عرض مشاركة واحدة
  #71  
قديم 30-03-2022, 11:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(56)
الحلقة (71)
صــ 506إلى صــ510




695 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : أما العرب فيقولون : ما الجن إلا كل من اجتن فلم ير . وأما قوله : " إلا إبليس من كان من الجن " أي كان من الملائكة ، وذلك أن الملائكة اجتنوا فلم يروا . وقد قال الله جل ثناؤه : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ) [ سورة الصافات : 158 ] ، وذلك لقول قريش : إن الملائكة بنات الله ، فيقول الله : إن تكن الملائكة بناتي فإبليس منها ، وقد جعلوا بيني وبين إبليس وذريته نسبا . قال : وقد قال الأعشى ، أعشى بني قيس بن ثعلبة البكري ، وهو يذكر سليمان بن داود وما أعطاه الله :


ولو كان شيء خالدا أو معمرا لكان سليمان البريء من الدهر [ ص: 506 ] براه إلهي واصطفاه عباده
وملكه ما بين ثريا إلى مصر وسخر من جن الملائك تسعة
قياما لديه يعملون بلا أجر


قال : فأبت العرب في لغتها إلا أن " الجن " كل ما اجتن . يقول : ما سمى الله الجن إلا أنهم اجتنوا فلم يروا ، وما سمى بني آدم الإنس إلا أنهم ظهروا فلم يجتنوا . فما ظهر فهو إنس ، وما اجتن فلم ير فهو جن .

وقال آخرون بما :

696 - حدثنا به محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس .

697 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول في قوله : " إلا إبليس كان من الجن " ألجأه إلى نسبه فقال الله : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ سورة الكهف : 50 ] ، وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم .

698 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا [ ص: 507 ] أبو سعيد اليحمدي ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا سوار بن الجعد اليحمدي ، عن شهر بن حوشب ، قوله : " من الجن " قال : كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء .

699 - وحدثني علي بن الحسين ، قال : حدثني أبو نصر أحمد بن محمد الخلال ، قال : حدثني سنيد بن داود ، قال حدثنا هشيم ، قال أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن موسى بن نمير ، وعثمان بن سعيد بن كامل ، عن سعد بن مسعود ، قال : كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس وكان صغيرا ، فكان مع الملائكة فتعبد معها ، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا . فأبى إبليس . فلذلك قال الله : " إلا إبليس كان من الجن "

700 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدثنا المبارك بن مجاهد أبو الأزهر ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، قال : إن من الملائكة قبيلا يقال لهم : الجن ، فكان إبليس منهم ، وكان إبليس يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى ، فمسخه الله شيطانا رجيما .

701 - قال : وحدثنا يونس ، عن ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إبليس أبو الجن ، كما آدم أبو الإنس .

وعلة من قال هذه المقالة ، أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أنه خلق إبليس من نار السموم ، ومن مارج من نار ، ولم يخبر عن الملائكة أنه خلقها من شيء من ذلك ، وأن الله جل ثناؤه أخبر أنه من الجن - فقالوا : فغير جائز أن ينسب إلى غير ما نسبه الله إليه . قالوا : ولإبليس نسل وذرية ، والملائكة لا تتناسل ولا تتوالد . [ ص: 508 ]

702 - حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن شريك ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : إن الله خلق خلقا ، فقال : اسجدوا لآدم : فقالوا : لا نفعل . فبعث الله عليهم نارا تحرقهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، اسجدوا لآدم . فأبوا ، فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم . قال : ثم خلق هؤلاء ، فقال : اسجدوا لآدم . فقالوا : نعم . وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم .

قال أبو جعفر : وهذه علل تنبئ عن ضعف معرفة أهلها . وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الله جل ثناؤه خلق أصناف ملائكته من أصناف من خلقه شتى . فخلق بعضا من نور ، وبعضا من نار ، وبعضا مما شاء من غير ذلك . وليس في ترك الله جل ثناؤه الخبر عما خلق منه ملائكته ، وإخباره عما خلق منه إبليس - ما يوجب أن يكون إبليس خارجا عن معناهم . إذ كان جائزا أن يكون خلق صنفا من ملائكته من نار كان منهم إبليس ، وأن يكون أفرد إبليس بأن خلقه من نار السموم دون سائر ملائكته . وكذلك غير مخرجه أن يكون كان من الملائكة بأن كان له نسل وذرية ، لما ركب فيه من الشهوة واللذة التي نزعت من سائر الملائكة ، لما أراد الله به من المعصية . وأما خبر الله عن أنه " من الجن " فغير مدفوع أن يسمى ما اجتن من الأشياء عن الأبصار كلها جنا - كما قد ذكرنا قبل في شعر الأعشى - فيكون إبليس والملائكة منهم ، لاجتنانهم عن أبصار بني آدم . [ ص: 509 ]

القول في معنى ( إبليس )

قال أبو جعفر : وإبليس " إفعيل " من الإبلاس ، وهو الإياس من الخير والندم والحزن . كما :

703 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : إبليس ، أبلسه الله من الخير كله ، وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته .

704 - وحدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : كان اسم إبليس " الحارث " وإنما سمي إبليس حين أبلس متحيرا .

قال أبو جعفر : وكما قال الله جل ثناؤه : ( فإذا هم مبلسون ) [ سورة الأنعام : 44 ] ، يعني به : أنهم آيسون من الخير ، نادمون حزنا ، كما قال العجاج :


يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا
[ ص: 510 ]

وقال رؤبة :


وحضرت يوم الخميس الأخماس وفي الوجوه صفرة وإبلاس


يعني به اكتئابا وكسوفا .

فإن قال قائل : فإن كان إبليس ، كما قلت ، " إفعيل " من الإبلاس ، فهلا صرف وأجري ؟ قيل : ترك إجراؤه استثقالا إذ كان اسما لا نظير له من أسماء العرب ، فشبهته العرب - إذ كان كذلك - بأسماء العجم التي لا تجرى . وقد قالوا : مررت بإسحاق ، فلم يجروه . وهو من " أسحقه الله إسحاقا " إذ كان وقع مبتدأ اسما لغير العرب ، ثم تسمت به العرب فجرى مجراه - وهو من أسماء العجم - في الإعراب فلم يصرف . وكذلك " أيوب " إنما هو " فيعول " من " آب يؤوب "

وتأويل قوله : " أبى " يعني جل ثناؤه بذلك إبليس ، أنه امتنع من السجود لآدم فلم يسجد له . " واستكبر " يعني بذلك أنه تعظم وتكبر عن طاعة الله في السجود لآدم . وهذا ، وإن كان من الله جل ثناؤه خبرا عن إبليس ، فإنه تقريع لضربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله ، والانقياد لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه ، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق . وكان ممن تكبر عن الخضوع لأمر الله ، والتذلل لطاعته ، والتسليم لقضائه فيما ألزمهم من حقوق غيرهم - اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحبارهم الذين كانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته عارفين ، وبأنه لله رسول عالمين . ثم استكبروا - مع علمهم بذلك - عن الإقرار بنبوته ، والإذعان لطاعته ، بغيا منهم له وحسدا . فقرعهم الله بخبره عن إبليس [ ص: 511 ] الذي فعل في استكباره عن السجود لآدم حسدا له وبغيا ، نظير فعلهم في التكبر عن الإذعان لمحمد نبي الله صلى الله عليه وسلم ونبوته ، إذ جاءهم بالحق من عند ربهم حسدا وبغيا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]