عرض مشاركة واحدة
  #234  
قديم 24-03-2022, 07:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,314
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 198 الى صــــــــ
210
الحلقة (191)

حكم نكاح المرتد عن دينه من الزوجين
-إذا ارتد أحد الزوجين عن دينه، أو ارتدا معاً. فإنه يتعلق بذلك أمور:
أحدها هل يفسخ عقد الزواج بينهما إذا ارتد أحدها. أو ارتدا معاً؟
ثانيها: هل ارتداد الزوج كارتداد المرأة في الفسخ، أو لا؟
ثالثها: هل يكون الفسخ طلاقاً بهدم عدد الطلقات الثلاث، أو لا؟
رابعها: هل يرث المرتد من الآخر، أو لا؟ وما حكم تصرفه في حال ردته،
خامسها: ما حكم مهر المرأة وعدتها فيما إذا ارتد هو، أو هي؟
سادسها: ما عقاب المرتد منهما؟
سابعها: ما هي الأقوال، أو الأعمال التي توجب الكفر والردة؟
أما الجواب عن هذه الأسئلة فتراه مفصلاً في المذاهب تحت الخط الموضوع أمامك (1) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: أما الجواب عن الأول فإنه إذا ارتد الزوج عن دينه بانت منه زوجته في الحال لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحول، ويفرق بينهما عاجلاً بدون قضاء، أما إذا ارتدت الزوجة وحدها فإن في ذلك أقوالاً ثلاثة.
القول الأول: أن ردتها تكون فسخاً للنكاح، وتعزر بالضرب كل ثلاثة أيام بحسب حالها وما يراه الإمام زاجراً لها، وتجبر الإسلام بالحبس إلى أن تسلم أو تموت وهي محبوسة، وإذا أسلمت تمنع من التزوج بغير زوجها، بل تجبر على تجديد النكاح بمهر يسير، رضيت، أو لم ترض، فلكل قاض أن يجدد نكاحها على زوجها، ولو نصف جنيه متى طلب الزوج ذلك، أما إذا سكت أو تركها صريحاً، فإنها تزوج بغيره حينئذ، وهذا العمل بالتعزير والإجبار على الإسلام وتجديد النكاح فإن تعذر ذلك سقط العمل به.
القول الثاني: أن ردة المرأة لا توجب فسخ النكاح مطلقاً، خصوصاً إذا تعمدت الردة لتتخلص من زوجها، وعلى ذلك فلا فسخ ولا تجديد للنكاح وهذا هو الذي أفتى به علماء بلخ، وهو الذي يجب العمل به في زماننا، فلا يصح للقاضي أن يحيد عنه.
القول الثالث: أن المرأة إذا ارتدت تصير رقيقة مملوكة للمسلمين، فيشتريها زوجها من الحاكم، وإن كان مصرفاً يستحقاً صرفها له بدون ثمن، ولا تعود حرة إلا بالعتق، فلو أسلمت ثانياً لا تعود حرة، ومتى استولى عليها الزوج بعد ذلك ملكها، فله بيعها ما لم تكن قد ولدت منه. وهذا فيه زجر شديد للمرأة عن الردة، على أن العمل به غير ممكن اللهم إلا في البلد التي لا يزال بها الرق موجوداً، أما إذا ارتدا معاً بحيث سجدا للضم معاً في آن واحد، أو سبق أحدهما الآخر بكلمة الكفر ولكن لم يعلم السابق، فإن نكاحهما يبقى ولا يفسخ، فإذا أسلما معاً دفعة واحدة بقي النكاح بينهما كذلك، أما إذا أسلم أحدهما قبل الآخر فسد النكاح.
أما الجواب عن السؤال الثاني، فهو أن أبا حنيفة يقول: إن الفرقة بينهما لا تكون طلاقاً، بل هي فسخ لا يهدم شيئاً من عدد الطلاق فإذا ارتد الزوج ثم تاب وجدد النكاح عليها لم ينقص ذلك شيئاً مما له من الطلاق، وكذا إذا ارتد ثانياً وجدد النكاح، ثم ارتد ثالثاً، فإن له أن يجدد نكاحها بدون محلل، ولا يقال له: إنك قد طلقتها ثلاثاً بردتك ثلاث مرات، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً آخر، وهذا بخلاف ما إذا أسلمت زوجته ثم عرض عليه الإسلام فأبى فإن إباءه الإسلام يعتبر طلاقاً عند أبي حنيفة، كما تقدم، ومحمد يرى أن لا فرق بين الحالتين، فالفسخ فيهما يكون طلاقاً، وأبو يوسف يرى أن الفسخ في الأمرين ليس بطلاق.
