عرض مشاركة واحدة
  #78  
قديم 15-03-2022, 01:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 396 الى صـ 400
الحلقة (78)

تنبيهات:

الأول: قال الراغب: إن قيل: على من يتوجه هذا الوجوب في قوله تعالى: كتب عليكم ؟ أجيب: على الناس كافة. فمنهم من يلزمه استقادته - وهو الإمام - إذا طلبه الولي. ومنه من يلزمه تسليم النفس وهو القاتل. ومنهم من يلزمه المعاونة والرضا به. ومنهم من يلزمه أن لا يتعدى بل يقتص، أو يأخذ الدية. والقصد بالآية: منع التعدي الجاهلي.

الثاني: القصاص مصدر قاصه، المزيد. وأصل القص: قطع الشيء على سبيل الاجتذاذ، ومنه: قص شعره. وقص الحديث: اقتطع كلاما حادثا جدا وغيره، والقصة اسم منه. وحقيقة القصاص: أن يفعل بالقاتل والجارح مثل ما فعلا. أفاده الراغب.

الثالث: ذكر تقي الدين ابن تيمية في " السياسة الشرعية " جملة من أحكام القتل نأثرها عنه. قال رحمه الله:

القتل ثلاثة أنواع:

أحدها: العمد المحض، وهو أن يقصد من يعلمه معصوما بما يقتل غالبا. سواء كان يقتل بحده: كالسيف ونحوه، أو بثقله: كالسندان وكودس القصار. أو بغير ذلك: كالتحريق، والتغريق، وإلقاء من مكان شاهق، والخنق، وإمساك الخصيتين حتى يخرج الروح، وغم الوجه حتى يموت، وسقي السموم... ونحو ذلك من الأفعال. فهذا إذا فعله وجب فيه القود. وهو أن يمكن أولياء المقتول من القاتل. فإن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا عفوا، وإن أحبوا أخذوا الدية ; وليس لهم أن يقتلوا غير قاتله. قال الله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا وقيل في التفسير: لا يقتل [ ص: 397 ] غير قاتله. وعن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أصيب بدم أو خبل - والخبل: الجرح - فهو بالخيار بين إحدى ثلاث. فإن أراد الرابعة، فخذوا على يديه: أن يقتل، أو يعفو، أو يأخذ الدية. فمن فعل شيئا من ذلك فعاد، فإن له نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا » . فمن قتل بعد العفو وأخذ الدية فهو أعظم جرما ممن قتل ابتداء. حتى قال بعض العلماء: إنه يجب قتله حدا، ولا يكون أمره إلى أولياء المقتول، فإن الله تعالى قال: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون قال العلماء: إن أولياء المقتول تغلي قلوبهم بالغيظ، حتى يؤثروا أن يقتلوا القاتل وأولياءه. وربما لم يرضوا بقتل القاتل، بل يقتلون كثيرا من أصحاب القاتل كسيد القبيلة ومقدم الطائفة - فيكون القاتل قد اعتدى في الابتداء، ويعتدي هؤلاء في الاستيفاء، كما كان يفعله أهل الجاهلية، وكما يفعله أهل الجاهلية الخارجون عن الشريعة في هذه الأوقات: من الأعراب والحاضرة وغيرهم. وقد يستعظمون قتل القاتل لكونه عظيما، أشرف من المقتول، فيفضي ذلك إلى أن أولياء المقتول يقتلون من قدروا عليه من أولياء القاتل. وربما حالف هؤلاء قوما واستعانوا بهم، وهؤلاء قوما، فيفضي إلى الفتن والعداوة العظيمة. وسبب ذلك: خروجهم عن سنن العدل الذي هو القصاص في القتلى. فكتب الله علينا القصاص وهو المساواة والمعادلة في القتل. وأخبر أن فيه حياة فإنه يحقن دم غير القاتل من أولياء الرجلين. وأيضا إذا علم من يريد القتل: أنه يقتل، كف عن القتل...!

[ ص: 398 ] وقد روي عن علي بن أبي طالب وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم. ألا لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده..! » رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من أهل السنن. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسلمين تتكافأ دماؤهم - أي: تتساوى أو تتعادل - فلا يفضل عربي على عجمي، ولا قرشي أو هاشمي على غيره من المسلمين، ولا حر أصلي على مولى عتيق، ولا عالم أو أمير على أمي أو مأمور. وهذا متفق عليه بين المسلمين. بخلاف ما عليه أهل الجاهلية وحكام اليهود. فإنه كان يقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم صنفان من اليهود: قريظة والنضير. وكانت النضير تفضل على قريظة في الدماء. فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وفي حد الزاني، فإنهم كانوا قد غيروه من الرجم إلى التحميم، وقالوا: إن حكم بينكم بذلك كان لكم [ ص: 399 ] حجة، وإلا فأنتم قد تركتم حكم التوراة. فأنزل الله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم إلى قوله: وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين إلى قوله.. فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص

فبين سبحانه أنه سوى بين نفوسهم، ولم يفضل منهم نفسا على أخرى، كما كانوا يفعلونه، إلى قوله: وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا - [ ص: 400 ] إلى قوله -: أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]