عرض مشاركة واحدة
  #95  
قديم 24-03-2022, 08:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,122
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (95)

من صــ 433 الى صـ
ـ 440


وأما حديث أبي ذر: {أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده} فيشبه والله أعلم أن يكون هذا في الكلام الذي لا يسن فيه الجهر كما في الركوع والسجود ونحوه ولا يلزم أن يكون أفضل مطلقا بدليل أن قراءة القرآن أفضل من الذكر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها في الركوع والسجود. وقال: {إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم}.

وهنا أصل ينبغي أن نعرفه. وهو أن الشيء إذا كان أفضل من حيث الجملة لم يجب أن يكون أفضل في كل حال ولا لكل أحد بل المفضول في موضعه الذي شرع فيه أفضل من الفاضل المطلق كما أن التسبيح في الركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن ومن التهليل والتكبير والتشهد في آخر الصلاة والدعاء بعده أفضل من قراءة القرآن. وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا أو إسلاما} ثم أتبع ذلك بقوله: {ولا يؤمن الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه} فذكر الأفضل فالأفضل في الإمامة ثم بين أن صاحب المرتبة ذا السلطان مثل الإمام الراتب كأمير الحرب في العهد القديم وكأئمة المساجد ونحوهم مقدمون على غيرهم وإن كان غيرهم أفضل منهم وهذا كما أن الذهب أفضل من الحديد والنورة وقد تكون هذه المعادن مقدمة على الذهب عند الحاجة إليها دونه وهذا ظاهر.
وكذلك أيضا: أكثر الناس يعجزون عن أفضل الأعمال فلو أمروا بها لفعلوها على وجه لا ينتفعون به أو ينتفعون انتفاعا مرجوحا فيكون في حق أحد هؤلاء العمل الذي يناسبه وينتفع به أفضل له مما ليس كذلك. ولهذا يكون الذكر لكثير من الناس أفضل من قراءة القرآن؛ لأن الذكر يورثه الإيمان والقرآن يورثه العلم والعلم بعد الإيمان.

قال الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} والقرآن يحتاج إلى فهم وتدبر وقد يكون عاجزا عن ذلك لكن هؤلاء يغلطون فيعتقد أحدهم أن الذكر أفضل مطلقا؛ وليس كذلك بل قراءة القرآن في نفس الأمر أفضل من الذكر بإجماع المسلمين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم {أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر} رواه مسلم. {وقال له رجل: إني لا أستطيع أن أحمل من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني في صلاتي.

