الموضوع: فرصة التغيير
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-03-2022, 05:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,365
الدولة : Egypt
افتراضي فرصة التغيير

فرصة التغيير


حامد العلياني





نتَّفق جميعًا على أنَّ مِن أعظم الحرمان ألاَّ يُستغلَّ هذا الشهر الكريم (شهر رمضان المبارك) في مرضاةِ الله والقُرب منه؛ إذ هو غنيمةٌ باردة يُرزَقُها كل حيٍّ على وجه الأرض، في حين حُرِمَها آخرون ممَّن هم تحتَ أطباق الثرى!

ولستُ هنا بصدد الحثِّ على أفعال الخير في رمضان مِن قراءة وتدبُّر، وصدقة وذكر، وقيام وبر وإحسان، وغيرها، فالعاقل يُدرك جيدًا كيف يبذل مستطاعَه في القيام بها والاستزادة منها.

ولكنِّي هنا أدعو وأحثُّ وأحضُّ إلى ميزة عظيمة جدًّا مِن مزايا الشهر، هي سانحة في غيرِه، لكنَّها فيه تكون أسهلَ وأميز، إنَّها فرصة التغيير!

ما منَّا من أحد إلا وله عاداتٌ سيِّئة ومعاصٍ مألوفة قُسِرَ عليها فلم يستطع الفكاكَ أو التخلِّي عنها، بَيد أنَّ الوضع يختلف تمامًا في هذا الشهر الكريم، فكم مِن إنسانٍ غيَّره رمضان، وساعده الصيام والقيام، والاستعانة بالله على درْءِ وترْك كلِّ ما مِن شأنه أن يحُول بينه وبيْن الطاعة أو يتسبَّب في غفلته وإبعاده عنِ الله، أو يُثنيه ويُعيقه عن معالي الأُمور.

وعليه؛ فإنَّ المتعين على كل أحدٍ أن يبحَث عن التغيير، عليه أن يبدأ مع غرَّة هذا الشهر الفضيل، ويقوم بحصْر أبرز عاداته وأخطائه التي تمْنَعه مِن السمو وتنأى به عن الرشدِ، ثم يَطفقُ في العمل على إهمالها، ويعمل على استبدال ما يضادُّها بها مِن أعمال الخير والنَّماء.

هناك مِن الصِّفات السيِّئة التي تفشَّتْ وعمَّتْ في المجتمعات، ويَنبغي أن تُوأد مع مستهلِّ هذا الشهر، وهي - على سبيلِ المثال لا الحصر:
سرعة الغضب:
فهناك مَن يَغضب لأتفهِ الأمور ودون تأنٍّ ويصنع مِن هذا السبب بدايةً للقطيعة والعداء، يطول وقتُها أو يقصر!

كان مِن الأدعَى أن يتغافلَ عن كثيرٍ من أخطاء الآخرين التي لا يترتَّب عليها مفسدةٌ أو مضرَّة متقرّرة وأن يُمِرَّها، فذلك أجدرُ أن يحيا مطمئنَّ الضمير قريرَ البال، وكما نُقِل عنِ الإمام أحمد أو غيره بأنَّه قال: "تِسعة أعشار السعادة في التغافُل".

فالفرصةُ قائمةٌ ليبدأ أصحابُ هذه الصفة بتوطينِ أنفسهم وتدريبها مِن الآن على التحلُّم والهدوء؛ ((ليس الشديدُ بالصُّرعة، إنَّما الشديدُ الذي يملك نفسَه عندَ الغضب)).

إساءة الظن:
فبعدَ أن يقول الإنسان شيئًا ما أو يفعل أو يتصرَّف، تنهال عليه الظنون السيِّئة، وتبدأ المواقف تُتَّخذ تجاهَه إثر ما بدَر منه، ثم يَبِينُ بعد ذلك صدقُه ونزاهة قلبه!

ما أجملَ أن نُعوِّد أنفسنا جميعًا على إحسانِ الظن بالآخرين، واستدعاء المحامل الحسنة في كلِّ الأوقات، وكما قال جعفرُ بن محمد: "الْتمِسْ لأخيك أكثرَ مِن سبعين عذرًا".

ونحن لا نقول: الْتمسْ سبعين عذرًا، ولكن نقول الْتمس ما تستطيعه مِن الأعذار؛ وإنْ لم تجد فاتَّهم نفسَك أنت.

