عرض مشاركة واحدة
  #112  
قديم 24-04-2022, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (112)

من صــ 69 الى صـ
ـ 76



(فصل)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

وتمام " الورع " أن يعم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات. ويرى ذلك من الورع كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعا ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور ويرى ذلك من الورع ويمتنع عن قبول شهادة الصادق وأخذ علم العالم لما في صاحبه من بدعة خفية ويرى ترك قبول سماع هذا الحق الذي يجب سماعه من الورع.
وكذلك " الزهد والرغبة " من لم يراع ما يحبه الله ورسوله من الرغبة والزهد وما يكرهه من ذلك؛ وإلا فقد يدع واجبات ويفعل محرمات مثل من يدع ما يحتاج إليه من الأكل أو أكل الدسم حتى يفسد عقله أو تضعف قوته عما يجب عليه من حقوق الله تعالى أو حقوق عباده أو يدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله لما في فعل ذلك من أذى بعض الناس والانتقام منهم حتى يستولي الكفار والفجار على الصالحين الأبرار فلا ينظر المصلحة الراجحة في ذلك.

وقد قال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل}. يقول سبحانه وتعالى: وإن كان قتل النفوس فيه شر فالفتنة الحاصلة بالكفر، وظهور أهله أعظم من ذلك فيدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما.

وكذلك الذي يدع ذبح الحيوان أو يرى أن في ذبحه ظلما له هو جاهل فإن هذا الحيوان لا بد أن يموت فإذا قتل لمنفعة الآدميين وحاجتهم كان خيرا من أن يموت موتا لا ينتفع به أحد والآدمي أكمل منه ولا تتم مصلحته إلا باستعمال الحيوان في الأكل والركوب ونحو ذلك؛ لكن ما لا يحتاج إليه من تعذيبه نهى الله عنه كصبر البهائم وذبحها في غير الحلق واللبة مع القدرة على ذلك وأوجب الله الإحسان بحسب الإمكان فيما أباحه من القتل والذبح. كما في صحيح مسلم عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " {إن الله كتب الإحسان على كل شيء: فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته} ".

(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (219)

و " المنافع " التي كانت قيل هي المال. وقيل: هي اللذة. ومعلوم أن الخمر كان فيها كلا هذين؛ فإنهم كانوا ينتفعون بثمنها والتجارة فيها كما كانوا ينتفعون باللذة التي في شربها؛ ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما حرم الخمر {لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وشاربها وآكل ثمنها}. وكذلك " الميسر " كانت النفوس تنتفع بما تحصله به من المال وما يحصل به من لذة اللعب. ثم قال تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما} لأن الخسارة في المقامرة أكثر والألم والمضرة في الملاعبة أكثر.
وسئل - رحمه الله تعالى -:
عن " الخمر والميسر " هل فيهما إثم كبير ومنافع للناس؟ وما هي المنافع؟
فأجاب:

هذه الآية أول ما نزلت في الخمر؛ فإنهم سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية؛ ولم يحرمها فأخبرهم أن فيها " إثما " وهو ما يحصل بها من ترك المأمور وفعل المحظور وفيها " منفعة " وهو ما يحصل من اللذة ومنفعة البدن والتجارة فيها فكان من الناس من لم يشربها ومنهم من شرب؛ ثم بعد هذا شرب قوم الخمر فقاموا يصلون وهم سكارى؛ فخلطوا في القراءة؛ فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فنهاهم عن شربها قرب الصلاة؛ فكان منهم من تركها. ثم بعد ذلك أنزل الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}. " فحرمها الله في هذه الآية من وجوه متعددة؛ فقالوا: انتهينا. انتهينا. ومضى حينئذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقتها؛ فكسرت الدنان والظروف؛ ولعن عاصرها؛ ومعتصرها؛ وشاربها؛ وآكل ثمنها.
(فصل: رفع القلم لا يوجب حمدا ولا مدحا ولا ثوابا)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

