
26-03-2022, 08:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,915
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 466 الى صـ 470
الحلقة (92)
القول في تأويل قوله تعالى:
[188] ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال ابن جرير: يعني تعالى ذكره بذلك: ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، فجعل بذلك آكل مال أخيه بالباطل [ ص: 466 ] كالآكل مال نفسه بالباطل، ونظير ذلك قوله تعالى: ولا تلمزوا أنفسكم وقوله: ولا تقتلوا أنفسكم بمعنى: لا يلمز بعضكم بعضا ولا يقتل بعضكم بعضا ; لأنه تعالى جعل المؤمنين إخوة. وكذلك تفعل العرب. تكني عن أنفسها بأخواتها، وعن أخواتها بأنفسها ; لأن أخا الرجل عندها كنفسه. فتأويل الكلام: ولا يأكل بعضكم أموال بعض فيما بينكم بالباطل. وأكله بالباطل أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه.اهـ.
وبينكم: إما ظرف لـ " تأكلوا " بمعنى: لا تتناولوها فيما بينكم بالأكل، أو حال من الأموال أي: لا تأكلوها كائنة بينكم ودائرة بينكم. وبالباطل في موضع نصب بـ " تأكلوا " أي: لا تأخذوها بالسبب الباطل - أي: الوجه الذي لم يبحه الله تعالى - ويجوز أن يكون حالا من الأموال أي: لا تأكلوها متلبسة بالباطل. أو من الفاعل في تأكلوا أي: لا تأكلوها مبطلين، أي: متلبسين بالباطل: وتدلوا بها إلى الحكام أي: تخاصموا بها - أي: بأموالهم - إلى الحكام، مجزوم عطفا على النهي. ويؤيده قراءة أبي: {ولا وتدلوا } بإعادة لا الناهية والإدلاء: مأخوذ من إدلاء الدلو، وهو: إرسالها في البئر للاستقاء، ثم استعير لكل إلقاء قول أو فعل توصلا إلى شيء. ومنه يقال للمحتج: [ ص: 467 ] أدلى بحجته. كأنه يرسلها ليصير إلى مراده. كإدلاء المستقي للدلو ليصل إلى مطلوبه من الماء. وفلان يدلي إلى الميت بقرابة أو رحم: إذا كان منتسبا إليه، فيطلب الميراث بتلك النسبة. فالباء صفة الإدلاء تجوزا به عن الإلقاء كما ذكرنا. والمعنى: لا تلقوا أمرها - والحكومة فيها - إلى الحكام. أو لا تلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه الرشوة ليعينوكم على اقتطاع أموال الناس. وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش - وهو الواسطة الذي يمشي بينهما - رواه أهل السنن. وذلك لأن ولي الأمر إذا أكل هذا السحت - أعني الرشوة المسماة: بالبرطيل وتسمى أحيانا: بالهدية وغيرها - احتاج أن يسمع الكذب من الشهادة الزور وغيرها مما فيه إعانة على الإثم والعدوان. وولي الأمر إنما نصب ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا مقصود الولاية. وإذا كان الوالي يمكن من المنكر بمال يأخذه كان قد أتى بضد المقصود، مثل من نصبته ليعينك على عدوك فأعان عدوك عليك. وبمنزلة من أخذ مالا ليجاهد به في سبيل الله فقاتل المسلمين. والحكام: جمع حاكم، وهو: منفذ الحكم بين الناس كالحكم، محركة لتأكلوا أي: بواسطة حكمهم الفاسد وبالتحاكم إليهم: فريقا - أي: طائفة وقطعة -: من أموال الناس بالإثم بما يوجب إثما - كشهادة الزور واليمين الفاجرة، وحكمهم الفاسد - فإنه لا يفيد الحل والظلم. فالباء للسببية. متعلقها لتأكلوا. وجوز كونها للمصاحبة. فالمجرور حال من فاعل لتأكلوا أي: متلبسين بالإثم: وأنتم تعلمون أي: أنكم على الباطل. وارتكاب المعصية - مع العلم بقبحها - أقبح، وصاحبه أحق بالتوبيخ، فالتقييد لكمال تقبيح حالهم.
قال الراغب: أي: إن خفي ظلمكم على الناس فإنه لا يخفى عليكم، تنبيها على أن الاعتبار بما عليه الأمر في نفسه، وما علمتم منه لا بما يظهر.
[ ص: 468 ] وقال ابن كثير في " تفسيره ": قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذه الآية في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال، ويخاصم إلى الحكام. وهو يعرف أن الحق عليه. وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام. وكذا روي عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد أنهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم. وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ألا إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار. فليحملها أو ليذرها» . فدلت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر. فلا يحل في نفس الأمر حراما هو حلال، ولا يحرم باطلا هو حلال. وإنما هو ملزم في الظاهر. فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره، وعلى المحتال وزره. ولهذا قال تعالى في آخر الآية: وأنتم تعلمون أي: تعلمون بطلان ما تدعونه وترجونه في كلامكم. قال قتادة: اعلم يا بني آدم...! أن قضاء القاضي لا يحل حراما، ولا يحق لك باطلا، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب. واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة. فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضى به للمبطل على المحق في الدنيا.
[ ص: 469 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[189] يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون .
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله! لم خلقت الأهلة؟ فنزلت. وروى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم. قالا: يا رسول الله! ما بال الهلال يبدو - أو يطلع - دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، لا يكون على حال واحد؟ فنزلت.
ومعنى كونها: مواقيت للناس معالم لهم في حل دينهم، ولصومهم، ولفطرهم، وأوقات حجهم، وأجائرهم، وأوقات الحيض، وعدد نسائهم، والشروط التي إلى أجل، فكل هذا مما لا يسهل ضبط أوقاتها إلا عند وقوع الاختلاف في شكل القمر زيادة ونقصا. ولهذا خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة على حالة واحدة.
قال بعض المفسرين: ثمرة الآية: أن الأحكام الشرعية - كالزكاة والعدد للنساء والحمل تتعلق بشهور الأهلة لا بشهور الفرس. أما ما تعلق بالعقود والأفعال المتعلقة بفعل بني آدم فيتبع فيه العرف من حسابهم، بالأهلة أو بشهور الفرس. فهذا حكم، وذاك حكم آخر.
وقد ذكر تعالى هذا المعنى في آيات، كقوله سبحانه: وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب وقوله: فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب [ ص: 470 ] أي: من غير افتقار إلى مراجعة المنجم وحساب الحاسب ; رحمة منه تعالى وفضلا. وإفراد الحج بالذكر هنا تنويها بشأنه.
وقال القفال: نكتة إفراده: بيان أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها الله تعالى لفرضه. وأنه لا يجوز نقل الحج من تلك الأشهر إلى أشهر، كما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء. والله أعلم.
والجمهور على فتح حاء الحج والحسن على كسرها في جميع القرآن. قال سيبويه: هما مصدران كالرد والذكر. وقيل: بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم. والأهلة: جمع هلال. وجمعه باختلاف زمانه. وهو: غرة القمر إلى ثلاث ليال أو سبع، ثم يسمى قمرا، وليلة البدر لأربع عشرة.
قال أبو العباس: سمي الهلال هلالا: لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه، وسمي بدرا: لمبادرته الشمس بالطلوع كأنه يجعلها المغيب. ويقال: سمي بدرا: لتمامه وامتلائه، وكل شيء تم فهو بدر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|