عرض مشاركة واحدة
  #118  
قديم 24-04-2022, 05:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,677
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (118)

من صــ 117 الى صـ
ـ 124






(الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (229)
(فصل في أن البينونة نوعان)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

و " جماع الأمر " أن البينونة نوعان: " البينونة الكبرى " وهي إيقاع البينونة الحاصلة بإيقاع الطلاق الثلاث الذي تحرم به المرأة حتى تنكح زوجا غيره.
و " البينونة الصغرى " وهي: التي تبين بها المرأة وله أن يتزوجها بعقد جديد في العدة وبعدها. فالخلع تحصل به البينونة الصغرى دون الكبرى. والبينونة الكبرى الحاصلة بالثلاث تحصل إذا أوقع الثلاث على الوجه المباح المشروع وهو أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه؛ أو يطلقها واحدة وقد تبين حملها ويدعها حتى تنقضي العدة؛ ثم يتزوجها بعقد جديد. وله أن يراجعها في العدة.
وإذا تزوجها أو ارتجعها فله أن يطلقها الثانية على الوجه المشروع. فإذا طلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو كلمات قبل رجعة أو عقد فهو محرم عند الجمهور؛ وهو مذهب مالك وأبي حنيفة في المشهور عنه؛ بل وكذلك إذا طلقها الثلاث في أطهار قبل رجعة أو عقد؛ في مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه. ولو أوقع الثلاث إيقاعا محرما: فهل يقع الثلاث؟ أو واحدة؟ على قولين معروفين للسلف والخلف؛ كما قد بسط في موضعه.
فإذا قيل: إنه لا يقع لم يملك البينونة الكبرى بكلمة واحدة وإذا لم يملكها لم يجز أن تبذل له العوض فيما لا يملكه فإذا بذلت له العوض على الطلاق الثلاث المحرمة بذلت له العوض فيما يحرم عليه فعله ولا يملكه فإذا أوقعه لم يقع منه إلا المباح والمباح بالعوض إنما هو بالبينونة الصغرى دون الكبرى؛ بل لو طلقها ثنتين وبذلت له العوض على الفرقة بلفظ الطلاق أو غير الطلاق لم تقع الطلقة الثالثة على قولنا: إن الفرقة بعوض فسخ تحصل به البينونة الصغرى؛ فإذا فارقها بلفظ الطلاق أو غيره في هذه الصورة وقعت به " البينونة الصغرى "وهو الفسخ دون الكبرى.
وجاز له أن يتزوج المرأة بعقد جديد؛ لكن إن صرحت ببذل العوض في الطلقة الثالثة المحرمة وكان مقصودها أن تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره: فقد بذلت العوض في غير البينونة الصغرى وهو يشبه ما إذا بذلت العوض في الخلع بشرط الرجعة. فإن اشتراطه الرجعة في الخلع يشبه اشتراطها الطلاق المحرم لها فيه وهو في هذه الحال يملك الطلقة الثالثة المحرمة لها كما كان يملك قبل ذلك الطلاق الرجعي. والله سبحانه أعلم.

(فصل في أن الطلاق الثلاث حرمت به المرأة عقوبة للرجل حتى لا يطلق)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

قال طائفة من العلماء: إن الطلاق الثلاث حرمت به المرأة عقوبة للرجل حتى لا يطلق؛ فإن الله يبغض الطلاق؛ وإنما يأمر به الشياطين والسحرة كما قال تعالى في السحر: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الشيطان ينصب عرشه على البحر؛ ويبعث جنوده فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة؛ فيأتي أحدهم فيقول ما زلت به حتى شرب الخمر.

فيقول الساعة يتوب ويأتي الآخر فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته. فيقبله بين عينيه. ويقول: أنت أنت}. وقد روى أهل التفسير والحديث والفقه: أنهم كانوا في أول الإسلام يطلقون بغير عدد؛ يطلق الرجل المرأة ثم يدعها حتى إذا شارفت انقضاء العدة راجعها ثم طلقها ضرارا فقصرهم الله على الطلقات الثلاث؛ لأن الثلاث أول حد الكثرة وآخر حد القلة.

ولولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه كما دلت عليه الآثار والأصول؛ ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانا. وحرمه في مواضع باتفاق العلماء. كما إذا طلقها في الحيض ولم تكن سألته الطلاق؛ فإن هذا الطلاق حرام باتفاق العلماء. والله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بأفضل الشرائع وهي الحنيفية السمحة كما قال: {أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة} فأباح لعباده المؤمنين الوطء بالنكاح. والوطء بملك اليمين. واليهود والنصارى لا يطئون إلا بالنكاح؛ لا يطئون بملك اليمين.
و " أصل ابتداء الرق " إنما يقع من السبي. والغنائم لم تحل إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح أنه قال: {فضلنا على الأنبياء بخمس: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة
وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلنا وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة وأعطيت الشفاعة} فأباح سبحانه للمؤمنين أن ينكحوا وأن يطلقوا وأن يتزوجوا المرأة المطلقة بعد أن تتزوج بغير زوجها. " والنصارى " يحرمون النكاح على بعضهم ومن أباحوا له النكاح لم يبيحوا له الطلاق.
" واليهود " يبيحون الطلاق؛ لكن إذا تزوجت المطلقة بغير زوجها حرمت عليه عندهم. والنصارى لا طلاق عندهم. واليهود لا مراجعة بعد أن تتزوج غيره عندهم.
والله تعالى أباح للمؤمنين هذا وهذا. ولو أبيح الطلاق بغير عدد - كما كان في أول الأمر - لكان الناس يطلقون دائما: إذا لم يكن أمر يزجرهم عن الطلاق؛ وفي ذلك من الضرر والفساد ما أوجب حرمة ذلك ولم يكن فساد الطلاق لمجرد حق المرأة فقط: كالطلاق في الحيض حتى يباح دائما بسؤالها؛ بل نفس الطلاق إذا لم تدع إليه حاجة منهي عنه باتفاق العلماء: إما نهي تحريم أو نهي تنزيه.
وما كان مباحا للحاجة قدر بقدر الحاجة. والثلاث هي مقدار ما أبيح للحاجة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} وكما قال: {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا} وكما رخص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا.
وهذه الأحاديث في الصحيح. وهذا مما احتج به من لا يرى وقوع الطلاق إلا من القصد؛ ولا يرى وقوع طلاق المكره؛ كما لا يكفر من تكلم بالكفر مكرها بالنص والإجماع؛ ولو تكلم بالكفر مستهزئا بآيات الله وبالله ورسوله كفر؛ كذلك من تكلم بالطلاق هازلا وقع به. ولو حلف بالكفر فقال: إن فعل كذا فهو بريء من الله ورسوله؛ أو فهو يهودي أو نصراني. لم يكفر بفعل المحلوف عليه؛ وإن كان هذا حكما معلقا بشرط في اللفظ؛ لأن مقصوده الحلف به بغضا له ونفورا عنه؛ لا إرادة له؛ بخلاف من قال: إن أعطيتموني ألفا كفرت فإن هذا يكفر. وهكذا يقول من يفرق بين الحلف بالطلاق وتعليقه بشرط لا يقصد كونه وبين الطلاق المقصود عند وقوع الشرط.
ولهذا ذهب كثير من السلف والخلف إلى أن الخلع فسخ للنكاح؛ وليس هو من الطلقات الثلاث كقول ابن عباس والشافعي وأحمد في أحد قوليهما لأن المرأة افتدت نفسها من الزوج كافتداء الأسير؛ وليس هو من الطلاق المكروه في الأصل ولهذا يباح في الحيض؛ بخلاف الطلاق.

وأما إذا عدل هو عن الخلع وطلقها إحدى الثلات بعوض فالتفريط منه. وذهب طائفة من السلف: كعثمان بن عفان وغيره؛ ورووا في ذلك حديثا مرفوعا. وبعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد جعلوه مع الأجنبي فسخا. كالإقالة. والصواب أنه مع الأجنبي كما هو مع المرأة؛ فإنه إذا كان افتداء المرأة كما يفدى الأسير فقد يفتدي الأسير بمال منه ومال من غيره وكذلك العبد يعتق بمال يبذله هو وما يبذله الأجنبي وكذلك الصلح يصح مع المدعى عليه ومع أجنبي فإن هذا جميعه من باب الإسقاط والإزالة.

