عرض مشاركة واحدة
  #137  
قديم 28-04-2022, 05:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,589
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 707 الى صـ 712
الحلقة (137)


ثم قال: وأما صرع الأخلاط فهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعا غير تام. وسببه: خلط غليظ لزج يسد منافذ بطون الدماغ، سدة غير تامة، فيمتنع نفوذ الحس والحركة فيه وفي الأعضاء نفوذا ما، من غير انقطاع بالكلية، وقد يكون لأسباب أخر كريح غليظ يحتبس في منافذ الروح، أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء، أو كيفية لاذعة فينقبض الدماغ لدفع المؤذي فيتبعه تشنج في جميع الأعضاء، ولا يمكن أن يبقى الإنسان معه منتصبا بل يسقط ويظهر في فيه الزبد غالبا، وهذه العلة تعد من جملة الأمراض الحادة باعتبار [ ص: 707 ] وقت وجود المؤلم خاصة، وقد تعد من جملة الأمراض المزمنة باعتبار طول مكثها وعسر برئها لا سيما إن جاوز في السن خمسا وعشرين سنة. وهذه العلة في دماغه وخاصة في جوهره، فإن صرع هؤلاء يكون لازما، قال بقراط: إن الصرع يبقى في هؤلاء حتى يموتوا. إذا عرف هذا، فهذه المرأة التي جاء الحديث أنها كانت تصرع وتنكشف، يجوز أن يكون صرعها من هذا النوع، فوعدها النبي صلى الله عليه وسلم الجنة بصبرها على هذا المرض، ودعا لها أن لا تنكشف، وخيرها بين الصبر والجنة، وبين الدعاء لها بالشفاء من غير ضمان، فاختارت الصبر والجنة. وفي ذلك دليل على جواز ترك المعالجة والتداوي، وإن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء، وإن تأثيره وفعله وتأثير الطبيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية وانفعال الطبيعة عنها، وقد جربنا هذا مرارا نحن وغيرنا. وعقلاء الأطباء معترفون بأن في فعل القوى النفسية وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب، وما على الصناعة الطبية أضر من زنادقة القوم وسفلتهم وجهالهم. والظاهر أن صرع هذه المرأة كان من هذا النوع، ويجوز أن يكون من جهة الأرواح، ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرها بين الصبر على ذلك مع الجنة، وبين الدعاء لها بالشفاء، فاختارت الصبر والستر. والله أعلم.

ذلك أي: القيام المخبط: بأنهم قالوا أي: بسبب قولهم: إنما البيع مثل الربا أي: نظيره في أن كلا منهما معاوضة. فإن قلت: هلا قيل: إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع، وحل البيع متفق عليه، فيقاس عليه الربا، وحق القياس أن يشبه محل الخلاف بمحل الوفاق؟ أجيب: بأنه جيء به على طريق المبالغة. وهو أنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا في الحل، حتى شبهوا به البيع. كذا أجاب الزمخشري.

قال الناصر في " حواشيه ": وعندي وجه في الجواب غير ما ذكر، وهو أنه متى كان المطلوب التسوية بين المحلين في ثبوت الحكم، فللقائل أن يسوي بينهما طردا. فيقول مثلا: الربا مثل البيع. وغرضه من ذلك أن يقول: والبيع حلال، فالربا حلال، وله أن يسوي بينهما [ ص: 708 ] في العكس فيقول: البيع مثل الربا، فلو كان الربا حراما كان البيع حراما، ضرورة المماثلة. ونتيجته التي دلت قوة الكلام عليها أن يقول: ولما كان البيع حلالا اتفاقا غير حرام، وجب أن يكون الربا مثله. والأول: على طريقة قياس الطرد. والثاني: على طريقة العكس. ومآلهما إلى مقصد واحد. فلا حاجة، على هذا التقرير، إلى خروج عن الظاهر لعذر المبالغة أو غيره. وليس الغرض من هذا كله إلا بيان هذا الذي تخيلوه على أنموذج النظم الصحيح. وإن كان قياسا فاسد الوضع، لاستعماله على مناقضة المعلوم من حكم الله أيضا في تحريم الربا وتحليل البيع وقطع القياس بينهما، ولكن إذا استعملت الطريقتين المذكورتين استعمالا صحيحا فقل في الأولى: النبيذ مثل الخمر في علة التحريم، وهو الإسكار، والخمر حرام، فالنبيذ حرام. وقل في الثانية: إنما الخمر مثل النبيذ، فلو كان النبيذ حلالا لكان الخمر حلالا، وليست حلالا اتفاقا، فالنبيذ كذلك ضرورة المماثلة المذكورة، فهذا التوجيه أولى أن تحمل الآية عليه. والله أعلم. وقوله: وأحل الله البيع وحرم الربا إنكار لتسويتهم بينهما. إذ الحل مع الحرمة ضدان. فأنى يتماثلان؟ ودلالة على أن القياس يهدمه النص، لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه.

