
28-04-2022, 06:24 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,940
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 635 الى صـ 640
الحلقة (125)
وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله قال: لما طلق حفص بن المغيرة امرأته فاطمة، أتت [ ص: 635 ] النبي صلى الله عليه وسلم. فقال لزوجها: « متعها» . قال: لا أجد ما أمتعها قال: « فإنه لا بد من المتاع، متعها ولو نصف صاع من التمر» .
وأخرج البيهقي عن قتادة قال: طلق رجل امرأته عند شريح، فقال له شريح: متعها! فقالت المرأة: إنه ليس لي عليه متعة. إنما قال الله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المحسنين } . وليس من أولئك!!.
وأخرج البيهقي عن شريح أنه قال لرجل فارق امرأته: لا تأبى أن تكون من المتقين. لا تأبى أن تكون من المحسنين.
القول في تأويل قوله تعالى:
[242] كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون .
كذلك أي: مثل ذلك البيان الشافي: يبين الله لكم في جميع المواضع: آياته الدالة على أحكامه: لعلكم تعقلون لكي تفهموا ما فيها وتعملوا بموجبها.
القول في تأويل قوله تعالى:
[243] ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون .
ألم تر إلى الذين خرجوا أي: ممن تقدمكم من الأمم: من ديارهم أي: التي ألفوها لما وقع فيها مما لا طاقة لهم به من الموت. ولفظة: ألم تر قد تذكر لمن تقدم علمه، فتكون للتعجيب والتقرير والتذكير - كالأحبار وأهل التاريخ - وقد تذكر لمن لا يكون كذلك، فتكون لتعريفه وتعجيبه.
[ ص: 636 ] قال الراغب: "رأيت" يتعدى بنفسه دون الجار، لكن لما استعير " ألم تر " لمعنى " ألم تنظر " عدي تعديته بـ " إلى " وفائدة استعارته: أن النظر قد يتعدى عن الرؤية، فإذا أريد الحث على نظر ناتج لا محالة للرؤية استعيرت له، وقلما استعمل ذلك في غير التقرير فلا يقال: رأيت إلى كذا.
وهم ألوف أي: في العدد جمع ألف، أو وهم مؤتلفون ومجتمعون جمع آلف، بالمد - كشاهد وشهود - أي: إن خروجهم لم يكن عن افتراق كان منهم ولا تباغض، ولكن: حذر الموت مفعول له - أي: فرارا منه. وقوله: فقال لهم الله موتوا معناه: فأماتهم، وإنما جيء به على هذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته، وتلك مشيئة خارجة عن العادة كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالا من غير إباء ولا توقف، كقوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
ثم أحياهم عطف. إما على مقدر يستدعيه المقام، أي: فماتوا ثم أحياهم - وإنما حذف للدلالة على الاستغناء عن ذكره لاستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته، وإما على " قال " لما أنه عبارة عن الإماتة: إن الله لذو فضل على الناس قاطبة. أما أولئك فقد أحياهم ليعتبروا بما جرى عليهم فيفوزوا بالسعادة، وأما الذين سمعوا قصتهم فقد هداهم إلى مسلك الاعتبار والاستبصار، فقد تفضل على الجميع ليشكروه: ولكن أكثر الناس لا يشكرون أي: فضله كما ينبغي.
تنبيه:
روي عن ابن عباس: أن الآية عني بها قوم كثيرو العدد، خرجوا من ديارهم فرارا من الجهاد في سبيل الله فأماتهم الله ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فكأنها ذكرت ممهدة للأمر بالقتال بعدها في قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله
[ ص: 637 ] ومعلوم أن سورة البقرة مما نزل في المدينة إثر الهجرة قبل فتح مكة، وكان العدو في مكة وما حولها في كثرة وقوة ومنعة، فأمر المسلمون المهاجرون ومن آواهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وقص لهم من الأنباء ما فيه بعث لهم على الجهاد وتبشير لهم بالفوز والعاقبة، وإن يكونوا في قلة وضعف، ما داموا مستمسكين بحبل الوفاق والصبر والمصابرة. وقد ذهب بعض الرواة إلى أن هذه الآية عني بها ما قص في التوراة عن حزقيل - أحد أنبياء بني إسرائيل - أنه أوحي إليه أن يخرج إلى فلاة واسعة قد ملئت عظاما يابسة من موتى بني إسرائيل، وأن يناديها باسمه تعالى، فجعلت تتقارب ثم كسيت لحما، ثم نادى أرواحها فعادت إلى أجسامها واستووا أحياء على أقدامهم بأمره تعالى. وهم جيش كثير جدا. وأوحي إلى (حزقيل) أنهم سيعودون إلى وطنهم بعد أن أجلوا عنه. وهذه القصة مبسوطة في توراتهم في الفصل السابع والثلاثين من نبوة (حزقيل).