ووجهة نظر أبي حنيفة أن الطلاق يتضمن الزوجية، فإنه لا يقع إلا على زوجة، أما الردة فإنها
تنافي الزوجية بطبيعتها، فلا يمكن أن تجعل طلاقاً يتضمن زوجية بحال، بخلاف إباء الزوج عن الإسلام، فإنه ليس فيه خروج عن دين الإسلام، فحل محل طلاق المرأة التي أسلمت.
هذا، وإذا ارتدت المرأة ثم طلقها زوجها وهي في العدة وقع الطلاق، فإذا طلقها ثلاثاً وهي في العدة فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وذلك لأن تحريمها بالردة لم يكن على التأبيد ألا ترى أنه يرتفع بالإسلام؟ فمتى كانت في العدة كانت علاقتها به قائمة، ولكن يشترط لوقوع الطلاق أن لا تلحق بدار الحرب، فإذا لحقت بدار الحرب فطلقها زوجها ثم عادت مسلمة قبل الحيض. فعنده يقع، وعندها لا يقع، أما الزوج إذا ارتد ولحق بدار الحرب وطلق فإن طلاقه لا يقع، وإذا عاد وهو مسلم ثم طلقها قبل أن تنقضي عدتها فإنه يقع.
أما الجواب عن الثالث، فإنه إذا ارتد الزوج وورثته المرأة، بشرط أن تكون في العدة بلا فرق بين أن تكون ردته في حال مرضه أو صحته، فمتى مات الزوج بعد ردته أو لحق بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإنها ترثه، أما إذا ارتدت في حال صحتها ثم ماتت. أو لحقت بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإن الزوج لا يرثها، وإذا ارتدت في حال مرضها ثم ماتت، أو لحقت بدار الحرب فإنه يرثها، والفرق بين الزوج والزوجة في ذلك أن الزوج جزاؤه على ردته أن يعدم إن لم يتب، فكأنه وهو في صحته مريض مرضاً يفضي إلى الموت لا محالة، فيكون بمنزلة الرجل الذي يطلق زوجته وهو في مرض الموت فراراً من أن ترثه، فلا يسقط طلاقها في هذه الحالة حقها من الميراث، أما المرأة فلا تجزى على الردة بإعدام إن امتنعت عن العودة إلى الإسلام كما عرفت من أن جزاءها الحبس، فلا تكون في حال صحتها فارة بالردة من ميراث الرجل.
واعلم أن أموال المرتد لا تكون مملوكة له حال ردته ملكاً تاماً بل ملكاً موقوفاً حتى إذا أسلم عاد له ملكه التام كما كان قبل الردة بلا خلاف، أما إذا لم يسلم بأن قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فإن ملكه يزول عن أمواله زوالاً تاماً، وعلى هذا لا ينفذ تصرفه فيها بالبيع أو الشراء أو الهبة أو غير ذلك قبل إسلامه، وهذا هو الصحيح، وغيره يرى أن ملكه لا يزول عن ماله إلا بأحد الثلاث المذكورة من القتل، أو الموت، أو اللحوق، فإذا تصرف قبل ذلك في كل ما فيه مبادلة مال بمال فإن تصرفه ينفذ، كما سيأتي قريباً.
ثم إذا مات أو قتل، أو لحق بدار الحرب انتقل ماله لورثته المسلمين، ويعتبر إسلامهم عند القتل، أو الموت، أو اللحوق بدار الحرب، فلو كان له ولد بالغ ارتد معه ولكنه أسلم في الأيام الثلاثة المضروبة مهلة للمرتد، وبقي مسلماً عند قتل والده، أو لحوقه بدار الحرب فإنه يرث، ومثل ذلك ما إذا وطئ أمة مملوكة له بعد ردته فحملت منه بولد فإن ذلك الولد يرث لأنه كان مسلماً تبعاً لأمه المسلمة، وهذا هو الأصح، وبعضهم يقول إنه يلزم أن يكون مسلماً وقت الردة، فلو ارتد معه ولده الكبير ثم أسلم قبل قتل أبيه فإنه لا يرث، ولكن هذا ضعيف. وليس لورثته حق إلا في المال الذي كسبه وهو مسلم. فيقتسمونه بينهم حسب الفريضة الشرعية، ومنهم الزوجة، بعد أن يقضوا منه الدين
الذي استدانه بعد ردته، وذلك لأنه لا ملك له حال ردته، ثم إن تصرف المرتد قبل إسلامه منه ما ينفذ باتفاق. ومنه ما لا ينفذ باتفاق، ومنه ما يوقف باتفاق، ومنه ما هو مختلف في توقفه بين الإمام، وصاحبيه، فأما الذي ينفذ باتفاق فهو خمسة:
أحدها: الطلاق في العدة، لما مر قريباً. ثانيها: قبول الهبة،
ثالثها: تسليم الشفعة، فإذا طالبه أحد بحقه في الشفعة وسلم فيه فإنه يصح، وهل له أن يأخذ هو شيئاً بالشفعة بعد ردته وقبل أن يسلم؟ فقال أبو حنيفة: إنه ليس له الحق ما لم يسلم ويطلب، فإذا لم يسلم ولم يطلب بطل حقه، وقال غيره إن له الحق في الشفعة.
