عرض مشاركة واحدة
  #110  
قديم 22-03-2022, 05:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثالث
الحلقة (110)
صـ252 إلى صـ 261


المسألة الثانية عشرة

كل دليل شرعي لا يخلو أن يكون معمولا به في السلف المتقدمين دائما ، أو أكثريا ، أو لا يكون معمولا به إلا قليلا ، أو في وقت ما ، أو لا يثبت به عمل فهذه ثلاثة أقسام .

أحدها : أن يكون معمولا به دائما ، أو أكثريا ، فلا إشكال في الاستدلال به ولا في العمل على وفقه ، وهي السنة المتبعة والطريق المستقيم كان الدليل مما يقتضي إيجابا ، أو ندبا ، أو غير ذلك من الأحكام كفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله : في الطهارات والصلوات على تنوعها من فرض أو نفل ، والزكاة بشروطها والضحايا والعقيقة والنكاح والطلاق والبيوع ، وسواها من الأحكام التي جاءت في الشريعة ، وبينها - عليه الصلاة والسلام - بقوله ، أو فعله ، أو إقراره ، ووقع فعله ، أو فعل صحابته معه ، أو بعده على وفق ذلك دائما ، أو أكثريا ، وبالجملة ساوى القول الفعل ولم يخالفه بوجه ، فلا إشكال في صحة الاستدلال وصحة العمل من سائر الأمة بذلك على الإطلاق فمن خالف ذلك فلم يعمل به على حسب ما عمل به الأولون جرى فيه ما تقدم في كتاب الأحكام من اعتبار الكلية والجزئية ، فلا معنى للإعادة .

والثاني : أن لا يقع العمل به إلا قليلا ، أو في وقت من الأوقات ، أو حال [ ص: 253 ] من الأحوال ، ووقع إيثار غيره والعمل به دائما ، أو أكثريا فذلك الغير هو السنة المتبعة والطريق السابلة ، وأما ما لم يقع العمل عليه إلا قليلا فيجب التثبت فيه ، وفي العمل على وفقه ، والمثابرة على ما هو الأعم والأكثر ، فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل إما أن يكون لمعنى شرعي ، أو لغير معنى شرعي ، وباطل أن يكون لغير معنى شرعي ، فلا بد أن يكون لمعنى شرعي تحروا العمل به ، وإذا كان كذلك ، فقد صار العمل على وفق القليل كالمعارض للمعنى الذي تحروا العمل على وفقه ، وإن لم يكن معارضا في الحقيقة ، فلا بد من تحري ما تحروا ، وموافقة ما داوموا عليه .

وأيضا فإن فرض أن هذا المنقول الذي قل العمل به مع ما كثر العمل به [ ص: 254 ] يقتضيان التخيير فعملهم إذا حقق النظر فيه لا يقتضي مطلق التخيير ، بل اقتضى أن ما داوموا عليه هو الأولى في الجملة ، وإن كان العمل الواقع على وفق الآخر لا حرج فيه كما نقول : في المباح مع المندوب إن وضعهما بحسب فعل المكلف يشبه المخير فيه; إذ لا حرج في ترك المندوب على الجملة فصار المكلف كالمخير فيهما لكنه في الحقيقة ليس كذلك ، بل المندوب أولى أن يعمل به من المباح في الجملة فكذلك ما نحن فيه .

وإلى هذا ، فقد ذكر أهل الأصول أن قضايا الأعيان لا تكون بمجردها حجة ما لم يعضدها دليل آخر لاحتمالها في أنفسها ، وإمكان أن لا تكون مخالفة لما عليه العمل المستمر ، ومن ذلك في كتاب الأحكام ، وما بعده ، فإذا كان كذلك ترجح العمل على خلاف ذلك القليل ولهذا القسم أمثلة كثيرة ولكنها على ضربين .

أحدهما : أن يتبين فيه للعمل القليل وجه يصلح أن يكون سببا للقلة حتى إذا عدم السبب عدم المسبب وله مواضع كوقوعه بيانا لحدود حدت ، [ ص: 255 ] أو أوقات عينت ، أو نحو ذلك .

كما جاء في حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم يومين ، وبيان رسول الله [ ص: 256 ] صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن وقت الصلاة فقال : صل معنا هذين اليومين فصلاته في اليوم في أواخر الأوقات وقع موقع البيان لآخر الوقت الاختياري الذي لا يتعدى ، ثم لم يزل مثابرا على أوائل الأوقات إلا عند عارض كالإبراد في شدة الحر والجمع بين الصلاتين في السفر ، وأشباه ذلك .

[ ص: 257 ] وكذلك قوله : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس ، فقد أدرك الصبح إلخ بيان لأوقات الأعذار لا مطلقا فلذلك لم يقع العمل عليه في حال الاختيار ، ومن أجل ذلك يفهم أن قوله - عليه الصلاة والسلام - : أسفروا بالفجر مرجوح بالنسبة إلى العمل على وفقه ، وإن لم يصح فالأمر [ ص: 258 ] واضح ، وبه أيضا يفهم وجه إنكار أبي مسعود الأنصاري على المغيرة بن شعبة تأخير الصلاة إلى آخر وقتها ، وإنكار عروة بن الزبير على عمر بن عبد العزيز كذلك واحتجاج عروة بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر ولفظ كان يفعل يقتضي الكثرة [ ص: 259 ] بحسب العرف فكأنه احتج عليه في مخالفة ما داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما احتج أيضا أبو مسعود على المغيرة بأن جبريل نزل فصلى إلى أن قال : بهذا أمرت ، وكذلك قول عمر بن الخطاب للداخل للمسجد يوم الجمعة ، وهو على المنبر أية ساعة هذه ، وأشباهه .

وكما جاء في قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في المسجد ، ثم ترك ذلك [ ص: 260 ] مخافة أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ولم يعد إلى ذلك هو ولا أبو بكر حتى جاءت خلافة عمر بن الخطاب فعمل بذلك لزوال علة الإيجاب ، ثم نبه على أن القيام في آخر الليل أفضل من ذلك فلأجل ذلك كان كبار السلف من الصحابة والتابعين ينصرفون بعد صلاة العشاء إلى بيوتهم ولا يقومون مع الإمام واستحبه مالك لمن قدر عليه .

وإلى هذا الأصل ردت عائشة ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإدامة على صلاة الضحى فعملت بها لزوال العلة بموته فقالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها .

[ ص: 261 ] وفي رواية : وإني لأسبحها ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل ، وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم .

وكانت تصلي الضحى ثماني ركعات ، ثم تقول لو نشر لي أبواي ما تركتها .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]