الخشوع في الصلاة
ساير بن هليل المسباح
إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون، يقول الله - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 3]، يثني الله سبحانه على عباده المؤمنين، ويذكر جملة من صفاتهم، وتكون أول هذه الصفات هي الخشوع في الصلاة.
الخشوع في الصلاة هو لُبُّ الصلاة وروحها الذي به يكون مقدار الأجر والثواب.
فإن الصلاة ليست قيامًا وركوعًا وسجودًا فحسب، حركات ظاهرة تؤدَّى وتنتهي الصلاة، إنما الصلاة خشوع القلب والجوارح لله تعالى، حضور القلب فيما يقرأ أو يسمع من كلام الله، وخضوع الجوارح لله تعالى، لا حركة ولا التفات، ولا استعجال في الأداء، ولا تململ من الصلاة طالت أو قصرت.
إنك لو تأمَّلت في كثيرٍ من أركان وشروط وواجبات الصلاة، تجدها جميعًا داعيةً إلى الخشوع في الصلاة.
فأنت تستقبل في صلاتك جهة واحدة، لا تولِّي وجهتك حيث تشاء، وإنما تولِّيها جهة الكعبة أين ما كنت، لك قبلة واحدة تتوجه لها كلَّ يوم، وليس كل يوم تتوجه إلى قبلة جديدة.
وأنت لا تصلي على أي لباس تلبسه وترتديه، بل لا بد من ستر عورتك، والله يقول: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، وليس من اللائق أن يقف المصلي بين يدي ربه وهو بلباس النوم أو بلباس لا يقابل فيه المسؤولين، أو يحضر فيه المناسبات العامة.
هل يعقل أن تهون الصلاة في أعيننا، فنلبس لها أيَّ لباس، وتعظم مناسبات الناس فننتقي لها أفضل لباس ونختار.
الحضور المبكر للصلاة أحد أهم أسباب الخشوع في الصلاة، فلا يظن من يتأخر في صلاته، أو من ينتظر حتى تقام الصلاة، فيخرج من بيته أن يكون من الخاشعين.
إن الموظف لو تأخر دقائق عن عمله لحاسَبه مديره عن هذا التأخير، وحسم من راتبه بحجة تأخير العمل أو تعطيله، ولو علم الناس ما في الخشوع من الأجر، لصاروا أحرص عليه من حضورهم المبكر لأعمالهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنبٍ وإثم وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أيها المسلمون، كان عبدالله بن الزبير - رضي الله عنهما - إذا دخل في الصلاة لا يلتفت إلى شيء حوله، وقد كانت الحجارة تسقط قريبًا منه في حصار الحجاج، ويظل يكمل صلاته حتى ينهيها في خشوعٍ وهدوء.
وأخوه عروة بن الزبير لما أصابه المرض وقرَّر الطبيب قطع ساقه، وأنه لا بد من التخدير أو شرب الخمر حتى لا يحس بالألم، رفض ذلك وقال: دعوني أصلي فإذا صليت فافعلوا ما شئتم، فإني لا أحس بما تفعلون، وذلك لاندماجه في الصلاة، فلا يحس بشيء غيرها.
وذُكِر عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا دخل في الصلاة وكبَّر تكبيرة الإحرام، يكبر تكبيرًا يأخذ بالألباب.
ومن استقام له الخشوع في الصلاة استقامت له صلاته، وتلذذ في أدائها وأحس بشوق دائم لها، وهذا أمر يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر طويل حتى يجده المصلي، فإذا وجده فإياه ثم إياه أن يفقده.
جعلني الله وإياكم من الخاشعين في صلاتهم، المفلحين في دنياهم وآخرتهم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين وانصُر عبادك المجاهدين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك حبَّك وحبَّ عمل يقرِّبنا إلى حبك، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بحفظك ووفِّقنا إلى طاعتك، وارحمنا برحمتك، وارزقنا من رزقك الواسع، وتفضَّل علينا من فضلك العظيم، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم أصلح إمامنا وليَّ أمرنا، واحفظ بلادنا من كيد الأعداء.
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.