عرض مشاركة واحدة
  #113  
قديم 24-04-2022, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,652
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (113)

من صــ 77 الى صـ
ـ 84




ورفع القلم لا يوجب حمدا ولا مدحا ولا ثوابا ولا يحصل لصاحبه بسبب زوال عقله موهبة من مواهب أولياء الله ولا كرامة من كرامات الصالحين بل قد رفع القلم عنه كما قد يرفع القلم عن النائم والمغمى عليه والميت ولا مدح في ذلك ولا ذم بل النائم أحسن حالا من هؤلاء؛ ولهذا كان الأنبياء عليهم السلام ينامون وليس فيهم مجنون ولا موله والنبي صلى الله عليه وسلم يجوز عليه النوم والإغماء ولا يجوز عليه الجنون وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه وقد أغمي عليه في مرضه.
وأما " الجنون " فقد نزه الله أنبياءه عنه؛ فإنه من أعظم نقائص الإنسان؛ إذ كمال الإنسان بالعقل ولهذا حرم الله إزالة العقل بكل طريق وحرم ما يكون ذريعة إلى إزالة العقل كشرب الخمر؛ فحرم القطرة منها وإن لم تزل العقل؛ لأنها ذريعة إلى شرب الكثير الذي يزيل العقل فكيف يكون مع هذا زوال العقل سببا أو شرطا أو مقربا إلى ولاية الله كما يظنه كثير من أهل الضلال حتى قال قائلهم في هؤلاء:
هم معشر حلوا النظام وخرقوا ... السياج فلا فرض لديهم ولا نفل
مجانين إلا أن سر جنونهم ... عزيز على أبوابه يسجد العقل

فهذا كلام ضال؛ بل كافر يظن أن للمجنون سرا يسجد العقل على بابه؛ وذلك لما رآه من بعض المجانين من نوع مكاشفة أو تصرف عجيب خارق للعادة. ويكون ذلك بسبب ما اقترن به من الشياطين كما يكون للسحرة والكهان فيظن هذا الضال أن كل من كاشف أو خرق عادة كان وليا لله. ومن اعتقد هذا فهو كافر بإجماع المسلمين واليهود والنصارى؛ فإن كثيرا من الكفار والمشركين فضلا عن أهل الكتاب يكون لهم من المكاشفات وخرق العادات بسبب شياطينهم أضعاف ما لهؤلاء؛ لأنه كلما كان الرجل أضل وأكفر كان الشيطان إليه أقرب؛ لكن لا بد في جميع مكاشفة هؤلاء من الكذب والبهتان.

ولا بد في أعمالهم من فجور وطغيان كما يكون لإخوانهم من السحرة والكهان قال الله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} {تنزل على كل أفاك أثيم} فكل من تنزلت عليه الشياطين لا بد أن يكون فيه كذب وفجور من أي قسم كان.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أولياء الله هم الذين يتقربون إليه بالفرائض وحزبه المفلحون وجنده الغالبون وعباده الصالحون. فمن اعتقد فيمن لا يفعل الفرائض ولا النوافل أنه من أولياء الله المتقين إما لعدم عقله أو جهله أو لغير ذلك فمن اعتقد في مثل هؤلاء أنه من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين فهو كافر مرتد عن دين رب العالمين وإذا قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله كان من الكاذبين الذين قيل فيهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} {اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون} {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر طبع الله على قلبه} فإذا كان طبع على قلب من ترك الجمع وإن صلى الظهر فكيف بمن لا يصلي ظهرا ولا جمعة ولا فريضة ولا نافلة ولا يتطهر للصلاة لا الطهارة الكبرى ولا الصغرى فهذا لو كان قبل مؤمنا وكان قد طبع على قلبه كان كافرا مرتدا بما تركه ولم يعتقد وجوبه من هذه الفرائض وإن اعتقد أنه مؤمن كان كافرا مرتدا فكيف يعتقد أنه من أولياء الله المتقين. وقد قال تعالى في صفة المنافقين: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله} أي: استولى يقال: حاذ الإبل حوذا إذا استاقها فالذين استحوذ عليهم الشيطان فساقهم إلى خلاف ما أمر الله به ورسوله قال تعالى: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا} أي تزعجهم إزعاجا فهؤلاء {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون}.
وفي السنن عن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان}.
فأي ثلاثة كانوا من هؤلاء لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة كانوا من حزب الشيطان الذين استحوذ عليهم لا من أولياء الرحمن الذين أكرمهم؛ فإن كانوا عبادا زهادا ولهم جوع وسهر وصمت وخلوة كرهبان الديارات والمقيمين في الكهوف والمغارات كأهل جبل لبنان وأهل جبل الفتح الذي باسون وجبل ليسون ومغارة الدم بجبل قاسيون وغير ذلك من الجبال والبقاع التي يقصدها كثير من العباد الجهال الضلال ويفعلون فيها خلوات ورياضات من غير أن يؤذن وتقام فيهم الصلوات الخمس بل يتعبدون بعبادات لم يشرعها الله ورسوله بل يعبدونه بأذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لأحوالهم بالكتاب والسنة ولا قصد المتابعة لرسول الله الذي قال الله فيه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} الآية فهؤلاء أهل البدع والضلالات من حزب الشيطان لا من أولياء الرحمن فمن شهد لهم بولاية الله فهو شاهد زور كاذب وعن طريق الصواب ناكب. ثم إن كان قد عرف أن هؤلاء مخالفون للرسول وشهد مع ذلك أنهم من أولياء الله فهو مرتد عن دين الإسلام وإما مكذب للرسول وإما شاك فيما جاء به مرتاب وإما غير منقاد له بل مخالف له إما جحودا أو عنادا أو اتباعا لهواه، وكل من هؤلاء كافر.
وأما إن كان جاهلا بما جاء به الرسول وهو معتقد مع ذلك أنه رسول الله إلى كل أحد في الأمور الباطنة والظاهرة وأنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم لكن ظن أن هذه العبادات البدعية والحقائق الشيطانية هي مما جاء بها الرسول ولم يعلم أنها من الشيطان لجهله بسنته وشريعته ومنهاجه وطريقته وحقيقته؛ لا لقصد مخالفته ولا يرجو الهدى في غير متابعته فهذا يبين له الصواب ويعرف ما به من السنة والكتاب فإن تاب وأناب وإلا ألحق بالقسم الذي قبله وكان كافرا مرتدا ولا تنجيه عبادته ولا زهادته من عذاب الله كما لم ينج من ذلك الرهبان وعباد الصلبان وعباد النيران وعباد الأوثان مع كثرة من فيهم ممن له خوارق شيطانية ومكاشفات شيطانية قال تعالى:

