عرض مشاركة واحدة
  #122  
قديم 28-04-2022, 05:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,190
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 617 الى صـ 622
الحلقة (122)



تنبيه:

ما قدمناه من أن قوله تعالى: ولكن إلخ، استدراك من قوله: فيما عرضتم قاله أبو البقاء.

وجعل الزمخشري المستدرك محذوفا دل عليه: ستذكرونهن أي: فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا.

قال الناصر: وقويت دلالة هذا المذكور على ما حذف ; لأن المعتاد في مثل هذه الصيغة ورود الإباحة عقيبها. ونظير هذا النظم قوله تعالى: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن الآية، ولهذا الحذف سر - والله أعلم - وهو أنه اجتنب ; لأن الإباحة لم تنسحب على الذكر مطلقا، بل اختصت بوجه واحد من وجوهه، وذلك الوجه المباح عسر التميز عما لم يبح. فذكرت مستثناة بقوله: إلا أن تقولوا قولا معروفا تنبيها على أن المحل ضيق والأمر فيه عسر، والأصل فيه الحظر. ولا كذلك الوطء في زمن ليل الصوم. فإنه أبيح مطلقا غير مقيد ; فلذلك صدر الكلام بالإباحة والتوسعة. وجاء النهي عن مباشرة المعتكفة في المسجد تلوا للإباحة وتبعا في الذكر ; لأنها حالة فاذة. والمنع فيها لم يكن لأجل الصوم ولكن الأمر يتعلق به من حيث المصاحب، وهو الاعتكاف. فتفطن لهذا السر فإنه من غرائب النكت.

ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله العقدة بالضم من النكاح وكل شيء من البيع ونحوه، وجوبه. قال الفارسي: هو من الشد والربط، وقال الرازي: أصل العقد الشد. وسميت العهود والأنكحة عقودا ; لأنها تعقد كما يعقد الحبل. وذكر العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح ; لأن العزم على الفعل يتقدمه. فإذا نهى عنه كان عن الفعل أنهى. ومعناه: ولا تعزموا وجوب النكاح لأن القصد إليه حال العدة يفيد مزيد تحريك [ ص: 618 ] من الجانبين، بحيث لا يطاق معه الصبر إلى انقضاء العدة.

وقوله: حتى يبلغ الكتاب أجله أي: العدة المكتوبة المفروضة آخرها واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم من الميل إليهن قبل الأجل: فاحذروه واعلموا أن الله غفور يغفر ذلك الميل إذ لم يتعد العزم عقدة النكاح: حليم لا يعاجل بالعقوبة، فلا تستدلوا بتأخيرها على أن ما نهيتم عنه من العزم ليس مما يستتبع المؤاخذة....
القول في تأويل قوله تعالى:

[236] لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين .

لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ( ما ) شرطية، أي: إن لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة. يعني: ولم تعينوا لهن صداقا. فـ: ( أو ) بمعنى الواو - وحينئذ فلا مهر لهن، ولكن المتعة بالمعروف كما قال تعالى: ومتعوهن أي: من مالكم جبرا لوحشة الفراق: على الموسع أي: الغني الذي يكون في سعة من غناه: قدره - بسكون الدال وبفتحها قراءتان سبعيتان - أي: يجب على الموسر قدر ما يليق بيساره: وعلى المقتر أي: المعسر الذي في ضيق من فقره، وهو المقل الفقير، يقال: اقتر إذا افتقر: قدره أي: قدر ما يليق بإعساره: متاعا بالمعروف تأكيد لـ: {متعوهن } يعني: متعوهن تمتيعا بالمعروف - أي: بالوجه المستحسن، فلا يزاد إلى نصف مهر المثل ولا ينقص إلى ما لا يعتد به -: حقا أي: ثبت ذلك ثبوتا مستقرا: على المحسنين أي: المؤمنين لأنه بدل المهر ; وذكرهم بهذا العنوان ترغيب وتحريض لهم على الإحسان إليهن بالمتعة. وإنما كانت إحسانا لأن ملاك القصد فيها ما تطيب به نفس المرأة [ ص: 619 ] ويبقى باطنها وباطن أهلها سلما ذا مودة، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. أفاده الحرالي.

وروى الثوري عن ابن عباس قال: متعة الطلاق أعلاها الخادم، ودون ذلك الورق. ودون ذلك الكسوة. وعنه: إن كان موسرا متعها بخادم ونحوه، وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب.

وروى عبد الرزاق أن الحسن بن علي - عليهما السلام - متع بعشرة آلاف. فقالت المرأة: متاع قليل من حبيب مفارق.

تنبيه:

أخذ بعض المفسرين يحاول البحث بأن عنوان نفي الجناح - عما ذكر هنا - يفيد ثبوته فيما عداه، مع أنه لا جناح أيضا فيه. وتكلف للجواب - سامحه الله - ولا يخفاك أن مثل هذا العنوان كثيرا ما يراد به في التنزيل الترخيص والتسهيل، كما تكلف بعض بجعل أو بمعنى إلا أو حتى ; وجعل الحرج بمعنى المهر، مع أن الآية بينة بنفسها لا حاجة إلى أن تتجاذبها أطراف هذه الأبحاث. وعدولهم عن أقرب مما سلكوه - أعني: كون أو بمعنى الواو - مع شيوعها في آيات كثيرة - عجيب. وأعجب منه تخطئة من جنح لهذا الأقرب، مع أن مما يرشحه مساق الآية بعدها.

