عرض مشاركة واحدة
  #72  
قديم 30-03-2022, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,175
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(57)
الحلقة (72)
صــ 511إلى صــ515




ثم وصف إبليس بمثل الذي وصف به الذين ضربه لهم مثلا في الاستكبار والحسد والاستنكاف عن الخضوع لمن أمره الله بالخضوع له ، فقال جل ثناؤه : " وكان " يعني إبليس " من الكافرين " من الجاحدين نعم الله عليه وأياديه عنده ، بخلافه عليه فيما أمره به من السجود لآدم ، كما كفرت اليهود نعم ربها التي آتاها وآباءها قبل : من إطعام الله أسلافهم المن والسلوى ، وإظلال الغمام عليهم ، وما لا يحصى من نعمه التي كانت لهم ، خصوصا ما خص الذين أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم بإدراكهم إياه ، ومشاهدتهم حجة الله عليهم ، فجحدت نبوته بعد علمهم به ، ومعرفتهم بنبوته حسدا وبغيا . فنسبه الله جل ثناؤه إلى " الكافرين " فجعله من عدادهم في الدين والملة ، وإن خالفهم في الجنس والنسبة . كما جعل أهل النفاق بعضهم من بعض ، لاجتماعهم على النفاق ، وإن اختلفت أنسابهم وأجناسهم ، فقال : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) [ سورة التوبة : 67 ] يعني بذلك أن بعضهم من بعض في النفاق والضلال . فكذلك قوله في إبليس : كان من الكافرين ، كان منهم في الكفر بالله ومخالفته أمره ، وإن كان مخالفا جنسه أجناسهم ونسبه نسبهم . ومعنى قوله : " وكان من الكافرين " أنه كان - حين أبى عن السجود - من الكافرين حينئذ .

وقد روي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية أنه كان يقول : في تأويل قوله : " وكان من الكافرين " في هذا الموضع ، وكان من العاصين .

705 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : " وكان من الكافرين " يعني العاصين . [ ص: 512 ]

706 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بمثله .

وذلك شبيه بمعنى قولنا فيه .

وكان سجود الملائكة لآدم تكرمة لآدم وطاعة لله ، لا عبادة لآدم ، كما :

707 - حدثنا به بشر بن معاذ : قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " فكانت الطاعة لله ، والسجدة لآدم ، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته . .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة )

قال أبو جعفر : وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال : إن إبليس أخرج من الجنة بعد الاستكبار عن السجود لآدم ، وأسكنها آدم قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض . ألا تسمعون الله جل ثناؤه يقول : " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " فقد تبين أن إبليس إنما أزلهما عن طاعة الله بعد أن لعن وأظهر التكبر ، لأن سجود الملائكة لآدم كان بعد أن نفخ فيه الروح ، وحينئذ كان امتناع إبليس من السجود له ، وعند الامتناع من ذلك حلت عليه اللعنة . كما :

708 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن [ ص: 513 ] ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن عدو الله إبليس أقسم بعزة الله ليغوين آدم وذريته وزوجه ، إلا عباده المخلصين منهم ، بعد أن لعنه الله ، وبعد أن أخرج من الجنة ، وقبل أن يهبط إلى الأرض . وعلم الله آدم الأسماء كلها .

709 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما فرغ الله من إبليس ومعاتبته ، وأبى إلا المعصية وأوقع عليه اللعنة ، ثم أخرجه من الجنة ، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها ، فقال : " يا آدم أنبئهم بأسمائهم " إلى قوله " إنك أنت العليم الحكيم "

ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي خلقت لآدم زوجته ، والوقت الذي جعلت له سكنا . فقال ابن عباس بما :

710 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فأخرج إبليس من الجنة حين لعن ، وأسكن آدم الجنة . فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ ، وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها : من أنت ؟ فقالت : امرأة . قال : ولم خلقت ؟ قالت : تسكن إلي . قالت له الملائكة - ينظرون ما بلغ علمه : ما اسمها يا آدم ؟ قال : حواء . قالوا : ولم سميت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي . فقال الله له : " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما " [ ص: 514 ]

فهذا الخبر ينبئ أن حواء خلقت بعد أن سكن آدم الجنة ، فجعلت له سكنا .

وقال آخرون : بل خلقت قبل أن يسكن آدم الجنة .

ذكر من قال ذلك :

711 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما فرغ الله من معاتبة إبليس ، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها فقال : " يا آدم أنبئهم بأسمائهم " إلى قوله : " إنك أنت العليم الحكيم " قال : ثم ألقى السنة على آدم - فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة ، وغيرهم من أهل العلم ، عن عبد الله بن عباس وغيره - ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ، ولأم مكانه لحما ، وآدم نائم لم يهب من نومته ، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء ، فسواها امرأة ليسكن إليها . فلما كشف عنه السنة وهب من نومته ، رآها إلى جنبه ، فقال ، فيما يزعمون والله أعلم : لحمي ودمي وزوجتي ، فسكن إليها . فلما زوجه الله تبارك وتعالى ، وجعل له سكنا من نفسه ، قال له ، قبيلا " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "

قال أبو جعفر : ويقال لامرأة الرجل : زوجه وزوجته ، والزوجة بالهاء أكثر في كلام العرب منها بغير الهاء . والزوج بغير الهاء يقال إنه لغة لأزد شنوءة . فأما الزوج الذي لا اختلاف فيه بين العرب ، فهو زوج المرأة .
[ ص: 515 ] القول في تأويل قوله : ( وكلا منها رغدا حيث شئتما )

قال أبو جعفر : أما الرغد ، فإنه الواسع من العيش ، الهنيء الذي لا يعني صاحبه . يقال : أرغد فلان : إذا أصاب واسعا من العيش الهنيء ، كما قال امرؤ القيس بن حجر :


بينما المرء تراه ناعما يأمن الأحداث في عيش رغد


712 - وكما حدثني به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " وكلا منها رغدا " قال : الرغد ، الهنيء .

713 - وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " رغدا " قال : لا حساب عليهم .

714 - وحدثنا المثنى ، قال حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

715 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : " وكلا منها رغدا " أي لا حساب عليهم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]