الاستهانة بالغِيبة:
هناك رجُلٌ فاضلٌ يحبه آخَرون ويقدِّرونه ويَمضي في حاله لا يَدري ما يُحاكُ وراءه، فيأتي مَن لا يتورَّع عن الغِيبة ويذكُر أخطاءَه ويُبدي معايبَه، فتتغيَّر نظرات هؤلاء إزاءَه بعدَ أن كانوا يوقِّرونه ويتوجَّهون إليه بأسمى آيات المحبَّة والتقدير القوليَّة والفعليَّة.

حريٌّ بكلِّ عاقل أن يتورَّع عن هذه الكبيرة مِن الآن، وأن يترُك كُلاًّ وشأنه، ولا أظنُّ الأمر مُكلِّفًا على مَن صَدَق، سيَّما ونحن في شهر الصدق والفضيلة.

الحسد:
يقول ابن تيميّة: "ما خلا جسدٌ من حسَد"، فيه دلالةٌ على أنَّه يعرِض لكل الناس ولا يَسلَم منه أحد، لكن هناك مَن لا يدفعه ولا يجاهِد في ترْكه، فهو يتسبَّب في إتلافِ ما لديه مِن حسنات، ويجعل بيْنه وبيْن الآخرين حواجزَ مِن العداوة والبغضاء، وأمَّا الصادق فلا يبوِّئ للحسد مكانًا، فهو يحبُّ الآخرين ولا يتمنَّى زوال ما لديهم مِن النِّعَم، وإذا أحسَّ بشيءٍ مِن الحسد تجاهَ أخيه فسرعان ما يدْعو له مِن القلب ليقطعَ على الشيطان الطريق، وليجتثَّ جذور هذا الداء، فيبقى معافًى سليمًا مطمئنَّ البال والضمير.

وهذا الشهر غنيمةٌ باردة للتواصُل مع الآخرين ومحبَّتهم والتقرُّب إليهم بالتودُّد والتهنئة، والمباركة على عطاءاتِ الله لهم، والدعاء على مسمعٍ منهم وفي ظهرِ الغيب كذلك؛ حتى يتحقَّق معنى الإخاء والعطف والرحمة بيْن الناس، ويعم الخير وتذبُل الضغائن.

التدخين:
واللهِ لو أراد المدخِّن تركَ مَنْقَصَته هذه في غير رمضان لاستطاع ذلك حينما تحضُر الإرادةُ والعزيمة، فكيف بمَن أراد الإقلاعَ عنه في شهر الصيام؟! ذلك أنه يبقَى نصف يوم أو أكثر لا يتعاطَى شيئًا منه! أفلا يستطيع أن يتمَّ يومه ويشتغل بما هو أنفعُ له، ويدْعو الله على الإعانةِ ثم يفعل مِثل ذلك في اليوم التالي، وهكذا إلى أن يتنزَّه عنه ويتزكَّى؟ بلى.

سماع الأغاني:
الإشكال أنَّ سمَّاعي الأغاني لا يعون مدَى خطورتها، فهي تحول بيْن العبد وبين ربِّه، وتُضعِف التعلُّقَ به سبحانه، وتنمِّي الخيالات الواسعة التي تدعم الحبَّ المحرَّم وتصنع منه تعلُّقًا محرَّمًا بالأشخاص الذين أُوتوا نضارةً في الوجه، فتياتٍ كانوا أم شبَّانًا، ثم لا تسلْ كم تورث بعدَ ذلك مِن الهموم والغموم، وتعسير الأمور!

مِن القبيح جدًّا أن تُسمع الأغنيات في غير رمضان، ومِن أقبح النقائض أن تُسمَع في رمضان، صيامٌ في النهار وقيام في اللَّيْل، وفي سائر اليوم ذِكْر ومناجاة، وقرآن ودعاء، وصلة وصَدقة.

هذه مُجرَّد أمثلة، وإلا فالواقع متضلِّع بالعادات الخاطِئة والممارسات المقيتة.

إنَّ أناسًا أمَّلوا في بلوغ هذا الشَّهر ولم يُدركوه؛ فقدْ حال بينهم الموتُ وبيْن آمالهم، وها أنت تنعَم ببلوغه وتتفيَّأ ظلاله، فاجعلْ منه انطلاقةً صادقة نحو رِضا الله - عزَّ وجلَّ - أولاً، ونحو التطوُّر والسموِّ ثانيًا، ولنتذكَّر دائمًا قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].

أسأل اللهَ العليَّ القدير بمنِّه وكرمه أن يتقبَّل منَّا ومنكم في هذا الشهر الكريم الصيامَ والقيامَ وتدبر القرآن، وسائر أعمال البِر، وأن يُعينَنا على تغيير ما بذواتنا مِن المثالب والعيوب، والنقائص والأخطاء، فهو وليُّ ذلك والقادِر عليه.

وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيِّدنا ونبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.09%)]