عرض مشاركة واحدة
  #63  
قديم 23-03-2022, 10:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,470
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
من صــ 378 الى صــ 383
الحلقة (63)


وقال الآخر


رحت وفي رجليك ما فيهما وقد بدا هنك من المئزر
فمن أنكر التسكين في حرف الإعراب فحجته أن ذلك لا يجوز من حيث كان علما للإعراب . قال أبو علي : وأما حركة البناء فلم يختلف النحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات ، وأصل برأ من تبرى الشيء من الشيء ، وهو انفصاله منه فالخلق قد فصلوا من العدم إلى الوجود ومنه برأت من المرض برءا ( بالفتح ) كذا يقول أهل الحجاز وغيرهم يقول برئت من المرض برءا ( بالضم ) وبرئت منك ومن الديون والعيوب براءة ومنه المبارأة للمرأة . وقد بارأ شريكه وامرأته

قوله تعالى : فتاب عليكم في الكلام حذف تقديره ففعلتم فتاب عليكم أي فتجاوز عنكم أي على الباقين منكم .

إنه هو التواب الرحيم تقدم معناه ، والحمد لله .
قوله تعالى : وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون

فيه خمس مسائل : الأولى : " وإذ قلتم " معطوف . " يا موسى " نداء مفرد . لن نؤمن لك أي نصدقك حتى نرى الله جهرة قيل هم السبعون الذين اختارهم موسى ، وذلك أنهم لما أسمعهم كلام الله تعالى قالوا له بعد ذلك لن نؤمن لك . والإيمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزاتهم فأرسل الله عليهم نارا من السماء فأحرقهم ثم دعا موسى ربه فأحياهم كما قال تعالى ثم بعثناكم من بعد موتكم وستأتي قصة السبعين في الأعراف إن شاء الله تعالى قال ابن فورك يحتمل أن تكون معاقبتهم لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه بقولهم لموسى أرنا الله جهرة وليس ذلك من مقدور موسى عليه السلام .

وقد اختلف في جواز رؤية الله تعالى فأكثر المبتدعة على إنكارها في الدنيا والآخرة وأهل السنة والسلف على جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة فعلى هذا لم يطلبوا من الرؤية [ ص: 379 ] محالا ; وقد سألها موسى عليه السلام وسيأتي الكلام في الرؤية في " الأنعام " و " الأعراف " إن شاء الله تعالى
الثانية : قوله تعالى : : جهرة مصدر في موضع الحال ومعناه علانية وقيل عيانا قاله ابن عباس وأصل الجهر الظهور ومنه الجهر بالقراءة إنما هو إظهارها والمجاهرة بالمعاصي المظاهرة بها ورأيت الأمير جهارا وجهرة أي غير مستتر بشيء وقرأ ابن عباس ( جهرة ) بفتح الهاء ، وهما لغتان مثل زهرة وزهرة وفي الجهر وجهان : أحدهما : أنه صفة لخطابهم لموسى أنهم جهروا به وأعلنوا فيكون في الكلام تقديم وتأخير والتقدير وإذ قلتم جهرة يا موسى . الثاني : أنه صفة لما سألوه من رؤية الله تعالى أن يروه جهرة وعيانا فيكون الكلام على نسقه لا تقديم فيه ولا تأخير وأكد بالجهر فرقا بين رؤية العيان ورؤية المنام
الثالثة قوله تعالى : فأخذتكم الصاعقة قد تقدم في أول السورة معنى الصاعقة ، وقرأ عمر وعثمان وعلي ( الصعقة ) وهي قراءة ابن محيصن في جميع القرآن .

