيل الذي قد يكون له مال غائب، ثم ذكر السائلين [ ص: 392 ] الذين منهم صادق وكاذب، ثم ذكر الرقاب الذين لهم أرباب يعولونهم، فكل واحد ممن أخر ذكره أقل فقرا ممن قدم ذكره...!

وأقام الصلاة أي: أتم أفعالها في أوقاتها بركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي وآتى الزكاة أي: زكاة المال المفروضة ; على أن المراد بما مر من إيتاء المال، التنفل بالصدقات والبر والصلة، قدم على الفريضة مبالغة في الحث عليه، أو المراد بهما المفروضة، والأول لبيان المصارف، والثاني لبيان وجوب الأداء، وقد أبعد من حمل الزكاة هنا على زكاة النفس وتخليصها من الأخلاق الدنيئة الرذيلة، كقوله: قد أفلح من زكاها وقوله: هل لك إلى أن تزكى ووجه البعد: أن الزكاة المقرونة بالصلاة في التنزيل لا يراد بها إلا زكاة المال، وأما مع الانفراد فعلى حسب المقام: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا عطف على من آمن، فإنه في قوة أن يقال: ومن أوفوا بعهدهم. وإيثار صيغة الفاعل للدلالة على وجوب استمرار الوفاء.

قال الرازي: اعلم أن هذا العهد إما أن يكون بين العبد وبين الله، أو بينه وبين رسول الله، أو بينه وبين سائر الناس. فالأول: ما يلزمه بالنذور والأيمان. والثاني: فهو ما عاهد الرسول عليه عند التبعة: من القيام بالنصرة، والمظاهرة، وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه. والثالث: قد يكون من الواجبات: مثل ما يلزمه في عقود المعاوضات من التسليم والتسلم. وكذا الشرائط التي يلتزمها في السلم والرهن، وقد يكون من المندوبات: مثل الوفاء بالمواعيد في بذل المال، والإخلاص في المناصرة. فالآية تتناول كل هذه الأقسام.

قال ابن كثير: وعكس هذه الصفة النفاق، كما صح في الحديث: « آية المنافق ثلاث: [ ص: 393 ] إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان » . وفي رواية: « إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر » : والصابرين نصب على الاختصاص. غير سبكه عما قبله تنبيها على فضيلة الصبر ومزيته، وهو في الحقيقة معطوف على ما قبله. قال أبو علي: إذا ذكرت صفات للمدح أو للذم فخولف في بعضها الإعراب، فقد خولف للافتنان، ويسمى ذلك قطعا ; لأن تغيير المألوف يدل على زيادة ترغيب في استماع المذكور، ومزيد اهتمام بشأنه ! وقد قرئ: والصابرون. كما قرئ: والموفين.

قال الراغب: لما كان الصبر: من وجه مبدأ للفضائل، ومن وجه جامعا للفضائل ; إذ لا فضيلة إلا وللصبر فيها أثر بليغ. غير إعرابه تنبيها على هذا المقصد..!: في البأساء أي: الشدة، أي: عند حلولها بهم: والضراء بمعنى البأساء وهي الشدة أيضا، كما فسرهما بها في القاموس. وقال ابن الأثير: الضراء: الحالة التي تضر وهي نقيض السراء، وهما بناءان للمؤنث ولا مذكر لهما: وحين البأس أي: وقت مجاهدة العدو في مواطن الحرب، وزيادة الحين للإشعار بوقوعه أحيانا، وسرعة انقضائه، ومعنى البأس في اللغة: الشدة، يقال: لا بأس عليك في هذا أي: لا شدة. وعذاب بئيس شديد. وسميت الحرب بأسا لما فيها من الشدة. والعذاب يسمى بأسا لشدته. قال تعالى: فلما رأوا بأسنا فلما أحسوا بأسنا فمن ينصرنا من بأس الله [ ص: 394 ] وقال ابن سيده: البأس الحرب، ثم كثر حتى قيل: لا بأس عليك، أي: لا خوف.

وقال الراغب: استوعبت هذه الجملة أنواع الضر. لأنه إما يحتاج إلى الصبر في شيء يعوز الإنسان، أو يريده فلا يناله، وهو البأساء. أو فيما نال جسمه من ألم، وهو الضراء. أو في مدافعة مؤذيه وهو اليأس.

أولئك الذين صدقوا في إيمانهم، لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فلم تغيرهم الأحوال، ولم تزلزلهم الأهوال. وفيه إشعار بأن من لم يفعل أفعالهم لم يصدق في دعواه الإيمان...!: وأولئك هم المتقون عن الكفر وسائر الرذائل. وتكرير الإشارة لزيادة تنويه بشأنهم. وتوسيط الضمير للإشارة إلى انحصار التقوى فيهم.

قال الواحدي: هذه الواوات في الأوصاف في هذه الآية للجمع. فمن شرائط البر، وتمام شرط البار، أن تجتمع فيه هذه الأوصاف، ومن قام به واحد منها لم يستحق الوصف بالبر.
[ ص: 395 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[178] يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم

يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى هذا شروع في بيان الحدود والحقوق التي لآدمي معين، وهي النفوس. و: كتب بمعنى فرض وأوجب.

قال الراغب: الكتابة يعبر بها عن الإيجاب. وأصل ذلك: أن الشيء يراد ثم يقال ثم يكتب. فيعبر عن المراد الذي هو المبدأ بالكتابة التي هي المنتهى.

الحر يقتل: بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من القاتلين: من أخيه أي: دم أخيه المقتول: شيء بأن ترك وليه القود منه، ونزل عن طلب الدم إلى الدية. وفي ذكر الأخوة: تعطف داع إلى العفو، وإيذان بأن القتل لا يقطع أخوة الإيمان: فاتباع أي: فعلى العافي اتباع للقاتل: بالمعروف بأن يطالبه بالدية بلا عنف: {و } على القاتل: {أداء } للدية: إليه أي: العافي وهو الوارث: بإحسان بلا مطل ولا بخس: ذلك أي: ما ذكر من الحكم، وهو جواز القصاص والعفو عنه على الدية: تخفيف تسهيل: من ربكم عليكم: ورحمة بكم، حيث وسع في ذلك، ولم يحتم واحدا منهما: فمن اعتدى بعد ذلك بأن قتل غير القاتل بعد ورود هذا الحكم، أو قتل القاتل بعد العفو، أو أخذ الدية: فله باعتدائه: عذاب أليم أما في الدنيا فبالاقتصاص بما قتله بغير حق، وأما في الآخرة فبالنار.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]