عرض مشاركة واحدة
  #85  
قديم 26-03-2022, 08:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 431 الى صـ 435
الحلقة (85)

القول في تأويل قوله تعالى:

[186] وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون .

وإذا سألك عبادي عني فإني قريب قال الراغب: هذه الآية من تمام الآية الأولى. لأنه لما حث على تكبيره وشكره على ما قيضه لهم من تمام الصوم، بين أن الذي يذكرونه ويشكرونه قريب منهم، ومجيب لهم إذا دعوه، ثم تمم ما بقي من أحكام الصوم.

قال الرازي: إن السؤال متى كان مبهما، والجواب مفصلا، دل الجواب على أن المراد من ذلك المبهم هو ذلك المعين. فلما قال في الجواب: فإني قريب علمنا أن السؤال كان عن القرب والبعد بحسب الذات، أي: كما صرحت به الرواية السابقة. والقريب من أسمائه تعالى الحسنى. ومعناه القريب من عبده بسماعه دعاءه، ورؤيته تضرعه، وعلمه به، كما قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقال: وهو معكم أين ما كنتم وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم

[ ص: 432 ] قال الإمام تقي الدين ابن تيمية، عليه الرحمة، في عقيدته الواسطية:

ودخل - فيما ذكرناه من الإيمان بالله - الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة. من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه، علي على خلقه. وهو معهم سبحانه أينما كانوا. يعلم ما هم عاملون. كما جمع بين ذلك في قوله: هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينـزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير وليس معنى قوله: وهو معكم أين ما كنتم أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة. وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق. بل القمر - آية من آيات الله - من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر أينما كان. وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع إليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته، وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش، وأنه معنا - حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة. ودخل في ذلك: الإيمان بأنه قريب من خلقه، كما قال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته » . وما ذكر في الكتاب والسنة - من قربه ومعيته - لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته..! فإنه سبحانه ليس كمثله شيء [ ص: 433 ] في جميع نعوته. وهو علي في دنوه، قريب في علوه...!. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

وقوله تعالى: أجيب دعوة الداع إذا دعان تقرير للقرب وتحقيق له، ووعد للداعي بالإجابة. وقد قرئ في السبع بإثبات الياء في الداع ودعان في الوصل دون الوقف، وبالحذف مطلقا.

تنبيهات:

الأول: في معنى الدعاء.

قال في القاموس وشرحه: الدعاء: الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير، والابتهال إليه بالسؤال، ويطلق على العبادة والاستغاثة.

الثاني: فيما فسر به قوله تعالى: أجيب دعوة الداع

قال ابن القيم في " زاد المعاد " في هديه صلى الله عليه وسلم في سجوده ما نصه: وأمر يعني النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء في السجود، وقال: إنه قمن أن يستجاب لكم. وهل هذا أمر بأن يكثر الدعاء في السجود؟ أو أمر بأن الداعي إذا دعا في محل فليكن في السجود؟ وفرق بين الأمرين.! وأحسن ما يحمل عليه الحديث، أن الدعاء نوعان: دعاء ثناء، ودعاء مسألة. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر في سجوده من النوعين. والدعاء الذي أمر به في السجود يتناول النوعين. والاستجابة - أيضا - نوعان: استجابة دعاء الطالب بإعطائه سؤاله، [ ص: 434 ] واستجابة دعاء المثني بالثواب. وبكل واحد من النوعين فسر قوله تعالى: أجيب دعوة الداع إذا دعان والصحيح أنه يعم النوعين. انتهى.

الثالث: فيمن هو الداعي المجاب:

قال الراغب: بين تعالى - في هذه الآية - إفضاله على عباده، وضمن أنهم إذا دعوه أجابهم، وعليه نبه بقوله تعالى: ادعوني أستجب لكم إن قيل: قد ضمن في الآيتين أن من دعاه أجابه، وكم رأينا من داع له لم يجبه؟! قيل: إنه ضمن الإجابة لعباده، ولم يرد بالعباد من ذكرهم بقوله: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا وإنما عنى به الموصوفين بقوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وقوله: وعباد الرحمن الآيات. وللدعاء المجاب شرائط وهي: أن يدعو بأحسن الأسماء، كما قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ويخلص النية، ويظهر الافتقار، ولا يدعو بإثم، ولا بما يستعين به على معاداته. وأن يعلم أن نعمته فيما يمنعه من دنياه كنعمته فيما خوله وأعطاه. ومعلوم أن من هذا حاله فمجاب الدعوة..!

وقال ابن القيم، عليه الرحمة، أيضا في أول كتابه: " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء [ ص: 435 ] الشافي " ما نصه، بعد جمل: وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب. ولكن قد يتخلف عنه أثره، إما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان. وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا. فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا. وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب عن القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليه، كما في صحيح الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: « ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه! » . فهذا دواء نافع مزيل للداء. ولكن غفلة القلب عن الله، تبطل قوته. وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر: الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك..؟! » . وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب " الزهد " لأبيه: أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجا، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم: أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إلي أكفا قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن حين اشتد غضبي عليكم؟! ولن تزدادوا مني إلا بعدا..!.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]