وأنتم تنظرون جملة في موضع الحال ويقال كيف يموتون وهم ينظرون ؟ فالجواب أن العرب تقول دور آل فلان تراءى أي يقابل بعضها بعضا ، وقيل المعنى تنظرون أي إلى حالكم وما نزل بكم من الموت وآثار الصعقة
الرابعة : قوله تعالى : ثم بعثناكم من بعد موتكم أي أحييناكم قال قتادة ماتوا وذهبت أرواحهم ثم ردوا لاستيفاء آجالهم . قال النحاس : وهذا احتجاج على من لم يؤمن بالبعث من قريش واحتجاج على أهل الكتاب إذ خبروا بهذا والمعنى لعلكم تشكرون ما فعل بكم من البعث بعد الموت وقيل ماتوا موت همود يعتبر به الغير ثم أرسلوا وأصل البعث الإرسال وقيل بل أصله إثارة الشيء من محله يقال بعثت الناقة أثرتها أي حركتها قال امرؤ القيس :


وفتيان صدق قد بعثت بسحرة فقاموا جميعا بين عاث ونشوان
وقال عنترة :


وصحابة شم الأنوف بعثتهم ليلا وقد مال الكرى بطلاها
[ ص: 380 ] وقال بعضهم بعثناكم من بعد موتكم علمناكم من بعد جهلكم .

قلت : والأول أصح ؛ لأن الأصل الحقيقة وكان موت عقوبة ومنه قوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم على ما يأتي .
الخامسة : قال الماوردي واختلف في بقاء تكليف من أعيد بعد موته ومعاينة الأحوال المضطرة إلى المعرفة على قولين : أحدهما بقاء تكليفهم ؛ لئلا يخلو عاقل من تعبد . الثاني : سقوط تكليفهم معتبرا بالاستدلال دون الاضطرار .

قلت : والأول أصح فإن بني إسرائيل قد رأوا الجبل في الهواء ساقطا عليهم والنار محيطة بهم ، وذلك مما اضطرهم إلى الإيمان ، وبقاء التكليف ثابت عليهم ومثلهم قوم يونس ومحال أن يكونوا غير مكلفين والله أعلم
قوله تعالى : وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

فيه ثماني مسائل : الأولى : قوله تعالى : وظللنا عليكم الغمام أي جعلناه عليكم كالظلة والغمام جمع غمامة كسحابة وسحاب قاله الأخفش سعيد . قال الفراء ويجوز غمائم وهي السحاب ؛ لأنها تغم السماء أي تسترها وكل مغطى فهو مغموم ، ومنه المغموم على عقله وغم الهلال إذا غطاه الغيم والغين مثل الغيم ، ومنه قوله عليه السلام ( إنه ليغان على قلبي ) قال صاحب العين : غين عليه غطي عليه والغين شجر ملتف وقال السدي الغمام السحاب الأبيض وفعل هذا بهم ليقيهم حر الشمس نهارا ، وينجلي في آخره ليستضيئوا بالقمر ليلا وذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين [ ص: 381 ] وقتالهم وقالوا لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا فعوقبوا في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في خمسة فراسخ أو ستة ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس ، وإذ كانوا بأجمعهم في التيه قالوا لموسى : من لنا بالطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن والسلوى ، قالوا : من لنا من حر الشمس ؟ فظلل عليهم الغمام ، قالوا : فبم نستصبح ؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم . وذكر مكي : عمود من نار ، قالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى بضرب الحجر ، قالوا : من لنا باللباس ؟ فأعطوا ألا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن ، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان ، والله أعلم .
الثانية : قوله تعالى : وأنزلنا عليكم المن والسلوى اختلف في المن ما هو ، وتعيينه على أقوال ؛ فقيل : الترنجبين بتشديد الراء وتسكين النون ، ذكره النحاس ويقال : الطرنجبين بالطاء ، وعلى هذا أكثر المفسرين . وقيل : صمغة حلوة ، وقيل : عسل ، وقيل : شراب حلو ، وقيل : خبز الرقاق عن وهب بن منبه ، وقيل : " المن " مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل ، وماؤها شفاء للعين في رواية : من المن الذي أنزل الله على موسى رواه مسلم . قال علماؤنا : وهذا [ ص: 382 ] الحديث يدل على أن الكمأة مما أنزل الله على بني إسرائيل أي : مما خلقه الله لهم في التيه قال أبو عبيد : إنما شبهها بالمن لأنه لا مئونة فيها ببذر ولا سقي ولا علاج ، فهي منه ، أي : من جنس من بني إسرائيل في أنه كان دون تكلف ، روي أنه كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج ، فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه ، فإن ادخر منه شيئا فسد عليه إلا في يوم الجمعة ، فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم ؛ لأن يوم السبت يوم عبادة ، وما كان ينزل عليهم يوم السبت شيء .
الثالثة : لما نص عليه السلام على أن ماء الكمأة شفاء للعين قال بعض أهل العلم بالطب : إما لتبريد العين من بعض ما يكون فيها من الحرارة ، فتستعمل بنفسها مفردة ، وإما لغير ذلك فمركبة مع غيرها وذهب أبو هريرة رضي الله عنه إلى استعمالها بحتا في جميع مرض العين ، وهذا كما استعمل أبو وجزة العسل في جميع الأمراض كلها حتى في الكحل على ما يأتي بيانه في سورة " النحل " إن شاء الله تعالى ، وقال أهل اللغة : الكمء واحد ، وكمآن اثنان ، وأكمؤ ثلاثة ، فإذا زادوا قالوا : كمأة بالتاء ، على عكس شجرة وشجر ، والمن اسم جنس لا واحد له من لفظه مثل الخير والشر ، قاله الأخفش .
الرابعة : قوله تعالى : والسلوى اختلف في السلوى ، فقيل : هو السمانى بعينه ، قاله الضحاك ، قال ابن عطية : السلوى طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي [ خالد بن زهير ] فقال :
وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها


