
18-03-2022, 09:53 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(36)
الحلقة (51)
صــ 406إلى صــ410
وأما تأويل قوله " فما فوقها " : فما هو أعظم منها - عندي - لما ذكرنا قبل من قول قتادة وابن جريج : أن البعوضة أضعف خلق الله ، فإذ كانت أضعف خلق الله فهي نهاية في القلة والضعف . وإذ كانت كذلك ، فلا شك أن ما فوق أضعف الأشياء لا يكون إلا أقوى منه ، فقد يجب أن يكون المعنى [ ص: 406 ] - على ما قالاه - فما فوقها في العظم والكبر ، إذ كانت البعوضة نهاية في الضعف والقلة .
وقيل في تأويل قوله " فما فوقها " في الصغر والقلة ، كما يقال في الرجل يذكره الذاكر فيصفه باللؤم والشح ، فيقول السامع : " نعم ، وفوق ذاك " يعني فوق الذي وصف في الشح واللؤم ، وهذا قول خلاف تأويل أهل العلم الذين ترتضى معرفتهم بتأويل القرآن .
فقد تبين إذا ، بما وصفنا ، أن معنى الكلام : إن الله لا يستحيي أن يصف شبها لما شبه به الذي هو ما بين بعوضة إلى ما فوق البعوضة .
فأما تأويل الكلام لو رفعت البعوضة ، فغير جائز في " ما " إلا ما قلنا من أن تكون اسما لا صلة بمعنى التطول .
القول في تأويل قوله : ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فأما الذين آمنوا " فأما الذين صدقوا الله ورسوله . وقوله : " فيعلمون أنه الحق من ربهم " يعني : فيعرفون أن المثل الذي ضربه الله ، لما ضربه له - مثل .
564 - كما حدثني به المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : " فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم " [ ص: 407 ] ، أن هذا المثل الحق من ربهم ، وأنه كلام الله ومن عنده .
565 - وكما حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، قوله " فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم " أي يعلمون أنه كلام الرحمن ، وأنه الحق من الله .
" وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا "
قال أبو جعفر : وقوله " وأما الذين كفروا " يعني الذين جحدوا آيات الله ، وأنكروا ما عرفوا ، وستروا ما علموا أنه حق ، وذلك صفة المنافقين ، وإياهم عنى الله جل وعز - ومن كان من نظرائهم وشركائهم من المشركين من أهل الكتاب وغيرهم - بهذه الآية ، فيقولون : ماذا أراد الله بهذا مثلا كما قد ذكرنا قبل من الخبر الذي رويناه عن مجاهد الذي :
566 - حدثنا به محمد عن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم " الآية ، قال : يؤمن بها المؤمنون ، ويعلمون أنها الحق من ربهم ، ويهديهم الله بها ، ويضل بها الفاسقون . يقول : يعرفه المؤمنون فيؤمنون به ، ويعرفه الفاسقون فيكفرون به .
وتأويل قوله : " ماذا أراد الله بهذا مثلا " ما الذي أراد الله بهذا المثل مثلا . " فذا " الذي مع " ما " في معنى " الذي " وأراد صلته ، وهذا إشارة إلى المثل .
[ ص: 408 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل وعز : " يضل به كثيرا " يضل الله به كثيرا من خلقه . والهاء في " به " من ذكر المثل . وهذا خبر من الله جل ثناؤه مبتدأ ، ومعنى الكلام : أن الله يضل بالمثل الذي يضربه كثيرا من أهل النفاق والكفر :
567 - كما حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " يضل به كثيرا " يعني المنافقين ، " ويهدي به كثيرا " يعني المؤمنين .
- فيزيد هؤلاء ضلالا إلى ضلالهم ، لتكذيبهم بما قد علموه حقا يقينا من المثل الذي ضربه الله لما ضربه له ، وأنه لما ضربه له موافق . فذلك إضلال الله إياهم به . ويهدي به " يعني بالمثل ، كثيرا من أهل الإيمان والتصديق ، فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانا إلى إيمانهم . لتصديقهم بما قد علموه حقا يقينا أنه موافق ما ضربه الله له مثلا وإقرارهم به . وذلك هداية من الله لهم به .
وقد زعم بعضهم أن ذلك خبر عن المنافقين ، كأنهم قالوا : ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد ، يضل به هذا ويهدي به هذا . ثم استؤنف الكلام والخبر عن الله ، فقال الله : " وما يضل به إلا الفاسقين " وفيما في سورة المدثر - من قول الله : " وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء " - ما ينبئ عن أنه في سورة البقرة كذلك مبتدأ ، أعني قوله : " يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا "
[ ص: 409 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( وما يضل به إلا الفاسقين ( 26 ) )
وتأويل ذلك ما :
568 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " وما يضل به إلا الفاسقين " هم المنافقون .
569 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : " وما يضل به إلا الفاسقين " فسقوا فأضلهم الله على فسقهم .
570 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : " وما يضل به إلا الفاسقين " هم أهل النفاق .
قال أبو جعفر : وأصل الفسق في كلام العرب : الخروج عن الشيء . يقال منه : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها . ومن ذلك سميت الفأرة فويسقة ، لخروجها عن جحرها ، فكذلك المنافق والكافر سميا فاسقين ، لخروجهما عن طاعة ربهما . ولذلك قال جل ذكره في صفة إبليس : ( إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) [ سورة الكهف : 50 ] ، يعني به خرج عن طاعته واتباع أمره .
571 - كما حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، [ ص: 410 ] عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس في قوله : ( بما كانوا يفسقون ) [ سورة البقرة : 59 ] أي بما بعدوا عن أمري . فمعنى قوله : " وما يضل به إلا الفاسقين " وما يضل الله بالمثل الذي يضربه لأهل الضلال والنفاق ، إلا الخارجين عن طاعته ، والتاركين اتباع أمره ، من أهل الكفر به من أهل الكتاب ، وأهل الضلال من أهل النفاق .
القول في تأويل قوله : ( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه )
قال أبو جعفر : وهذا وصف من الله جل ذكره الفاسقين الذين أخبر أنه لا يضل بالمثل الذي ضربه لأهل النفاق غيرهم ، فقال : وما يضل الله بالمثل الذي يضربه - على ما وصف قبل في الآيات المتقدمة - إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه .
ثم اختلف أهل المعرفة في معنى العهد الذي وصف الله هؤلاء الفاسقين بنقضه :
فقال بعضهم : هو وصية الله إلى خلقه ، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته ، في كتبه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونقضهم ذلك تركهم العمل به .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|