رابعها: الحجر على عبده المأذون، فلو كان له عبد أذنه بتجارة ونحوها فله حق الحجر عليه أثناء ردته.
خامسها: الاستيلاء، أي ادعاء ولد الجارية، فإذا جاءت بولد حال ردته وادعاه ثبت نسبه منه، ويرث الولد مع ورثته، وتصير أمه أم ولد.
وأما الذي يبطل باتفاق، فهو خمسة أشياء أيضاً - وهي الأمور التي تتوقف على التدين بدين ولو لم يكن سماوياً، كالمجوسية وغيرها.
الأمر الأول: النكاح، فيبطل نكاح المرتد مطلقاً، لأن النكاح إما بين مسلمين. أو بين مسلم وكتابي، أو بين كتابيين، أو وثنيين، والمرتد لا دين له حتى ولو انتقل إلى دين الكتابيين لأنه لا يقر عليه، فلا يعتبر، ولا يخفى أن الوثني له دين وإن لم يكن له كتاب، فلو تزوج المرتد، أو المرتدة وقع العقد باطلاً،
ثانيها: الذبح، فذبيحة المرتد لا تؤكل.
ثالثها: الصيد فلو اصطاد المرتد كان صيده ميتة.
رابعها: الشهادة، فلا تقبل شهادة المرتد ولا تصح. خامسها: الإرث، فلا يرث المرتد بعد ردته ولا يورث عنه مال كسبه بعد ردته أما المال الذي كسبه حال إسلامه فإنه يورث عنه، كما مر قريباً.
وأما الذي يقع موقوفاً باتفاق، فهو أمران: شركة المفاوضة. والتصرف على ولده الصغير، فإذا عقد المرتد مع المسلم عقد شركة مفاوضة في حال ردته وقع موقوفاً، فإذا أسلم نفذ، وإذا هلك بطل، وأما المختلف في توقفه، فهو كل ما كان مبادلة مال بمال، كالبيع بجميع أنواعه، ومنه الصرف، والسلم والعتق والتدبير، والكتابة، والهبة، والإجارة والوصية، فإن أسلم نفذ كل ذلك باتفاق، وإن هلك، أو لحف بدار الحرب بطل عند أبي حنيفة، ونفذ عندهما، لأن حقه في تصرفه في ملكه لا يبطل إلا عند هلاكه، كما تقدم.
وبقيت أشياء لم ينصوا عليها، وهي ما إذا أعطي الأمان لحربي، فإنه لا ينفذ، لأن أمان الذمي لا ينفذ، فمثله الحربي من باب أولى، وكذلك لا يكون من العاقلة فلا يعين في دية ولا يعان فيها، لأن ذلك معناه التناصر بين القوم والمرتد، لا تناصر بينه وبين المسلمين، فلا ينصر ولا ينصر أما إذا أودع المرتد وديعة عند أحد أو استودعه أحد وديعة فإنه يصح وكذا إذا التقط شيئاً، أو التقط أحد لقطته فإنه تجري عليه أحكامها.
الذي استدانه بعد ردته، وذلك لأنه لا ملك له حال ردته، ثم إن تصرف المرتد قبل إسلامه منه ما ينفذ باتفاق. ومنه ما لا ينفذ باتفاق، ومنه ما يوقف باتفاق، ومنه ما هو مختلف في توقفه بين الإمام، وصاحبيه، فأما الذي ينفذ باتفاق فهو خمسة:
أحدها: الطلاق في العدة، لما مر قريباً.
ثانيها: قبول الهبة،
ثالثها: تسليم الشفعة، فإذا طالبه أحد بحقه في الشفعة وسلم فيه فإنه يصح، وهل له أن يأخذ هو شيئاً بالشفعة بعد ردته وقبل أن يسلم؟ فقال أبو حنيفة: إنه ليس له الحق ما لم يسلم ويطلب، فإذا لم يسلم ولم يطلب بطل حقه، وقال غيره إن له الحق في الشفعة.
