
26-03-2022, 08:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,856
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 446 الى صـ 450
الحلقة (88)
وتارة يأتي بباء السببية كقوله تعالى: ذلك بما قدمت أيديكم وقوله: ( بما كنتم تعملون ) ، [ ص: 446 ] و: بما كنتم تكسبون وقوله: ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا
وتارة يأتي بالمفعول لأجله ظاهرا أو محذوفا، كقوله: فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى وكقوله تعالى: أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين وقوله: أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا أي: كراهة أن تقولوا.
[ ص: 447 ] وتارة بفاء السببية كقوله: فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم وقوله: فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية وقوله: فكذبوهما فكانوا من المهلكين ونظائره.
وتارة يأتي بأداة لما الدالة على الجزاء، كقوله: فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ونظائره.
وتارة يأتي بإن وما عملت فيه، كقوله: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات وقوله في ضد هؤلاء: إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين
وتارة يأتي بأداة لولا الدالة على ارتباط ما قبلها بما بعدها، كقوله: فلولا أنه كان من المسبحين في بطنه إلى يوم يبعثون
وتارة يأتي بـ " لو " الدالة على الشرط، كقوله: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم
[ ص: 448 ] وبالجملة: فالقرآن - من أوله إلى آخره - صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر والأحكام الكونية والأمرية على الأسباب، بل ترتب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال. ومن تفقه في هذه المسألة، وتأملها حق التأمل، انتفع بها غاية النفع، ولم يتكل على القدر جهلا منه وعجزا وتفريطا وإضاعة ; فيكون توكله عجزا، وعجزه توكلا..! بل الفقيه - كل الفقيه - الذي يرد القدر بالقدر، ويدفع القدر بالقدر، ويعارض القدر بالقدر. لا يمكن للإنسان أن يعيش إلا بذلك..! فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر. والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر.... وهكذا من وفقه الله وألهمه رشده يدفع قدر العقوبة الأخروية بقدر التوبة والإيمان والأعمال الصالحة... فهذا وزن القدر المخوف في الدنيا وما يضاده، فرب الدارين واحد، وحكمته واحدة، لا يناقض بعضها بعضا، ولا يبطل بعضها بعضا. فهذه المسألة من أشرف المسائل لمن عرف قدرها، ورعاها حق رعايتها... والله المستعان.
ولكن يبقى عليه أمران بهما تتم سعادته وفلاحه:
أحدهما: أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير ويكون له بصيرة في ذلك بما شهده في العالم، وما جربه في نفسه وغيره، وما سمعه من أخبار الأمم قديما وحديثا.
ومن أنفع ما في ذلك: تدبر القرآن، فإنه كفيل بذلك على أكمل الوجوه، وفيه أسباب الخير والشر جميعا مفصلة مبينة ; ثم السنة، فإنها شقيقة القرآن وهي الوحي الثاني. ومن صرف إليهما عنايته اكتفى بهما من غيرهما، وهما يريانك الخير والشر وأسبابهما، حتى كأنك تعاين ذلك عيانا... وبعد ذلك، فإذا تأملت أخبار الأمم، وأيام الله في أهل طاعته وأهل [ ص: 449 ] معصيته، طابق ذلك ما علمته من القرآن والسنة، ورأيته بتفاصيل ما أخبر الله به ووعد به. وعلمت من آياته في الآفاق ما يدلك على أن القرآن حق، وأن الرسول حق، وأن الله ينجز وعده لا محالة..! فالتاريخ تفصيل لجزئيات ما عرفنا الله ورسوله من الأسباب الكلية للخير والشر... انتهى.
وقوله تعالى: فليستجيبوا لي أي: إذا دعوتهم للإيمان والطاعة، كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم: وليؤمنوا بي أمر بالثبات على ما هم عليه: لعلهم يرشدون أي: راجين إصابة الرشد وهو الحق.
تنبيهان:
الأول: قال الراغب: أوثر فليستجيبوا على فليجيبوا للطيفة، وهي: أن حقيقة الاستجابة طلب الإجابة، وإن كان قد يستعمل في معنى الإجابة. فبين أن العباد متى تحروا إجابته بقدر وسعهم فإنه يرضى عنهم. إن قيل: كيف جمع بين الاستجابة والإيمان، وأحدهما يغني عن الآخر، فإنه لا يكون مستجيبا لله من لا يكون مؤمنا؟ قلنا: استجابته ارتسام أوامره ونواهيه التي تتولاه الجوارح، والإيمان هو الذي تقتضيه القلوب. وأيضا فإن الإيمان المعني ههنا هو الإيمان المذكور في قوله: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله الآية.
الثاني: قدمنا عن الراغب سر وصل هذه الآية بما قبلها، ووجه التناسب. وثمت سر آخر قاله الحافظ ابن كثير، وعبارته:
وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد [ ص: 450 ] في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر. كما روى أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة » . فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا. وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد... » وكان عبد الله يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي... وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين » .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|