عرض مشاركة واحدة
  #111  
قديم 24-04-2022, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (111)

من صــ 60 الى صـ
ـ 68

فَإِنَّ الْعَبْدَ الَّذِي هَذَا حَالُهُ صَارَ مَحْبُوبًا لِلْحَقِّ مُحِبًّا لَهُ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ أَوَّلًا بِالْفَرَائِضِ وَهُوَ يحبها ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق؛ فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب ما يحبه محبوبه ويكره ما يكرهه محبوبه والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده؛ وهي المساءة التي تحصل له بالموت فصار الموت مرادا للحق من وجه مكروها له من وجه وهذا حقيقة التردد وهو: أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين كما ترجح إرادة الموت؛ لكن مع وجود كراهة مساءة عبده وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته.

ثم قال بعد كلام سبق ذكره: ومن هذا الباب ما يقع في الوجود من الكفر والفسوق والعصيان؛ فإن الله تعالى يبغض ذلك ويسخطه ويكرهه وينهى عنه وهو سبحانه قد قدره وقضاه وشاءه بإرادته الكونية وإن لم يرده بإرادة دينية هذا هو فصل الخطاب فيما تنازع فيه الناس: من أنه سبحانه هل يأمر بما لا يريده.

فالمشهور عند متكلمة أهل الإثبات ومن وافقهم من الفقهاء أنه يأمر بما لا يريده وقالت القدرية والمعتزلة وغيرهم: إنه لا يأمر إلا بما يريده. والتحقيق: أن الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة دينية شرعية وإرادة كونية قدرية: فالأول كقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقوله تعالى {ولكن يريد ليطهركم} وقوله تعالى {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم} إلى قوله: {والله يريد أن يتوب عليكم} فإن الإرادة هنا بمعنى المحبة والرضى وهي الإرادة الدينية. وإليه الإشارة بقوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
وأما الإرادة الكونية القدرية فمثل قوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} ومثل قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

فجميع الكائنات داخلة في هذه الإرادة والمشيئة لا يخرج عنها خير ولا شر ولا عرف ولا نكر وهذه الإرادة والمشيئة تتناول ما لا يتناوله الأمر الشرعي وأما الإرادة الدينية فهي مطابقة للأمر الشرعي لا يختلفان وهذا التقسيم الوارد في اسم الإرادة يرد مثله في اسم الأمر والكلمات؛ والحكم والقضاء والكتاب والبعث والإرسال ونحوه؛ فإن هذا كله ينقسم إلى كوني قدري وإلى ديني شرعي. والكلمات الكونية هي: التي لا يخرج عنها بر ولا فاجر وهي التي استعان بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر} قال الله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}.

وأما الدينية فهي: الكتب المنزلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} وقال تعالى: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه}. وكذلك الأمر الديني كقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} والكونية: {إنما أمره إذا أراد شيئا}. والبعث الديني كقوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} والبعث الكوني: {بعثنا عليكم عبادا لنا} والإرسال الديني كقوله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق}. والكوني: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا}.
وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. فما يقع في الوجود من المنكرات هي مرادة لله إرادة كونية داخلة في كلماته التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وهو سبحانه مع ذلك لم يردها إرادة دينية ولا هي موافقة لكلماته الدينية ولا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء فصارت له من وجه مكروهة. ولكن هذه ليست بمنزلة قبض المؤمن فإن ذلك يكرهه؛ والكراهة مساءة المؤمن وهو يريده لما سبق في قضائه له بالموت فلا بد منه وإرادته لعبده المؤمن خير له ورحمة به؛ فإنه قد ثبت في الصحيح: {أن الله تعالى لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له}.
وأما المنكرات فإنه يبغضها ويكرهها؛ فليس لها عاقبة محمودة من هذه الجهة إلا أن يتوبوا منها فيرحموا بالتوبة وإن كانت التوبة لا بد أن تكون مسبوقة بمعصية؛ ولهذا يجاب عن قضاء المعاصي على المؤمن بجوابين: أحدهما: أن هذا الحديث لم يتناولها وإنما تناول المصائب.
والثاني: أنه إذا تاب منها كان ما تعقبه التوبة خيرا فإن التوبة حسنة وهي من أحب الحسنات إلى الله والله يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه أشد ما يمكن أن يكون من الفرح وأما المعاصي التي لا يتابا منها فهي شر. على صاحبها والله سبحانه قدر كل شيء وقضاه؛ لما له في ذلك من الحكمة كما قال: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} وقال تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه} فما من مخلوق إلا ولله فيه حكمة. ولكن هذا بحر واسع قد بسطناه في مواضع والمقصود هنا: التنبيه على أن الشيء. المعين يكون محبوبا من وجه مكروها من وجه وأن هذا حقيقة التردد وكما أن هذا في الأفعال فهو في الأشخاص. والله أعلم.