وما روي في سبب نزول هذه الآية: قال الخازن: نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها صداقا ثم طلقها قبل أن يمسها، فنزلت: لا جناح عليكم الآية. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أمتعها ولو بقلنسوتك» . وهذه الرواية - إن ثبتت - كانت شاهدة لما اعتمدناه، والله أعلم.
[ ص: 620 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[237] وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير .

وإن طلقتموهن - أي: الزوجات: من قبل أن تمسوهن أي: تجامعوهن. قال أبو مسلم: وإنما كنى تعالى بقوله: تمسوهن عن المجامعة، تأديبا للعباد في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون به وقد فرضتم أي: سميتم: لهن فريضة أي: مهرا مقدرا: فنصف ما فرضتم أي: فلهن نصف ما سميتم لهن من المهر، أو فالواجب عليكم ذلك: إلا أن يعفون أي: المطلقات عن أزواجهن، فلا يطالبنهم بنصف المهر. وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته ولا أستمتع بي فكيف آخذ منه شيئا..؟: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج، فيسوق إليها المهر كاملا، أو الولي، يعني: إذا كانت صغيرة - أو غير جائزة التصرف - فيترك نصيبها للزوج.

قال مالك في " موطئه " في هذه الآية: هو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته، وكلا التأويلين مروي عن عدة من الصحابة والتابعين.

قال الحرالي: إذا قرن هذا الإيراد بقوله: ولا تعزموا عقدة النكاح خطابا للأزواج قوي فسر من جعل: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج معادلة للزوجات، ومن خص عفوهن بالمالكات - أي: الرشيدات - خص هذا بالأولياء.

ونقل ابن جرير: أن الشعبي رجع إلى أنه الزوج، وكان يباهل عليه.

وقال الزمخشري: القول بأنه الولي ظاهر الصحة.

وقال الناصر في " حواشيه ": وصدق الزمخشري أنه قول ظاهر الصحة، عليه رونق الحق وطلاوة الصواب لوجوه ستة. ساقها بألطف بيان، فانظرها، والله أعلم.

[ ص: 621 ] وأن تعفوا أقرب للتقوى هذا خطاب للرجال والنساء جميعا، وغلب التذكير نظرا للأشرف، وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو، وذلك لأن من سمح بترك حقه كان محسنا، وذلك عنوان التقوى: ولا تنسوا الفضل بينكم أي: التفضل بالإحسان لما فيه من الألفة وطيب الخاطر، فهو حث على العفو، فمن عفا منهما فله الفضل على الآخر، ومعلوم أن النسيان ليس في الوسع حتى ينهى عنه، فالمراد منه الترك، أي: لا تتركوه ترك المنسي، فالتعبير بالنسيان آكد في النهي، والخطاب هنا أيضا للقبيلين بالتغليب، كالذي قبله، وخصه الحرالي بالرجال، قال:

فمن حق الزوج - الذي له فضل الرجولة - أن يكون هو العافي، وأن لا يؤخذ النساء بالعفو، ولذلك لم يأت في الخطاب أمر لهن ولا تحريض، فمن أقبح ما يكون حمل الرجل على المرأة في استرجاع ما آتاها بما يصرح به قوله: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فينبغي أن لا تنسوا ذلك الفضل فتجرون عليه حيث لم تلزموا به.

وقد حكى الزمخشري عن جبير بن مطعم، أنه تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها، فأكمل لها الصداق وقال: أنا أحق بالعفو..! وعنه: أنه دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه بنتا له فتزوجها، فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق كاملا، فقيل له: لم تزوجتها؟ فقال: عرضها علي فكرهت رده. قيل: فلم بعثت بالصداق؟ قال: فأين الفضل.

وقوله تعالى: إن الله بما تعملون بصير أي: فلا يضيع تفضلكم وإحسانكم. ولما كانت الحقوق المشروعة قبل، مما قد يشق القيام بها على بعض الناس، أمروا بما يخفف عنهم عبئها ويحبب إليهم أداءها، وذلك بالمحافظة على الصلوات فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذا أمر بها تعالى - إثر ما تقدم - بقوله سبحانه:
[ ص: 622 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[238] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين .

حافظوا على الصلوات أي: داوموا على أدائها لأوقاتها مع رعاية فرائضها وسننها من غير إخلال بشيء منها: والصلاة الوسطى أي: الوسطى بين الصلوات بمعنى المتوسطة أو الفضلى منها، من قولهم للأفضل: الأوسط. فعلى الأول: يكون الأمر لصلاة متوسطة بين صلاتين. وهل هي الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء؟! أقوال مأثورة عن الصحابة والتابعين. وعلى الثاني: فهي صلاة الفطر أو الأضحى أو الجماعة أو صلاة الخوف أو الجمعة أو المتوسطة بين الطول والقصر. أقوال أيضا عن كثير من الأعلام، والقول الأخير جيد جدا كما لو قيل بأنها ذات الخشوع لآية: الذين هم في صلاتهم خاشعون

وأما علماء الأثر فقد ذهبوا إلى أن المعني بالآية صلاة العصر لما في (الصحيحين) عن علي رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب (وفي رواية، يوم الخندق): « ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس » . وفي رواية: « شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر » . وذكر نحوه وزاد في أخرى: ثم صلاها بين المغرب والعشاء. أخرجاه في (الصحيحين) ورواه أصحاب السنن والمسانيد والصحاح من طرق يطول ذكرها...

وأجاب عن هذا الاستدلال من ذهب إلى غيره بأنه لم يرد الحديث مورد تفسير الآية حتى يعينها، وإنما فيه الإخبار عن كونها وسطى، وهو كذلك لأنها متوسطة وفضلى من الصلوات.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]