وممن روي عنه أنه عني بهذه الآية نبأ (حزقيل)، وهب بن منبه وأشعث بن أسلم البصري والحجاج بن أرطاة والسدي وهلال بن يساف وغيرهم. أخرجه عنهم ابن جرير. فإن صحت هذه الرواية يكون ذلك من معجزات (حزقيل) في إحياء الموتى له، كما أحيي لعيسى عليه السلام، فيرى قومه ما لا ييأسون معه من جهاد عدوهم ليسترجعوا وطنهم الذي أجلاهم عنه عدوهم، لأن (حزقيل) كان فيمن أجلي إلى بابل. قالوا: ونبوته تتضمن القضاء المنزل على بني إسرائيل وبشرى السلام الذي يعقب ذلك القضاء. وقد نقل ابن كثير عن عطاء أنه قال في هذه الآية: إنها مثل. ولعل مراده: أنها مثل في تكوينه تعالى أمة قوية تقهر وتغلب وتسوس غيرها بعد بلوغها غاية الضعف والخمول، فكان حياتها وموتها تمثيلا لحالتيها قبل وبعد. فيكون إشعارا بما ستصير إليه العرب من القوة العظيمة والمدنية الفخيمة، وتنبيها على أن الوصول إلى ذلك إنما يكون بجهاد الظالمين واتفاق المتقين على دحر المتغلبين الباغين والله أعلم.
[ ص: 638 ] ثم إنه لا خفاء في أن ما قص من حوادث الإسرائيليين كان معروفا في الجملة لمخالطة اليهود للعرب في قرون كثيرة.
قال ولي الله الدهلوي في " الفوز الكبير ": واختار سبحانه في تنزيله من أيام الله، يعني: الوقائع التي أحدثها الله سبحانه وتعالى: كإنعام المطيعين وتعذيب العصاة، ما قرع سمعهم، وذكر لهم إجمالا مثل قصص قوم نوح وعاد وثمود، وكانت العرب تتلقاها أبا عن جد، ومثل قصص سيدنا إبراهيم وأنبياء بني إسرائيل فإنها كانت مألوفة لأسماعهم لمخالطة اليهود العرب في قرون كثيرة، وانتزع من القصص المشهورة جملا تنفع في تذكيرهم، ولم يسرد القصص بتمامها مع جميع خصوصياتها. والحكمة في ذلك أن العوام إذا سمعوا القصص النادرة غاية الندرة، أو استقصى بين أيديهم ذكر الخصوصيات، يميلون إلى القصص نفسها ويفوتهم التذكر الذي هو الغرض الأصلي فيها. ونظير هذا الكلام ما قاله بعض العارفين: إن الناس لما حفظوا قواعد التجويد شغلوا عن الخشوع في التلاوة.
القول في تأويل قوله تعالى:
[244] وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم .
وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم
قال المفسرون: في إتباع القصة المتقدمة الأمر بالقتال، دليل على أنها سيقت بعثا على الجهاد. فحرض على الجهاد بعد الإعلام بأن الفرار من الموت لا يغني، كما قال تعالى: الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين وأصل السبيل هو الطريق، وسميت المجاهدة سبيلا إلى الله تعالى من حيث إن الإنسان يسلكها ويتوصل إلى الله بها ليتمكن من إظهار عبادته تعالى، ونشر الدعوة إلى توحيده وحماية أهلها والمدافعة عن الحق وأهله، فالقتال: دفاع في سبيل الله لإزالة الضرر العام. [ ص: 639 ] وهو منع الحق وتأييد الشرك، وذلك بتربية الذين يفتنون الناس عن دينهم وينكثون عهودهم لا لحظوظ النفس وأهوائها، والضراوة بحب التسافك وإزهاق الأرواح، ولا لأجل الطمع في الكسب. وفي قوله تعالى: واعلموا أن الله سميع عليم بعث على صدق النية والإخلاص. كما في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» .
القول في تأويل قوله تعالى:
[245] من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون .
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة - هذا حث من الله تعالى لعباده على الصدقة، وقد كرر تعالى هذه الآية في كتابه العزيز في غير موضع.
قال القرطبي: طلب القرض في هذه الآية لما هو تأنيب وتقريب للناس بما يفهمون. والله هو الغني الحميد. لكنه تعالى شبه إعطاءه المؤمنين، وإنفاقهم في الدنيا الذي يرجون ثوابه في الآخرة، بالقرض. كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة، بالبيع والشراء. حسبما يأتي بيانه في سورة براءة، وكنى الله سبحانه وتعالى عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن [ ص: 640 ] الحاجات ترغيبا في الصدقة، كما كنى عن المرض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة، ففي صحيح الحديث إخبارا عن الله تعالى: « يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. استطعمتك فلم تطعمني، استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي » وكذا فيما قبله. أخرجه الشيخان. وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به. وقد أخرج سعيد بن منصور والبزار والطبراني وغيرهم عن ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية، قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله! وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: « نعم يا أبا الدحداح » قال: أرني يدك، يا رسول الله! فناوله يده.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|