ومعلوم أن الصلاة " أفضل العبادات " كما في الصحيحين عن {ابن مسعود أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد. قال حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني}. وثبت أيضا في الصحيحين {عنه أنه جعل أفضل الأعمال إيمان بالله وجهاد في سبيله ثم الحج المبرور}.
ولا منافاة بينهما؛ فإن الصلاة داخلة في مسمى الإيمان بالله كما دخلت في قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال البراء بن عازب وغيره من السلف: أي صلاتكم إلى بيت المقدس. ولهذا كانت الصلاة كالإيمان لا تدخلها النيابة بحال فلا يصلي أحد عن أحد الفرض لا لعذر ولا لغير عذر كما لا يؤمن أحد عنه ولا تسقط بحال كما لا يسقط الإيمان؛ بل عليه الصلاة ما دام عقله حاضرا وهو متمكن من فعل بعض أفعالها فإذا عجز عن جميع الأفعال ولم يقدر على الأقوال فهل يصلي بتحريك طرفه ويستحضر الأفعال بقلبه؟ فيه قولان للعلماء وإن كان الأظهر أن هذا غير مشروع. فإذا كان كذلك تبين أن من زال عقله فقد حرم ما يتقرب به إلى الله من فرض ونفل و " الولاية " هي الإيمان والتقوى المتضمنة للتقرب بالفرائض والنوافل فقد حرم ما به يتقرب أولياء الله إليه؛ لكنه مع جنونه قد رفع القلم عنه فلا يعاقب كما لا يعاقب الأطفال والبهائم؛ إذ لا تكليف عليهم في هذه الحال.
ثم إن كان مؤمنا قبل حدوث الجنون به وله أعمال صالحة وكان يتقرب إلى الله بالفرائض والنوافل قبل زوال عقله كان له من ثواب ذلك الإيمان والعمل الصالح ما تقدم وكان له من ولاية الله تعالى بحسب ما كان عليه من الإيمان والتقوى كما لا يسقط ذلك بالموت؛ بخلاف ما لو ارتد عن الإسلام؛ فإن الردة تحبط الأعمال وليس من السيئات ما يحبط الأعمال الصالحة إلا الردة. كما أنه ليس من الحسنات ما يحبط جميع السيئات إلا التوبة فلا يكتب للمجنون حال جنونه مثل ما كان يعمل في حال إفاقته كما لا يكون مثل ذلك لسيئاته في زوال عقله بالأعمال المسكرة والنوم؛ لأنه في هذه الحال ليس له قصد صحيح ولكن في الحديث الصحيح عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم}.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {أنه قال في غزوة تبوك إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا: وهم بالمدينة قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر} فهؤلاء كانوا قاصدين للعمل الذي كانوا يعملونه راغبين فيه لكن عجزوا فصاروا بمنزلة العامل؛ بخلاف من زال عقله فإنه ليس له قصد صحيح ولا عبادة أصلا بخلاف أولئك فإن لهم قصدا صحيحا يكتب لهم به الثواب.
وأما إن كان قبل جنونه كافرا أو فاسقا أو مذنبا لم يكن حدوث الجنون به مزيلا لما ثبت من كفره وفسقه ولهذا كان من جن من اليهود والنصارى بعد تهوده وتنصره محشورا معهم وكذلك من جن من المسلمين بعد إيمانه وتقواه محشورا مع المؤمنين من المتقين. وزوال العقل بجنون أو غيره سواء سمي صاحبه مولها أو متولها لا يوجب مزيد حال صاحبه من الإيمان والتقوى ولا يكون زوال عقله سببا لمزيد خيره ولا صلاحه ولا ذنبه؛ ولكن الجنون يوجب زوال العقل فيبقى على ما كان عليه من خير وشر لا أنه يزيده ولا ينقصه لكن جنونه يحرمه الزيادة من الخير كما أنه يمنع عقوبته على الشر.
وأما إن كان زوال عقله بسبب محرم: كشرب الخمر وأكل الحشيشة أو كان يحضر السماع الملحن فيستمع حتى يغيب عقله أو الذي يتعبد بعبادات بدعية حتى يقترن به بعض الشياطين فيغيروا عقله أو يأكل بنجا يزيل عقله فهؤلاء يستحقون الذم والعقاب على ما أزالوا به العقول. وكثير من هؤلاء يستجلب الحال الشيطاني بأن يفعل ما يحبه فيرقص رقصا عظيما حتى يغيب عقله أو يغط ويخور حتى يجيئه الحال الشيطاني وكثير من هؤلاء يقصد التوله حتى يصير مولها. فهؤلاء كلهم من حزب الشيطان وهذا معروف عن غير واحد منهم. واختلف العلماء هل هم " مكلفون " في حال زوال عقلهم؟ والأصل " مسألة السكران " والمنصوص عن الشافعي وأحمد وغيرهما أنه مكلف حال زوال عقله. وقال كثير من العلماء ليس مكلفا وهو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وإحدى الروايتين عن أحمد أن طلاق السكران لا يقع وهذا أظهر القولين. ولم يقل أحد من العلماء أن هؤلاء الذين زال عقلهم بمثل هذا يكونون من أولياء الله الموحدين المقربين وحزبه المفلحين. ومن ذكره العلماء من عقلاء المجانين الذين ذكروهم بخير فهم من القسم الأول الذين كان فيهم خير ثم زالت عقولهم.

ومن " علامة هؤلاء " أنهم إذا حصل لهم في جنونهم نوع من الصحو تكلموا بما كان في قلوبهم من الإيمان لا بالكفر والبهتان بخلاف غيرهم ممن يتكلم إذا حصل له نوع إفاقة بالكفر والشرك ويهذي في زوال عقله بالكفر فهذا إنما يكون كافرا لا مسلما، ومن كان يهذي بكلام لا يعقل بالفارسية أو التركية أو البربرية وغير ذلك مما يحصل لبعض من يحضر السماع ويحصل له وجد يغيب عقله حتى يهذي بكلام لا يعقل - أو بغير العربية - فهؤلاء إنما يتكلم على ألسنتهم الشيطان كما يتكلم على لسان المصروع.

ومن قال: إن هؤلاء أعطاهم الله عقولا وأحوالا فأبقى أحوالهم وأذهب عقولهم وأسقط ما فرض عليهم بما سلب. قيل: قولك وهب الله لهم أحوالا كلام مجمل؛ فإن الأحوال تنقسم إلى: حال رحماني وحال شيطاني وما يكون لهؤلاء من خرق عادة بمكاشفة وتصرف عجيب " فتارة " يكون من جنس ما يكون للسحرة والكهان و " تارة " يكون من الرحمن من جنس ما يكون من أهل التقوى والإيمان؛ فإن كان هؤلاء في حال عقولهم كانت لهم مواهب إيمانية وكانوا من المؤمنين المتقين فلا ريب أنه إذا زالت عقولهم سقطت عنهم الفرائض بما سلب من العقول وإن كان ما أعطوه من الأحوال الشيطانية - كما يعطاه المشركون وأهل الكتاب والمنافقون - فهؤلاء إذا زالت عقولهم لم يخرجوا بذلك مما كانوا عليه من الكفر والفسوق كما لم يخرج الأولون عما كانوا عليه من الإيمان والتقوى كما أن نوم كل واحد من الطائفتين وموته وإغماءه لا يزيل حكم ما تقدم قبل زوال عقله من إيمانه وطاعته أو كفره وفسقه بزوال العقل، غايته أن يسقط التكليف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]