فقال: قل: سبحان الله والحمد لله ولا إلا إلا الله والله أكبر} ولهذا كان العلماء على أن الذكر في الصلاة بدل عن القراءة لا يجوز الانتقال إليه إلا عند العجز عن القراءة بمنزلة التيمم مع الوضوء وبمنزلة صيام الشهرين مع العتق والصيام مع الهدي. وفي الحديث الذي في الترمذي {ما تقرب العباد إلى الله بأفضل مما خرج منه} يعني القرآن وفي حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود والترمذي وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن لله أهلين من الناس قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته} وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم أهل القرآن في المواطن كما قدمهم يوم أحد في القبور فأذن لهم أن يدفنوا الرجلين والثلاثة في القبر الواحد وقال: قدموا إلى القبلة أكثرهم قرآنا.
{فقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر لما سئل: أي الكلام أفضل: فقال: سبحان الله وبحمده} هذا خرج على سؤال سائل. فربما علم من حال السائل حالا مخصوصة كما أنه لما قال: {أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله} إلى آخره. أراد بذلك من الذكر لا من القراءة فإن قراءة القرآن أفضل من جنس الذكر من حيث الجملة وإن كان هذا الكلام قد يكون أفضل من القراءة كما أن الشهادتين في وقت الدخول في الإسلام أو تجديده أو عندما يقتضي ذكرهما مثل عقب الوضوء ودبر الصلاة والأذان وغير ذلك: أفضل من القراءة.
وكذلك في موافقة المؤذن فإنه إذا كان يقرأ وسمع المؤذن فإن موافقته في ذكر الأذان أفضل له حينئذ من القراءة حتى يستحب له قطع القراءة لأجل ذلك؛ لأن هذا وقت هذه العبادة يفوت بفوتها والقراءة لا تفوت. فنقول: الأحوال ثلاثة: حال يستحب فيها الإسرار ويكره فيها الجهر؛ لأنها حال انخفاض كالركوع والسجود. فهنا التسبيح أفضل من التهليل والتكبير وكذلك في بطون الأودية وأما ما السنة فيه الجهر والإعلان كالإشراف والأذان فالسنة فيه التهليل والتكبير وأما ما يشرع فيه الأمران فقد يكون هذا.
فصل:
وإذا عرف أن التحميد قرين التسبيح وأن التهليل قرين التكبير ففي تكبير الأعياد جمع بين القرينين فجمع بين التكبير والتهليل وبين التكبير والتحميد لقوله: {ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} فإن الهداية اقتضت التكبير عليها. فضم إليه قرينه وهو التهليل. والنعمة اقتضت الشكر عليها فضم إليه أيضا التحميد وهذا كما أن ركوب الدابة لما اجتمع فيه أنه شرف من الأشراف وأنه موضع نعمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع عليها بين الأمرين فإنه قال سبحانه: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} فأمر بذكر نعمة الله عليه وذكرها بحمدها وأمر بالتسبيح الذي هو قرين الحمد {فكان النبي صلى الله عليه وسلم لما أتي بالدابة فوضع رجله في الغرز قال: بسم الله فلما استوى على ظهرها قال:
الحمد لله ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} ثم حمد ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال: لا إله إلا أنت سبحانك ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك وقال: ضحكت من ضحك الرب إذا قال العبد ذلك يقول الله: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري}.
فذكر بعد ذلك ذكر الأشراف وهو التكبير مع التهليل وختمه بالاستغفار لأنه مقرون بالتوحيد كما قد رتب اقتران الاستغفار بالتوحيد في غير موضع كقوله: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} وقوله: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم} وقوله: {فاستقيموا إليه واستغفروه} فكان ذكره على الدابة مشتملا على الكلمات الأربع الباقيات الصالحات مع الاستغفار. فهكذا ذكر الأعياد اجتمع فيه التعظيم والنعمة فجمع بين التكبير والحمد. فالله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا. وقد روي عن ابن عمر أنه كان يكبر ثلاثا ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. فيشبهه بذكر الأشراف في تثليثه وضم التهليل إليه وهذا اختيار الشافعي.
وأما أحمد وأبو حنيفة وغيرهما فاختاروا فيه ما رووه عن طائفة من الصحابة ورواه الدارقطني من حديث جابر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الله أكبر الله أكبر لا إلا إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد} فيشفعونه مرتين ويقرنون به في إحداهما التهليل وفي الأخرى الحمد تشبيها له بذكر الأذان. فإن هذا به أشبه لأنه متعلق بالصلاة ولأنه في الأعياد التي يجتمع فيها اجتماعا عاما كما أن الأذان لاجتماع الناس فشابه الأذان في أنه تكبير اجتماع لا تكبير مكان وأنه متعلق بالصلاة لا بالشرف فشرع تكريره كما شرع تكرير تكبير الأذان وهو في كل مرة مشفوع وكل المأثور حسن. ومن الناس من يثلثه أول مرة ويشفعه ثاني مرة وطائفة من الناس تعمل بهذا.
وقاعدتنا في هذا الباب أصح القواعد أن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال إذا كانت مأثورة أثرا يصح التمسك به لم يكره شيء من ذلك بل يشرع ذلك كله كما قلنا في أنواع صلاة الخوف وفي نوعي الأذان الترجيع وتركه ونوعي الإقامة شفعها وإفرادها وكما قلنا في أنواع التشهدات وأنواع الاستفتاحات وأنواع الاستعاذات وأنواع القراءات وأنواع تكبيرات العيد الزوائد وأنواع صلاة الجنازة وسجود السهو والقنوت قبل الركوع وبعده والتحميد بإثبات الواو وحذفها وغير ذلك لكن قد يستحب بعض هذه المأثورات ويفضل على بعض إذا قام دليل يوجب التفضيل ولا يكره الآخر. ومعلوم أنه لا يمكن المكلف أن يجمع في العبادة المتنوعة بين النوعين في الوقت الواحد لا يمكنه أن يأتي بتشهدين معا ولا بقراءتين معا ولا بصلاتي خوف معا وإن فعل ذلك مرتين كان ذلك منهيا عنه فالجمع بين هذه الأنواع محرم تارة ومكروه أخرى.
وسئل:
هل أراد الله - تعالى - المعصية من خلقه أم لا؟
فأجاب:
لفظ " الإرادة " مجمل له معنيان: فيقصد به المشيئة لما خلقه ويقصد به المحبة والرضا لما أمر به. فإن كان مقصود السائل: أنه أحب المعاصي ورضيها وأمر بها فلم يردها بهذا المعنى فإن الله لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء بل قال لما نهى عنه: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}. وإن أراد أنها من جملة ما شاءه وخلقه فالله خالق كل شيء وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا يكون في الوجود إلا ما شاء.
وقد ذكر الله في موضع أنه يريدها وفي موضع أنه لا يريدها والمراد بالأول أنه شاءها خلقا وبالثاني أنه لا يحبها ولا يرضاها أمرا كما قال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وقال نوح: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم} وقال في الثاني: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} وقال: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} وقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (186)
سئل شيخ الإسلام - قدس الله روحه -:

عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله: فهذا حق. فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى: وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل؛ الذين أرسلهم الله إلى عباده.
فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى ويرفع درجاتهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة. وأما المخالفون للرسل: فإنهم ملعونون وهم عن ربهم ضالون محجوبون.

قال تعالى: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} {والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} وقال تعالى: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} {ونحشره يوم القيامة أعمى}.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]