(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ... (217)

وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
قوله تعالى {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} من باب بدل الاشتمال والسؤال إنما وقع عن القتال فيه فلم قدم الشهر وقد قلتم: إنهم يقدمون ما بيانه أهم وهم به أعنى؟. قيل: السؤال لم يقع منهم إلا بعد وقوع القتال في الشهر وتشنيع أعدائهم عليهم انتهاكه وانتهاك حرمته وكان اهتمامهم بالشهر فوق اهتمامهم بالقتال فالسؤال إنما وقع من أجل حرمة الشهر فلذلك قدم في الذكر وكان تقديمه مطابقا لما ذكرنا من القاعدة.
فإن قيل: فما الفائدة في إعادة ذكر القتال بلفظ الظاهر وهلا اكتفى بضميره فقال: هو كبير؟ وأنت إذا قلت: سألته عن زيد هو في الدار كان أوجز من أن تقول أزيد في الدار؟. قيل: في إعادته بلفظ الظاهر بلاغة بديعة وهو تعليق الحكم الخبري باسم القتال فيه عموما ولو أتى بالمضمر فقال: هو كبير لتوهم اختصاص الحكم بذلك القتال المسئول عنه وليس الأمر كذلك؛وإنما هو عام في كل قتال وقع في شهر حرام.
ونظير هذه الفائدة {قوله صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن الوضوء بماء البحر فقال -: هو الطهور ماؤه} فأعاد لفظ الماء ولم يقتصر على قوله: " نعم توضئوا به " لئلا يتوهم اختصاص الحكم بالسائلين لضرب من ضروب الاختصاص فعدل عن قوله: " نعم توضئوا " إلى جواب عام يقتضي تعليق الحكم والطهورية بنفس مائه من حيث هو فأفاد استمرار الحكم على الدوام وتعلقه بعموم الأمة وبطل توهم قصره على السبب فتأمله فإنه بديع.
فكذلك في الآية لما قال: {قتال فيه كبير} فجعل الخبر بـ (كبير واقعا عن {قتال فيه} فيتعلق الحكم به على العموم؛ ولفظ " المضمر " لا يقتضي ذلك. وقريب من هذا قوله تعالى {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين} ولم يقل أجرهم تعليقا لهذا الحكم بالوصف وهو كونهم مصلحين وليس في الضمير ما يدل على الوصف المذكور.
وقريب منه وهو ألطف معنى قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} ولم يقل فيه تعليقا بحكم الاعتزال بنفس الحيض وإنه هو سبب الاعتزال وقال:

{قل هو أذى} ولم يقل: (المحيض أذى لأنه جاء به على الأصل؛ ولأنه لو كرره لثقل اللفظ به لتكرره ثلاث مرات وكان ذكره بلفظ الظاهر في الأمر بالاعتزال أحسن من ذكره مضمرا ليفيد تعليق الحكم بكونه حيضا بخلاف قوله: {قل هو أذى} فإنه إخبار بالواقع والمخاطبون يعلمون أن جهة كونه أذى هو نفس كونه حيضا بخلاف تعليق الحكم به فإنه إنما يعلم بالشرع فتأمله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]