رابعها: الحجر على عبده المأذون، فلو كان له عبد أذنه بتجارة ونحوها فله حق الحجر عليه أثناء ردته. خامسها: الاستيلاء، أي ادعاء ولد الجارية، فإذا جاءت بولد حال ردته وادعاه ثبت نسبه منه، ويرث الولد مع ورثته، وتصير أمه أم ولد.
وأما الذي يبطل باتفاق، فهو خمسة أشياء أيضاً - وهي الأمور التي تتوقف على التدين بدين ولو لم يكن سماوياً، كالمجوسية وغيرها.
الأمر الأول: النكاح، فيبطل نكاح المرتد مطلقاً، لأن النكاح إما بين مسلمين. أو بين مسلم وكتابي، أو بين كتابيين، أو وثنيين، والمرتد لا دين له حتى ولو انتقل إلى دين الكتابيين لأنه لا يقر عليه، فلا يعتبر، ولا يخفى أن الوثني له دين وإن لم يكن له كتاب، فلو تزوج المرتد، أو المرتدة وقع العقد باطلاً، ثانيها: الذبح، فذبيحة المرتد لا تؤكل. ثالثها: الصيد فلو اصطاد المرتد كان صيده ميتة. رابعها: الشهادة، فلا تقبل شهادة المرتد ولا تصح. خامسها: الإرث، فلا يرث المرتد بعد ردته ولا يورث عنه مال كسبه بعد ردته أما المال الذي كسبه حال إسلامه فإنه يورث عنه، كما مر قريباً.
وأما الذي يقع موقوفاً باتفاق، فهو أمران: شركة المفاوضة. والتصرف على ولده الصغير، فإذا عقد المرتد مع المسلم عقد شركة مفاوضة في حال ردته وقع موقوفاً، فإذا أسلم نفذ، وإذا هلك بطل، وأما المختلف في توقفه، فهو كل ما كان مبادلة مال بمال، كالبيع بجميع أنواعه، ومنه الصرف، والسلم والعتق والتدبير، والكتابة، والهبة، والإجارة والوصية، فإن أسلم نفذ كل ذلك باتفاق، وإن هلك، أو لحف بدار الحرب بطل عند أبي حنيفة، ونفذ عندهما، لأن حقه في تصرفه في ملكه لا يبطل إلا عند هلاكه، كما تقدم.
وبقيت أشياء لم ينصوا عليها، وهي ما إذا أعطي الأمان لحربي، فإنه لا ينفذ، لأن أمان الذمي لا ينفذ، فمثله الحربي من باب أولى، وكذلك لا يكون من العاقلة فلا يعين في دية ولا يعان فيها، لأن ذلك معناه التناصر بين القوم والمرتد، لا تناصر بينه وبين المسلمين، فلا ينصر ولا ينصر أما إذا أودع المرتد وديعة عند أحد أو استودعه أحد وديعة فإنه يصح وكذا إذا التقط شيئاً، أو التقط أحد لقطته فإنه تجري عليه أحكامها.
ولكن مؤلفي الفتاوى قد ذكروا أموراً كثيرة قالوا عنها: إنها مكفرة، ولكن الواقع غير ذلك لأنها تحتمل التأويل، وكل ما كان كذلك فلا يكون مكفراً، ومن ذلك أن يقول الإنسان بخلق القرآن فقد ذكروا أنه يكفر بهذه العبارة، وهذا غير صحيح، وذلك لأن هذه العبارة تحتمل أن ألفاظ القرآن التي نقرؤها ونتعبد بها مخلوقة لله ولا يقول عاقل أنها قديمة، وما نقل عن الإمام أحمد كان من باب الأدب والورع، وتحتمل أيضاً ما يقوله المعتزلة من أنه ليس لله صفة زائدة على ذاته يقال لها: الكلام ولكن الله خلق الكلام الذي أسمعه موسى، وخلق القرآن الذي أنزله على محمد، وقد أقاموا البرهان القوي على ذلك، ولم يكفرهم أحد بل كثير من أعلام المسلمين قال: إن رأيهم في ذلك صواب، وتحتمل ما يقوله الكرامية، من أنها حادثة زائدة على الذات قائمة بذاته، وهذا لا يلزم منه الكفر إلا إذا اعتقدوا حدوث الذات لقيام الحوادث بها، أو اعتقدوا أن الله ليس بمتكلم قبل أن يخلق صفة الكلام الحادثة أما إذا اعتقدوا أن الله متكلم بذاته، ثم إذا أراد شيئاً قال: كن وقامت بذاته، ثم ترتب عليها الأثر، فإنهم لا يكفرون، فهذا كل ما يحتمله القول بخلق القرآن، ولا يخفى أنه قابل للتأويل من جميع الجهات.