{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. قال سعد بن أبي وقاص وغيره من السلف نزلت في أصحاب الصوامع والديارات. وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أنهم كانوا يتأولونها في الحرورية ونحوهم من أهل البدع والضلالات. وقال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} {تنزل على كل أفاك أثيم} فالأفاك هو الكذاب والأثيم الفاجر كما قال: {لنسفعن بالناصية} {ناصية كاذبة خاطئة}.

ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذبا وإن كان لا يتعمد الكذب كما ثبت في الصحيحين {عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له سبيعة الأسلمية وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة في حجة الوداع فكانت حاملا فوضعت بعد موت زوجها بليال قلائل فقال لها أبو السنابل بن بعكك: ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل بل حللت فانكحي} وكذلك لما قال سلمة بن الأكوع إنهم يقولون: إن عامرا قتل نفسه وحبط عمله فقال: " كذب من قالها؛ إنه لجاهد مجاهد " وكان قائل ذلك لم يتعمد الكذب فإنه كان رجلا صالحا وقد روي أنه كان أسيد بن الحضير؛ لكنه لما تكلم بلا علم كذبه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال أبو بكر وابن مسعود وغيرهما من الصحابة فيما يفتون فيه باجتهادهم: إن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فهو مني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. فإذا كان خطأ المجتهد المغفور له هو من الشيطان فكيف بمن تكلم بلا اجتهاد يبيح له الكلام في الدين؟ فهذا خطؤه أيضا من الشيطان مع أنه يعاقب عليه إذا لم يتب والمجتهد خطؤه من الشيطان وهو مغفور له؛ كما أن الاحتلام والنسيان وغير ذلك من الشيطان وهو مغفور بخلاف من تكلم بلا اجتهاد يبيح له ذلك فهذا كاذب آثم في ذلك وإن كانت له حسنات في غير ذلك فإن الشيطان ينزل على كل إنسان ويوحي إليه بحسب موافقته له ويطرد بحسب إخلاصه لله وطاعته له قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}.
وعباده هم الذين عبدوه بما أمرت به رسله من أداء الواجبات والمستحبات وأما من عبده بغير ذلك فإنه من عباد الشيطان؛ لا من عباد الرحمن. قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} {وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}.
(ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (219)
(فصل: نفقة الإنسان على نفسه وأهله مقدمة على غيرها)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

نفقة الإنسان على نفسه وأهله مقدمة على غيرها. ففي السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {تصدقوا. فقال رجل يا رسول الله عندي دينار. فقال تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على زوجتك. قال: عندي آخر. قال تصدق به على ولدك. قال: عندي آخر. قال تصدق به على خادمك. قال عندي آخر.
قال: أنت أبصر به}. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم {دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك. أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك}. وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف؛ وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من اليد السفلى}.

وهذا تأويل قوله تعالى {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} أي الفضل. وذلك لأن نفقة الرجل على نفسه وأهله فرض عين؛ بخلاف النفقة في الغزو والمساكين؛ فإنه في الأصل إما فرض على الكفاية وإما مستحب؛ وإن كان قد يصير متعينا إذا لم يقم غيره به؛ فإن إطعام الجائع واجب؛ ولهذا جاء في الحديث: {لو صدق السائل لما أفلح من رده} ذكره الإمام أحمد وذكر أنه إذا علم صدقه وجب إطعامه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]