ظن السلوى العسل .

قلت : ما ادعاه من الإجماع لا يصح ، وقد قال المؤرج - أحد علماء اللغة والتفسير - : إنه العسل ، واستدل ببيت الهذلي ، وذكر أنه كذلك بلغة كنانة ، سمي به لأنه يسلى به ، ومنه عين السلوان ، وأنشد :


لو أشرب السلوان ما سليت ما بي غنى عنك وإن غنيت


وقال الجوهري : والسلوى : العسل ، وذكر بيت الهذلي :


ألذ من السلوى إذا ما نشورها


[ ص: 383 ] ولم يذكر غلطا ، والسلوانة ( بالضم ) خرزة كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربه العاشق سلا ، قال :


شربت على سلوانة ماء مزنة فلا وجديد العيش يا مي ما أسلو


واسم ذلك الماء السلوان ، وقال بعضهم : السلوان دواء يسقاه الحزين فيسلو ، والأطباء يسمونه المفرح ، يقال : سليت وسلوت لغتان ، وهو في سلوة من العيش أي : في رغد ، عن أبي زيد .
الخامسة : واختلف في السلوى ، هل هو جمع أو مفرد ، فقال الأخفش : جمع لا واحد له من لفظه ، مثل الخير والشر ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى ، مثل جماعته ، كما قالوا : دفلى للواحد والجماعة وسمانى وشكاعى في الواحد والجميع ، وقال الخليل : واحده سلواة ، وأنشد :
وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض السلواة من بلل القطر


وقال الكسائي : السلوى واحدة ، وجمعه سلاوي .
السادسة : السلوى عطف على المن ولم يظهر فيه الإعراب ؛ لأنه مقصور ، ووجب هذا في المقصور كله ؛ لأنه لا يخلو من أن يكون في آخره ألف ، قال الخليل : والألف حرف هوائي لا مستقر له ، فأشبه الحركة ، فاستحالت حركته ، وقال الفراء : لو حركت الألف صارت همزة .
السادسة : السلوى عطف على المن ولم يظهر فيه الإعراب ؛ لأنه مقصور ، ووجب هذا في المقصور كله ؛ لأنه لا يخلو من أن يكون في آخره ألف ، قال الخليل : والألف حرف هوائي لا مستقر له ، فأشبه الحركة ، فاستحالت حركته ، وقال الفراء : لو حركت الألف صارت همزة .
السابعة : قوله تعالى : كلوا من طيبات ما رزقناكم كلوا فيه حذف تقديره : وقلنا كلوا ، فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه ، والطيبات هنا قد جمعت الحلال واللذيذ .
الثامنة : قوله تعالى : وما ظلمونا يقدر قبله : فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر .

ولكن كانوا أنفسهم يظلمون لمقابلتهم النعم بالمعاصي .
قوله تعالى : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين

فيه تسع مسائل : الأولى : قوله تعالى : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية حذفت الألف من قلنا لسكونها وسكون الدال بعدها ، والألف التي يبتدأ بها قبل الدال ألف وصل ؛ لأنه من " يدخل " .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]