ومنه ما إذا قال الشخص: أنا مؤمن إن شاء الله، وهذه لا يصح أن يكفر قائلها إلا إذا نطق بها على سبيل الشك بأن كان شاكاً في إيمانه، أما إذا ذكرها تبركاً، أو تفويضاً لله في كل الأمور فإنه لا شيء فيها، نعم ينبغي للشخص أن لا يأتي بهذه الكلمة في الأعمال المطلوبة منه جزماً كي يكون في حل من عدم فعلها ويوجب شك طالبها، ومن ذلك أن يقول الإنسان لشخص لا يمرض: إن الله - لا يفتكره - أو هو منسي من الله، وهذه الكلمة وإن كانت قبيحة، ولكن صاحبها لا يكفر إلا إذا قصد معناها المتبادر منها، وهو أنه يجوز على الله النسيان، أما إذا كان غرضه أن الله لا يحب هذا الرجل الذي لا يمرض فلا يكفر ذنوبه بالمرض فإنه لا يكفر، وإن كان قائلها جاهلاً ينبغي لمن سمعه من العارفين أن يعلمه ما يقول.
فهذه أمثلة مما ذكره مؤلفو الفتاوى. فينبغي النظر فيما ذكروه على هذا الوجه.
وبالجملة فالمحققون من الحنفية صرحوا بأنه لا يجوز تكفير المسلم إلا إذا لم يمكن تأويل كلامه، فلو قال: كلمة تحتمل الإيمان من وجه. والكفر من وجوه تحتمل على الإيمان حتى قالوا: إذا قال كلمة أو عمل يستلزم ظاهره الكفر ولكن وجدت رواية ضعيفة يحمل بها على الإيمان لا يصح المبادرة بتكفيره، نعم إذا فعل ما لا يمكن حمله على الإيمان كأن مزق مصحفاً وألقاه على الأرض لغيظ أو غضب من حالة عصبية وهو مؤمن فإنه يؤاخذ به مع اعتقاده بالنسبة لزوجته، لأن بينونتها منه بذلك حق من حقوقها، ولا يمكن للقاضي أن يدخل إلى ما في نفسه، بل لا بد من معاملته بظاهر أمره في حق هذه المرأة، أما الذي يمكن تأويله فإن فاعله أو قائله يؤمر بالتوبة والاستغفار وتجديد عقد زوجته احتياطاً، فإن أبت فلا تمكن من غرضها، ولا تجبر على التجديد.
ومن سب دين مسلم فإنه يحمل على أمرين: أحدهما سب نفس الشخص وأخلاقه التي يتخلق
بها، ومن أراد ذلك فإنه لا يكفر. ثانيها: سب نفس الدين وتحقيره، ومن أراد ذلك فإنه يكفر، وبذلك لا يمكن الجزم بتكفير من شتم الدين، فلا يترتب عليه أحكام المرتدين.
ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً، أو عرض بمقامه الكريم، أو سب نبياً من الأنبياء، أو سب جبريل وميكائيل، فقد اختلف فيه قولين: أحدهما أنه يقتل حداً ولا تقبل توبته، كما يقول المالكية ثانيها: أن حكمه حكم المرتد الذي سب خالقه، فإن تاب وإلا قتل، وهذا هو الذهب الذي عليه المعمول، وإن كان سب الرسول صلى الله وعليه وسلم من أشنع الجرائم وأقبحها وأن الذي يقدم عليه وعنده مثقال ذرة من العقل لا يرجى منه خير فإعدامه خير من بقائه.
أما السحر، فإن تعريفه الذي عرفه المالكية يجعل الحكم في أمره واضحاً، فإنه إن كان مشتملاً على عبارات أو عمال مكفرة فإن صاحبها بها بلا كلام وإلا فإن ترتب عليه ضرر كان حراماً يكفر مستحله، وإلا شيء فيه، ولا فرق بين أن تكون الآثار المترتبة عليه حقيقة أو تكون خيالاً، لأن الحكم في هذه الحالة على الأقوال والأفعال الصادرة من المكلف، وكل ما ذكر في كتب الحنفية خاصاً بالسحر لا يخرج عن هذا، وكذلك ما نقل الشافعية، وقد صرع بعض المحققين من الحنفية أنه ينبغي العمل بمذهب الشافعية في هذا الموضوع، وهو لا يخرج عن هذا.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]