عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26-03-2022, 08:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,071
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 421 الى صـ 425
الحلقة (83)

ورواه مسلم من طريق آخر، أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر [ ص: 421 ] فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه » .

وعن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. رواه الشيخان.

الثاني: لا يخفى أن جواز الصوم للمسافر إذا أطاقه بلا ضرر. وأما إذا شق عليه الصوم فلا ريب في كراهته، لما في الصحيحين: عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاما، ورجل قد ظلل عليه، فقال: « ما هذا؟ » فقالوا: صائم، فقال: « ليس من البر الصوم في السفر » . فلا ينافي هذا ما تقدم، كما لا يرد أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لأن السياق والقرائن تدل على تخصيصه بمن شق عليه الصوم. وما تقدم في غيره.

قال ابن دقيق العيد: وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام، وعلى مراد المتكلم ; وبين مجرد العام على سبب. فإن بين المقامين فرقا واضحا. ومن أجراهما مجرى واحدا لم يصب. فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضي التخصيص به، كنزول آية السرقة في قصة رداء صفوان. وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة إلى بيان المجملات، كما في هذا الحديث. انتهى. وهو استنباط جيد. وبالجملة: فالمريض والمسافر يباح لهما الفطر. فإن صاما صح، فإن تضررا، كره..!.

[ ص: 422 ] الثالث: لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيه الصائم بحد، ولا صح عنه في ذلك شيء. وقد أفطر دحية بن خليفة الكلبي في سفر ثلاثة أميال، وقال لمن صام: قد رغبوا عن هدي محمد صلى الله عليه وسلم..!. وكان الصحابة حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويخبرون أن ذلك سنته وهديه صلى الله عليه وسلم. كما قال عبيد بن جبر: ركبت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان، فلم نجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة. قال: اقترب، قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رواه أبو داود وأحمد. ولفظ أحمد: ركبت مع أبي بصرة من الفسطاط إلى الإسكندرية في سفينة، فلما دفعنا من مرسانا أمر بسفرته فقربت، ثم دعاني إلى الغداء. وذلك في رمضان، فقلت: يا أبا بصرة! والله ما تغيبت عنا منازلنا بعد؟! فقال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: لا! قال: فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ماحوزنا، قيل: أي: موضعهم الذي أرادوه.

وقال محمد بن كعب: أتيت أنس بن مالك في رمضان - وهو يريد السفر - وقد رحلت راحلته، وقد لبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل. فقلت له: سنة؟ قال: سنة. ثم ركب. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الدارقطني فيه: فأكل وقد تقارب غروب الشمس..!. وهذه الآثار صريحة أن من أنشأ السفر في أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه. قاله في " زاد المعاد ".

وعلى الذين يطيقونه أي: الصوم، إن أفطروا: فدية أي: إعطاء فدية وهي: طعام مسكين و " الفدية ": ما يقي الإنسان به نفسه من مال يبذله في عبادة يقصر فيها، و " الطعام ": ما يؤكل وما به قوام البدن: فمن تطوع خيرا بأن أطعم أكثر [ ص: 423 ] من مسكين: فهو خير له لأنه فعل ما يدل على مزيد حبه لربه: وأن تصوموا أيها المطيقون: خير لكم من الفدية وإن زادت: إن كنتم تعلمون أي: فضيلة الصوم وفوائده، أو إن كنتم من أهل العلم.

وقد ذهب الأكثرون إلى أن هذه الآية منسوخة بما بعدها. فإنه كان في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه، فاشتد عليهم، فرخص لهم في الإفطار والفدية، كما روى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية بعدها فنسختها. وأسند من طريق آخر عن سلمة أيضا قال: كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام، ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أنزلت هذه الآية: فمن شهد منكم الشهر فليصمه . وفي البخاري. قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع: نسختها: شهر رمضان الآية. ثم روي عن ابن أبي ليلى: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك، فنسخت وأمروا بالصوم. ثم أسند أيضا عن ابن عمر أنه قال: هي منسوخة.

هذا، وقد روى البخاري في " التفسير ": عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فليطعمان مكان كل يوم مسكينا.

[ ص: 424 ] هذا، وقد ذكر البخاري في " التفسير ": أن أنس بن مالك أطعم - بعد ما كبر - عاما أو عامين، كل يوم مسكينا، خبزا ولحما، وأفطر. رواه تعليقا، ووصله أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ورواه عبد بن حميد في " مسنده " من حديث ستة من أصحاب أنس عن أنس، بمعناه وروى محمد بن هشام في فوائده عن حميد قال: ضعف أنس عن الصوم عام توفي، فسألت ابنه عمر بن أنس: أطاق الصوم؟ قال: لا..! فلما عرف أنه لا يطيق القضاء أمر بجفان من خبز ولحم فأطعم العدة أو أكثر...!.

ولما أبهم الأمر في الأيام عينت هنا بقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى:

[185] شهر رمضان الذي أنـزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون .

شهر رمضان لأن ذلك أفخم وآكد من تعيينه من أول الأمر.

وقال الراغب: جعل معالم فرضه على الأهلة ليبادر الإنسان به في كل وقت من أوقات السنة، كما يدور الشهر فيه من الصيف والشتاء والربيعين.

وفي رفع: شهر وجهان:

أحدهما: أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي شهر، يعني الأيام المعدودات. فعلى هذا يكون قوله: الذي أنـزل نعتا للشهر أو لرمضان.

والثاني: [ ص: 425 ] هو مبتدأ.

ثم في الخبر وجهان:

أحدهما: الذي أنـزل

والثاني: إن: الذي أنـزل صفة، والخبر هو الجملة التي هي قوله: فمن شهد

فإن قيل: لو كان خبرا لم يكن فيه الفاء لأن شهر رمضان لا يشبه الشرط؟!.

قيل: الفاء - على قول الأخفش - زائدة. وعلى قول غيره: ليست زائدة، وإنما دخلت لأنك وصفت الشهر بـ: ( الذي ) ، فدخلت الفاء كما تدخل في خبر نفس الذي. ومثله: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم فإن قيل: فأين الضمير العائد على المبتدأ من الجملة؟ قيل: وضع الظاهر موضعه تفخيما، أي: فمن شهده منكم. كذا في العكبري.

الذي أنـزل فيه القرآن أي: ابتدأ فيه إنزاله، وكان ذلك في ليلة القدر.

قال الرازي: لأن مبادي الملل والدول هي التي يؤرخ بها، لكونها أشرف الأوقات، ولأنها أيضا أوقات مضبوطة معلومة.

وقال سفيان بن عيينة: معناه: أنزل في فضله القرآن. وهذا اختيار الحسين بن الفضل. قال: ومثله أن يقال: أنزل الله في الصديق كذا آية، يريدون: في فضله.

وقال ابن الأنباري: أنزل - في إيجاب صومه على الخلق - القرآن، كما يقال: أنزل الله في الزكاة كذا وكذا، يريد في إيجابها، وأنزل في الخمر كذا يريد في تحريمها. والله أعلم.

قال الحرالي: أشعرت الآية أن في الصوم حسن تلق لمعناه، ويسرا لتلاوته، ولذلك جمع فيه بين صوم النهار وتهجد الليل، وهو صيغة مبالغة من القرء وهو ما جمع الكتب والصحف والألواح. انتهى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]