
18-03-2022, 09:56 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(40)
الحلقة (55)
صــ 426إلى صــ430
فبدأ بعد تعديده عليهم ما عدد من نعمه التي هم فيها مقيمون ، بذكر أبينا وأبيهم آدم أبي البشر صلوات الله عليه ، وما سلف منه من كرامته إليه ، وآلائه لديه ، وما أحل به وبعدوه إبليس من عاجل عقوبته بمعصيتهما التي كانت منهما ، ومخالفتهما أمره الذي أمرهما به . وما كان من تغمده آدم برحمته إذ تاب وأناب إليه . وما كان من إحلاله بإبليس من لعنته في العاجل ، وإعداده له ما أعد له من العذاب المقيم في الآجل ، إذ استكبر وأبى التوبة إليه والإنابة ، منبها لهم على حكمه [ ص: 426 ] في المنيبين إليه بالتوبة ، وقضائه في المستكبرين عن الإنابة ، إعذارا من الله بذلك إليهم ، وإنذارا لهم ، ليتدبروا آياته وليتذكر منهم أولو الألباب . وخاصا أهل الكتاب - بما ذكر من قصص آدم وسائر القصص التي ذكرها معها وبعدها ، مما علمه أهل الكتاب وجهلته الأمة الأمية من مشركي عبدة الأوثان - بالاحتجاج عليهم - دون غيرهم من سائر أصناف الأمم ، الذين لا علم عندهم بذلك - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ليعلموا بإخباره إياهم بذلك ، أنه لله رسول مبعوث ، وأن ما جاءهم به فمن عنده ، إذ كان ما اقتص عليهم من هذه القصص ، من مكنون علومهم ، ومصون ما في كتبهم ، وخفي أمورهم التي لم يكن يدعي معرفة علمها غيرهم وغير من أخذ عنهم وقرأ كتبهم .
وكان معلوما من محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن قط كاتبا ، ولا لأسفارهم تاليا ، ولا لأحد منهم مصاحبا ولا مجالسا ، فيمكنهم أن يدعوا أنه أخذ ذلك من كتبهم أو عن بعضهم ، فقال جل ذكره - في تعديده عليهم ما هم فيه مقيمون من نعمه ، مع كفرهم به ، وتركهم شكره عليها بما يجب له عليهم من طاعته : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم ) [ سورة البقرة : 29 ] . فأخبرهم جل ذكره أنه خلق لهم ما في الأرض جميعا ، لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع . أما في الدين ، فدليل على وحدانية ربهم ، وأما في الدنيا فمعاش وبلاغ لهم إلى طاعته وأداء فرائضه .
فلذلك قال جل ذكره : " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " [ ص: 427 ]
وقوله : " هو " مكني من اسم الله جل ذكره عائد على اسمه في قوله : " كيف تكفرون بالله " ومعنى خلقه ما خلق جل ثناؤه ، إنشاؤه عينه ، وإخراجه من حال العدم إلى الوجود . و " ما " بمعنى " الذي "
فمعنى الكلام إذا : كيف تكفرون بالله وكنتم نطفا في أصلاب آبائكم فجعلكم بشرا أحياء ، ثم يميتكم ، ثم هو محييكم بعد ذلك وباعثكم يوم الحشر للثواب والعقاب ، وهو المنعم عليكم بما خلق لكم في الأرض من معايشكم وأدلتكم على وحدانية ربكم .
و " كيف " بمعنى التعجب والتوبيخ ، لا بمعنى الاستفهام ، كأنه قال : ويحكم كيف تكفرون بالله ، كما قال : ( فأين تذهبون ) [ سورة التكوير : 26 ] . وحل قوله : " وكنتم أمواتا فأحياكم " محل الحال . وفيه ضمير " قد " ولكنها حذفت لما في الكلام من الدليل عليها . وذلك أن " فعل " إذا حلت محل الحال كان معلوما أنها مقتضية " قد " كما قال جل ثناؤه : ( أو جاءوكم حصرت صدورهم ) [ سورة النساء : 90 ] ، بمعنى : قد حصرت صدورهم . وكما تقول للرجل : أصبحت كثرت ماشيتك ، تريد : قد كثرت ماشيتك .
وبنحو الذي قلنا في قوله : " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " كان قتادة يقول :
587 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة ، قوله : " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " نعم والله سخر لكم ما في الأرض .
[ ص: 428 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات )
قال أبو جعفر : اختلفوا في تأويل قوله : " ثم استوى إلى السماء "
فقال بعضهم : معنى استوى إلى السماء ، أقبل عليها ، كما تقول : كان فلان مقبلا على فلان ، ثم استوى علي يشاتمني ، واستوى إلي يشاتمني . بمعنى : أقبل علي وإلي يشاتمني . واستشهد على أن الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر :
أقول وقد قطعن بنا شرورى سوامد ، واستوين من الضجوع
فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضجوع ، وكان ذلك عنده بمعنى : أقبلن . وهذا من التأويل في هذا البيت خطأ ، وإنما معنى قوله : " واستوين من الضجوع " استوين على الطريق من الضجوع خارجات ، بمعنى استقمن عليه .
وقال بعضهم : لم يكن ذلك من الله جل ذكره بتحول ، ولكنه بمعنى فعله ، كما تقول : كان الخليفة في أهل العراق يواليهم ، ثم تحول إلى الشام . إنما يريد : [ ص: 429 ] تحول فعله . [ وقال بعضهم : قوله : " ثم استوى إلى السماء " يعني به : استوت ] . كما قال الشاعر :
أقول له لما استوى في ترابه على أي دين قتل الناس مصعب
وقال بعضهم : " ثم استوى إلى السماء " عمد لها . وقال : بل كل تارك عملا كان فيه إلى آخر فهو مستو لما عمد له ، ومستو إليه .
وقال بعضهم : الاستواء هو العلو ، والعلو هو الارتفاع . وممن قال ذلك الربيع بن أنس .
588 - حدثت بذلك عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : " ثم استوى إلى السماء " يقول : ارتفع إلى السماء .
ثم اختلف متأولو الاستواء بمعنى العلو والارتفاع ، في الذي استوى إلى السماء . فقال بعضهم : الذي استوى إلى السماء وعلا عليها ، هو خالقها ومنشئها . وقال بعضهم : بل العالي عليها : الدخان الذي جعله الله للأرض سماء .
قال أبو جعفر : الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه : منها انتهاء شباب الرجل وقوته ، فيقال ، إذا صار كذلك : قد استوى الرجل . ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب ، يقال منه : استوى لفلان أمره . إذا استقام بعد أود ، ومنه قول الطرماح بن حكيم :
طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده
[ ص: 430 ]
يعني : استقام به . ومنها : الإقبال على الشيء يقال استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه . ومنها . الاحتياز والاستيلاء ، كقولهم : استوى فلان على المملكة . بمعنى احتوى عليها وحازها . ومنها : العلو والارتفاع ، كقول القائل ، استوى فلان على سريره . يعني به علوه عليه .
وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه : " ثم استوى إلى السماء فسواهن " علا عليهن وارتفع ، فدبرهن بقدرته ، وخلقهن سبع سماوات .
والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : " ثم استوى إلى السماء " الذي هو بمعنى العلو والارتفاع ، هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه - إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك - أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر . ثم لم ينج مما هرب منه! فيقال له : زعمت أن تأويل قوله " استوى " أقبل ، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها ؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ، ولكنه إقبال تدبير ، قيل له : فكذلك فقل : علا عليها علو ملك وسلطان ، لا علو انتقال وزوال . ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله . ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه ، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفا . وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله تعالى .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|