عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 26-03-2022, 08:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,751
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 456 الى صـ 460
الحلقة (90)

وقوله: من الفجر بيان للخيط الأبيض. واكتفى به عن بيان الخيط الأسود، لأن بيان أحدهما بيان للثاني. وقد رفع بهذا البيان الالتباس الذي وقع أول أمر الصيام. كما روى الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد قال: أنزلت: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل: من الفجر [ ص: 456 ] وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعده: من الفجر فعلموا إنما يعني الليل والنهار، ورويا أيضا. واللفظ لمسلم - عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر قال له عدي: يا رسول الله! إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالا أبيض وعقالا أسود، أعرف الليل من النهار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن وسادك لعريض، إنما هو سواد الليل وبياض النهار» .

قال ابن كثير: ومعنى قوله: إن وسادك لعريض أي: إن كان يسع تحته الخيطين المرادين من هذه الآية ; فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب..! وجاء في بعض هذه الألفاظ: « إنك لعريض القفا » ففسره بعضهم بالبلادة - وهو ضعيف بل يرجع إلى هذا ; لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضا عريض، والله أعلم. انتهى.

وفي الإتيان بلفظ التفعل في قوله تعالى: حتى يتبين إشعار بأنه لا يكفي إلا التبين الواضح لا تباشير الضوء. وقد روى مسلم عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا » . وحكاه حماد بيديه، قال: يعني معترضا. وفي لفظ آخر عنه: « لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر - أو قال: - حتى ينفجر الفجر » . وروى الإمام أحمد عن قيس بن طلق عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ليس الفجر المستطيل [ ص: 457 ] في الأفق، ولكنه المعترض الأحمر» . ورواه الترمذي بلفظ: « كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر» . قال: وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي ذر وسمرة.

ثم قال: حديث طلق بن علي حديث حسن غريب من هذا الوجه. والعمل على هذا - عند أهل العلم - أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض، وبه يقول أهل العلم. انتهى.

قال بعضهم: المراد بالأحمر: الأبيض، كما فسر به حديث: « بعثت إلى الأحمر والأسود» . وقال شمر: سموا الأبيض أحمر تطيرا بالأبرص. حكاه عن أبي عمرو بن العلاء. ويظهر أنه لا حاجة إلى هذا، فإن طلوع الفجر يصحبه حمرة. وفي " القاموس" الفجر: ضوء الصباح، وهو حمرة الشمس في سواد الليل. فافهم.

وقال الحافظ عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا ابن جريج عن عطاء: سمعت ابن عباس يقول: هما فجران: فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا، لكن الفجر الذي يستنير على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب. وقال عطاء: فأما إذا سطع سطوعا في السماء - وسطوعه أن يذهب في السماء طولا - فإنه لا يحرم به شراب للصائم ولا صلاة، ولا يفوت به الحج. ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال حرم الشراب للصيام، وفات الحج.

قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء. وهكذا روي عن غير واحد من السلف. رحمهم الله. انتهى.

[ ص: 458 ] ثم أتموا الصيام أي: صوم كل يوم: إلى الليل أي: إلى ظهور الظلمة من قبل المشرق. وذلك بغروب الشمس. وكلمة إلى تفيد أن الإفطار عند غروب الشمس، كما جاء في " الصحيحين " عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم » .

قال ابن القيم: أي: أفطر حكما وإن لم ينوه، أو دخل في وقت فطره، كما في: أصبح وأمسى.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يعجل الفطر ويحض عليه، كما في " الصحيحين ": « لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: « يقول الله عز وجل: إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا » . ورواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء. رواه الترمذي، [ ص: 459 ] وقال: حسن غريب. وروى الإمام أحمد عن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة، فمنعني بشير وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: « يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله ثم أتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل فأفطروا» .

ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة، النهي عن الوصال. وهو: أن يصل يوما بيوم ولا يأكل بينهما شيئا. ففي " الصحيحين " عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تواصلوا...! » قالوا: إنك تواصل، قال: « لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى - أو إني أبيت أطعم وأسقى » . قال الترمذي: وفي الباب عن علي، وأبي هريرة، وعائشة وابن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وبشير بن الخصاصية. أي: فالنهي عنه قد ثبت من غير وجه. نعم من أحب أن يواصل إلى السحر فله ذلك، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» [ ص: 460 ] قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: « لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني » . أخرجاه في " الصحيحين ". والمراد بهذا الطعام والشراب: ما يغذيه الله به من المعارف، وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته، وقرة عينه بقربه، وتنعمه بحبه، والشوق إليه، وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلب، ونعيم الأرواح، وقرة العين، وبهجة النفوس والروح والقلب ; بما هو أعظم غذاء، وأجوده، وأنفعه. وقد يقوي هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمان.

ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيواني، ولا سيما المسرور الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قد قرت عينه بمحبوبه، وتنعم بقربه والرضاء عنه، وألطاف محبوبه وهداياه وتحفه تصل إليه كل وقت. ومحبوبه حفي به، معتز بأمره، مكرم له غاية الإكرام، مع المحبة التامة له. أفليس في هذا أعظم غذاء لهذا المحب؟! فكيف بالحبيب الذي لا شيء أجل منه، ولا أعظم، ولا أجمل، ولا أكمل، ولا أعظم إحسانا، إذا امتلأ قلب المحب بحبه، وملك حبه جميع أجزاء قلبه وجوارحه، وتمكن حبه منه أعظم تمكن؟ وهذا حاله مع حبيبه.

أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه ويسقيه ليلا ونهارا؟ ولهذا قال: « إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني » . ولو كان ذلك طعاما وشرابا للفم - كما قال - لما كان صائما، فضلا عن كونه مواصلا. كذا في " زاد المعاد ".

وقد روى ابن جرير عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف، أنهم كانوا يواصلون الأيام المتعددة. وحمله منهم على أنهم كانوا يفعلون ذلك رياضة لأنفسهم لا أنهم كانوا يفعلونه عبادة. والله أعلم.

قال ابن كثير: ويحتمل أنهم كانوا يفهمون من النهي أنه إرشادي من باب الشفقة. كما جاء في حديث عائشة: رحمة لهم. فكان ابن الزبير وابنه عامر ومن سلك سبيلهم يتجشمون ذلك ويفعلونه ; لأنهم كانوا يجدون قوة عليه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]