وإذ كان الخلع رفعا للنكاح؛ وليس هو من الطلاق الثلاث: فلا فرق بين أن يكون المال المبذول من المرأة أو من أجنبي. وتشبيه فسخ النكاح بفسخ البيع: فيه نظر؛ فإن البيع لا يزول إلا برضى المتابعين؛ لا يستقل أحدهما بإزالته؛ بخلاف النكاح؛ فإن المرأة ليس إليها إزالته؛ بل الزوج يستقل بذلك؛ لكن افتداؤها نفسها منه كافتداء الأجنبي لها.
ومسائل الطلاق وما فيها من الإجماع والنزاع مبسوط في غير هذا الموضوع. والمقصود هنا إذا وقع به الثلاث حرمت عليه المرأة بإجماع المسلمين كما دل عليه الكتاب والسنة ولا يباح إلا بنكاح ثان وبوطئه لها عند عامة السلف والخلف؛ فإن النكاح المأمور به يؤمر فيه بالعقد. وبالوطء بخلاف المنهي عنه؛ فإنه ينهى فيه عن كل من العقد والوطء؛ ولهذا كان النكاح الواجب والمستحب يؤمر فيه بالوطء من العقد " والنكاح المحرم " يحرم فيه مجرد العقد.
(فصل في الخلع)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

والمرأة إذا أبغضت الرجل كان لها أن تفتدي نفسها منه كما قال تعالى {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} وهذا الخلع تبين به المرأة فلا يحل له أن يتزوجها بعده إلا برضاها وليس هو كالطلاق المجرد؛ فإن ذلك يقع رجعيا له أن يرتجعها في العدة بدون رضاها؛ لكن تنازع العلماء في هذا الخلع: هل يقع به طلقة بائنة محسوبة من الثلاث؟ أو تقع به فرقة بائنة وليس من الطلاق الثلاث بل هو فسخ؟ على قولين مشهورين.
و " الأول " مذهب أبي حنيفة ومالك وكثير من السلف ونقل عن طائفة من الصحابة؛ لكن لم يثبت عن واحد منهم بل ضعف أحمد بن حنبل وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم جميع ما روي في ذلك عن الصحابة.
و " الثاني " أنه فرقة بائنة وليس من الثلاث وهذا ثابت عن ابن عباس باتفاق أهل المعرفة بالحديث وهو قول أصحابه: كطاوس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل وغيره من فقهاء الحديث وإسحاق بن راهويه؛ وأبي ثور وداود وابن المنذر وابن خزيمة وغيرهم. واستدل ابن عباس على ذلك بأن الله تعالى ذكر الخلع بعد طلقتين ثم قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فلو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا. ثم أصحاب هذا القول تنازعوا: هل يشترط أن يكون الخلع بغير لفظ الطلاق؟ أو لا يكون إلا بلفظ الخلع والفسخ والمفاداة ويشترط مع ذلك أن لا ينوي الطلاق؟ أو لا فرق بين أن ينويه أو لا ينويه وهو خلع بأي لفظ وقع بلفظ الطلاق أو غيره؟ على أوجه في مذهب أحمد وغيره: أصحها الذي دل عليه كلام ابن عباس وأصحابه وأحمد بن حنبل وقدماء أصحابه وهو الوجه الأخير وهو: أن الخلع هو الفرقة بعوض فمتى فارقها بعوض فهي مفتدية لنفسها به وهو خالع لها بأي لفظ كان ولم ينقل أحد قط لا عن ابن عباس وأصحابه ولا عن أحمد بن حنبل أنهم فرقوا بين الخلع بلفظ الطلاق وبين غيره؛ بل كلامهم لفظه ومعناه يتناول الجميع.

والشافعي رضي الله عنه لما ذكر القولين في الخلع هل هو طلاق أم لا؟ قال: وأحسب الذين قالوا هو طلاق هو فيما إذا كان بغير لفظ الطلاق؟ ولهذا ذكر محمد بن نصر والطحاوي أن هذا لا نزاع فيه والشافعي لم يحك عن أحد هذا؛ بل ظن أنهم يفرقون.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]