عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-04-2022, 02:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,000
الدولة : Egypt
افتراضي اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة (الجزء الثاني)

اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة (الجزء الثاني)
خالد بن حسن المالكي

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فيقول ابن تيمية رحمه الله تعالى[2]: "اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ الناجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ - إلَى قِيَامِ الساعَةِ - أَهْلِ السنةِ وَالْجَمَاعَةِ الْإِيمَانُ بِاَللهِ وَمَلَائِكَتِه وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ، كُل دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ.

فَالدرَجَةُ الْأُولَى:
الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِمَ مَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا.
وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ، مِنَ الطاعَاتِ وَالْمَعَاصِي، وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ.
ثُم كَتَبَ اللهُ تَعَالَى فِي اللوْحِ الْمَحْفُوظِ، مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ.

قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ"، يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي".

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70].

وقال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

وَهَذَا التقْدِيرُ التابِعُ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ، يَكُونُ فِي مَوَاضِعَ - جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا - فَقَدْ كَتَبَ فِي اللوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا شَاءَ، فَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الْجَنِينِ، قَبْلَ نَفْخِ الروحِ فِيهِ؛ بَعَثَ إلَيْهِ مَلَكًا، فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ؛ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ؛ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا".

وَأَما الدرَجَةُ الثانِيَةُ، فَهُيَ مَشِيئَةُ اللهِ تَعَالَى النافِذَةُ، وَقُدْرَتُهُ الشامِلَةُ.

وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

وَأَنهُ مَا فِي السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِنْ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ، إِلا بِمَشِيئَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إِلا مَا يُرِيدُ.

وَأَنهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ.

فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ - فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السمَاءِ - إِلا اللهُ خَالِقُهُ سُبْحَانَهُ، لَا خَالِقَ غَيْرُهُ، وَلَا رَب سِوَاهُ؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12].

ولا تعارض بين القدر والشرع، ولا بين تقدير الله للمعاصي، وبُغضه لها، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِ، وَطَاعَةِ رُسُلِهِ - عليهم الصلاة والسلام - وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِب الْمُتقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَالْمُقْسِطِينَ.

وَيَرْضَى عَنِ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ، وَ﴿ لَا يُحِب الْكَافِرِينَ ﴾، وَ﴿ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾، وَ﴿ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾.

وَ﴿ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾، وَ﴿ لَا يُحِب الْفَسَادَ ﴾، وإثبات القدر لا ينافي إسناد أفعال العباد إليهم حقيقةً، وأنهم يفعلونها باختيارهم، فَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، وَاللهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ.

وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَر وَالْفَاجِرُ، وَالْمُصَلي وَالصائِمُ.

وَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَإِرَادَةٌ، وَاَللهُ خَالِقُهُمْ، وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإنسان: 29 - 31]، وَهَذِهِ الدرَجَةُ مِنَ الْقَدَرِ، يُكَذِّبُ بِهَا عَامةُ "الْقَدَرِيةِ" الذِينَ سَماهُمُ النبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمةِ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هذه الأمةِ: إن مَرِضوا فلا تَعودُوهم، وإن ماتوا فلا تَشْهَدُوهم".

وَيَغْلُو فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، حَتى يَسْلُبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ، وَيُخْرِجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ حِكَمها وَمَصَالِحها، والحق وسط بين طرفين، وهو ما سبق بيانه، والله المستعان.

وَمِنْ أُصُولِ الْفِرْقَةِ الناجِيَةِ:
أَن الدينَ وَالْإِيمَانَ قَوْلٌ، وَعَمَلٌ، قَوْلُ الْقَلْبِ، وَاللسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ، وَاللسَانِ، وَالْجَوَارِحِ، وَأَن الْإِيمَانَ يَزِيدُ بِالطاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يُكَفرُونَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ، بِمُطْلَقِ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ، كَمَا تَفْعَلُهُ "الْخَوَارِجُ"، بَلْ الْأُخُوةُ الْإِيمَانِيةُ، ثَابِتَةٌ مَعَ الْمَعَاصِي؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آيَةِ الْقِصَاصِ: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾، وَقَالَ سُبْحَانَه: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 9، 10].

وَلَا يَسْلُبُونَ الْفَاسِقَ الْمِلي اسْمَ الْإِيمَانِ بِالْكُليةِ، وَلَا يُخَلدُونَهُ فِي النارِ، كَمَا تَقُولُهُ "الْمُعْتَزِلَةُ"، بَلِ الْفَاسِقُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ، فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾.

وَقَدْ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ الْمُطْلَقِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿ إِنمَا الْمُؤْمِنُونَ الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾.

وَقَوْلِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: "لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فيها أبْصارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُها وهو مُؤْمِنٌ"، وَيَقُولُونَ: هُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيمَانِ، أَوْ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ، فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ؛ فَلَا يُعْطَى الِاسْمُ الْمُطْلَقُ، وَلَا يُسْلَبُ مُطْلَقُ الِاسْمِ.

وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السنةِ:
التصْدِيقُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَا يُجْرِي اللهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، فِي أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْمُكَاشَفَاتِ، وَأَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ، وَالتأْثِيرَاتِ؛ كَالْمَأْثُورِ عَنْ سَالِفِ الْأُمَمِ، فِي "سُورَةِ الْكَهْفِ"، وَغَيْرِهَا، وَعَنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمةِ، مِنَ الصحَابَةِ وَالتابِعِينَ، وَسَائِرِ قُرُونِ الْأُمةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

ثُم مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السنةِ وَالْجَمَاعَةِ: اتبَاعُ آثَارِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.

وَاتبَاعُ سَبِيلِ السابِقِينَ الْأَولِينَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَاتبَاعُ وَصِيةِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ؛ حَيْثُ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"، وَيَعْلَمُونَ أَن "أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمدٍ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ"، فَيُؤْثِرُونَ كَلَامَ اللهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ أَصْنَافِ الناسِ، وَيُقَدمُونَ هَدْيَ مُحَمدٍ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، عَلَى هَدْيِ كُل أَحَدٍ، وَبِهَذَا سُمُّوا "أَهْلَ الْكِتَابِ وَالسنةِ"، وَسُموا "أَهْلَ الْجَمَاعَةِ"؛ لِأَن الْجَمَاعَةَ هِيَ الاجْتِمَاعُ، وَضِدهَا الْفُرْقَةُ، وهم قد اجتمعوا على الحق، وأجمعوا عليه، والحاصل:
أن كُلَّ مَا يَقُولُونَهُ أَوْ يَفْعَلُونَهُ، فَإِنمَا هُمْ فِيهِ مُتبِعُونَ لِلْكِتَابِ وَالسنةِ، وَطَرِيقَتُهُمْ هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ؛ الذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ مُحَمدًا صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ.

لَكِنْ لَما أَخْبَرَ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ أَن أُمتَهُ سَتَفْتَرِقُ "علَى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً، واحدةٌ في الجنَّةِ، وثِنتانِ وسبعونَ في النَّار"، قيلَ: يا رسولَ اللَّه، مَن هم؟ قالَ "الجماعَةُ".

وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ أَنهُ قَالَ: "ما أَنا علَيهِ وأَصحابي"، صَارَ الْمُتَمَسكُونَ بِالْإِسْلَامِ الْمَحْضِ الْخَالِصِ عَنْ الشوْبِ والبدع هُمْ "أَهْلُ السنةِ وَالْجَمَاعَةِ".

وَفِيهِمُ الصديقُونَ، وَالشهَدَاءُ، وَالصالِحُونَ، وَمِنْهُمْ أَعْلَامُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدجَى، أُولُو الْمَنَاقِبِ الْمَأْثُورَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِيهِمُ الْأَبْدَالُ وَمِنْهُمُ الْأَئِمةُ الذِينَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ، وَهُمُ الطائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ الذِينَ قَالَ فِيهِمُ النبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: "لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ، وهُمْ كَذلكَ".

فَنَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ.

﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلهِ رَب الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى سَيدِنَا مُحَمدٍ وَآلِهِ، وَعَلَى سَائِرِ الْمُرْسَلِينَ وَالنبِيينَ، وَآلِ كُل وَسَائِرِ الصالِحِينَ، أما بعد:


فيقول ابن أبي داود رحمه الله تعالى[3]:
تمسَّك بحبل الله واتِّبع الهدى
ولا تك بدعيًّا لعلك تُفلِح
ودِنْ بكتاب الله والسنن التي
أتتْ عن رسول الله تنجو وتربَح
وقل غير مخلوق كلام مليكنا
بذلك دان الأتقياءُ وأفصحوا
ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلًا
كما قال أتْباعٌ لجهم وأسجحوا
ولا تقُل القرآن خلق قرأتُه
فإنَّ كلام الله باللفظ يُوضح
وقلْ يتجلى الله للخلق جهرةً
كما البدر لا يَخفى وربُّك أوضح
وليس بمولودٍ وليس بوالدٍ
وليس له شِبْهٌ تعالى المسبح
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا
بمصداق ما قلنا حديث مصرِّح
رواه جرير عن مقال محمدٍ
فقلْ مثل ما قال في ذلك تَنجح
وقد ينكر الجهمي أيضًا يَمينه
وكلتا يديه بالفواضل تنفَح
وقلْ ينزل الجبار في كل ليلةٍ
بلا كيفَ جلَّ الواحد المتمدح
إلى طبق الدنيا يَمُنُّ بفضله
فتُفرَج أبوابُ السماء وتُفتَح


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]