
30-03-2022, 11:05 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(61)
الحلقة (76)
صــ 531إلى صــ535
752 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس ، قال : نهى الله آدم وحواء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنة ، ويأكلا منها رغدا حيث شاءا . فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية ، فكلم حواء ، ووسوس الشيطان إلى آدم فقال : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " [ ص: 531 ] قال : فقطعت حواء الشجرة فدميت الشجرة . وسقط عنهما رياشهما الذي كان عليهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، وناداهما ربهما : ( ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) [ سورة الأعراف : 22 ] . لم أكلتها وقد نهيتك عنها ؟ قال : يا رب أطعمتني حواء . قال لحواء : لم أطعمته ؟ قالت : أمرتني الحية . قال للحية : لم أمرتها ؟ قالت : أمرني إبليس . قال : ملعون مدحور! أما أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال ، وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين جريا على وجهك ، وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر ، اهبطوا بعضكم لبعض عدو .
قال أبو جعفر : وقد رويت هذه الأخبار - عمن رويناها عنه من الصحابة والتابعين وغيرهم - في صفة استزلال إبليس عدو الله آدم وزوجته حتى أخرجهما من الجنة .
وأولى ذلك بالحق عندنا ما كان لكتاب الله موافقا . وقد أخبر الله تعالى ذكره عن إبليس أنه وسوس لآدم وزوجته ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما ، وأنه قال لهما : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " وأنه " قاسمهما إني لكما لمن الناصحين " مدليا لهما بغرور . ففي إخباره جل ثناؤه - عن عدو الله أنه قاسم آدم وزوجته بقيله لهما : إني لكما لمن الناصحين - الدليل الواضح على أنه قد باشر خطابهما بنفسه ، إما ظاهرا لأعينهما ، وإما مستجنا في غيره . وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقال : قاسم فلان فلانا في كذا وكذا . إذا سبب له سببا وصل به إليه دون أن يحلف له . والحلف لا يكون بتسبب السبب . فكذلك قوله " فوسوس إليه الشيطان " لو كان ذلك كان منه إلى آدم - على نحو الذي منه إلى ذريته ، من تزيين أكل ما نهى الله آدم [ ص: 532 ] عن أكله من الشجرة ، بغير مباشرة خطابه إياه بما استزله به من القول والحيل - لما قال جل ثناؤه : " وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " كما غير جائز أن يقول اليوم قائل ممن أتى معصية : قاسمني إبليس أنه لي ناصح فيما زين لي من المعصية التي أتيتها . فكذلك الذي كان من آدم وزوجته ، لو كان على النحو الذي يكون فيما بين إبليس اليوم وذرية آدم - لما قال جل ثناؤه : " وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " ولكن ذلك كان - إن شاء الله - على نحو ما قال ابن عباس ومن قال بقوله .
فأما سبب وصوله إلى الجنة حتى كلم آدم بعد أن أخرجه الله منها وطرده عنها ، فليس فيما روي عن ابن عباس ووهب بن منبه في ذلك معنى يجوز لذي فهم مدافعته ، إذ كان ذلك قولا لا يدفعه عقل ولا خبر يلزم تصديقه من حجة بخلافه ، وهو من الأمور الممكنة . والقول في ذلك إنه وصل إلى خطابهما على ما أخبرنا الله جل ثناؤه ، وممكن أن يكون وصل إلى ذلك بنحو الذي قاله المتأولون ، بل ذلك - إن شاء الله - كذلك ، لتتابع أقوال أهل التأويل على تصحيح ذلك . وإن كان ابن إسحاق قد قال في ذلك ما :
753 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق في ذلك ، والله أعلم ، كما قال ابن عباس وأهل التوراة : إنه خلص إلى آدم وزوجته بسلطانه الذي جعل الله له ليبتلي به آدم وذريته ، وأنه يأتي ابن آدم في نومته وفي يقظته ، وفي كل حال من أحواله ، حتى يخلص إلى ما أراد منه ، حتى يدعوه إلى المعصية ، ويوقع في نفسه الشهوة وهو لا يراه . وقد قال الله عز وجل : " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " وقال : [ ص: 533 ] ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) [ سورة الأعراف : 27 ] وقد قال الله لنبيه عليه السلام : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) إلى آخر السورة . ثم ذكر الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . ثم قال ابن إسحاق : وإنما أمر ابن آدم فيما بينه وبين عدو الله ، كأمره فيما بينه وبين آدم . فقال الله : ( فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ) [ سورة الأعراف : 13 ] . ثم خلص إلى آدم وزوجته حتى كلمهما ، كما قص الله علينا من خبرهما ، فقال : ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) [ سورة طه : 120 ] ، فخلص إليهما بما خلص إلى ذريته من حيث لا يريانه - فالله أعلم أي ذلك كان - فتابا إلى ربهما .
قال أبو جعفر : وليس في يقين ابن إسحاق - لو كان قد أيقن في نفسه - أن إبليس لم يخلص إلى آدم وزوجته بالمخاطبة بما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به ، ما يجوز لذي فهم الاعتراض به على ما ورد من القول مستفيضا من أهل العلم ، مع دلالة الكتاب على صحة ما استفاض من ذلك بينهم . فكيف بشكه ؟ والله نسأل التوفيق .
[ ص: 534 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فأخرجهما مما كانا فيه )
قال أبو جعفر : وأما تأويل قوله " فأخرجهما " فإنه يعني : فأخرج الشيطان آدم وزوجته ، " مما كانا " يعني مما كان فيه آدم وزوجته من رغد العيش في الجنة ، وسعة نعيمها الذي كانا فيه . وقد بينا أن الله جل ثناؤه إنما أضاف إخراجهما من الجنة إلى الشيطان - وإن كان الله هو المخرج لهما - لأن خروجهما منها كان عن سبب من الشيطان ، فأضيف ذلك إليه لتسبيبه إياه كما يقول القائل لرجل وصل إليه منه أذى حتى تحول من أجله عن موضع كان يسكنه : " ما حولني من موضعي الذي كنت فيه إلا أنت " ولم يكن منه له تحويل ، ولكنه لما كان تحوله عن سبب منه ، جاز له إضافة تحويله إليه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو )
قال أبو جعفر : يقال هبط فلان أرض كذا ووادي كذا ، إذا حل ذلك كما قال الشاعر :
ما زلت أرمقهم ، حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا
[ ص: 535 ]
وقد أبان هذا القول من الله جل ثناؤه ، عن صحة ما قلنا من أن المخرج آدم من الجنة هو الله جل ثناؤه ، وأن إضافة الله إلى إبليس ما أضاف إليه من إخراجهما ، كان على ما وصفنا . ودل بذلك أيضا على أن هبوط آدم وزوجته وعدوهما إبليس ، كان في وقت واحد ، بجمع الله إياهم في الخبر عن إهباطهم ، بعد الذي كان من خطيئة آدم وزوجته ، وتسبب إبليس ذلك لهما ، على ما وصفه ربنا جل ذكره عنهم .
قال أبو جعفر : وقد اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : " اهبطوا " مع إجماعهم على أن آدم وزوجته ممن عني به .
754 - فحدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي عوانة ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وحواء وإبليس والحية .
755 - حدثنا ابن وكيع ، وموسى بن هارون ، قالا حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : فلعن الحية وقطع قوائمها وتركها تمشي على بطنها ، وجعل رزقها من التراب . وأهبط إلى الأرض آدم وحواء وإبليس والحية .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|