قال الرازي: إن نفاة القياس يتمسكون بهذا الحرف. قالوا: لو كان الدين بالقياس لكانت هذه الشبهة لازمة. فلما كانت مدفوعة علمنا أن الدين بالنص لا بالقياس. وذكر القفال رحمه الله الفرق بين البابين فقال: من باع ثوبا يساوي عشرة بعشرين، فقد جعل ذات الثوب مقابلا بالعشرين، فلما حصل التراضي على هذا التقابل، صار كل واحد منهما مقابلا للآخر في المالية عندهما، فلم يكن أخذ من صاحبه شيئا بغير عوض، أما إذا باع العشرة بالعشرين فقد أخذ العشرة الزائدة من غير عوض، ولا يمكن أن يقال: إن عوضه هو الإمهال في مدة الأجل، لأن الإمهال ليس مالا أو شيئا يشار إليه حتى يجعله عوضا عن العشرة الزائدة، فظهر الفرق بين الصورتين. وقد أخرج أبو نعيم في " الحلية " عن جعفر بن محمد أنه سئل: لم حرم الله [ ص: 709 ] الربا؟ قال: لئلا يتمانع الناس المعروف. أي: الإحسان الذي في القرض ؛ إذ لو حل درهم بدرهمين ما سمح أحد بإعطاء درهم بمثله.

فمن جاءه موعظة أي: بلغه وعظ وزجر، كالنهي عن الربا: من ربه متعلق بـ (جاءه) أو بمحذوف وقع صفة لـ (موعظة). والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة للإشعار بكون مجيء الموعظة للتربية: فانتهى عطف على (جاءه) أي: فاتعظ بلا تراخ، وتبع النهي: فله ما سلف أي: ما تقدم أخذه قبل التحريم ولا يسترد منه: وأمره إلى الله إن شاء أخذه لظهور الفرق وإن شاء عفا عنه، لأن الفرق، وإن ظهر لأرباب النظر، يجوز أن يخفى على العوام: ومن عاد أي: إلى تحليل الربا بعد النص: فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون لكفرهم بالنص، وردهم إياه بقياسهم الفاسد، بعد ظهور فساده. ومن أحل ما حرم الله عز وجل فهو كافر، فلذا استحق الخلود، وبهذا تبين أنه لا تعلق للمعتزلة بهذه الآية في تخليد الفساق، حيث بنوا على أن المتوعد عليه بالخلود العود إلى فعل الربا خاصة، ولا يخفى أنه لا يساعدهم على ذلك الظاهر الذي استدلوا به، فإن الذي وقع العود إليه محمول على ما تقدم، كأنه قال: ومن عاد إلى ما سلف ذكره، وهو فعل الربا واعتقاد جوازه والاحتجاج عليه بقياسه على البيع، ولا شك أن من تعاطى معاملة الربا مستحلا لها مكابرا في تحريمها، مسندا إحلالها إلى معارضة آيات الله البينات، بما يتوهمه من الخيالات - فقد كفر ثم ازداد كفرا. وإذ ذاك يكون الموعود بالخلود في الآية من يقال إنه كافر مكذب غير مؤمن، وهذا لا خلاف فيه، فلا دليل إذا للمعتزلة على اعتزالهم في هذه الآية. والله الموفق. أشار لذلك في " الانتصاف ".

قال في فتح البيان: والمصير إلى هذا التأويل واجب، للأحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحدين من النار.
[ ص: 710 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[276] يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم .

يمحق الله الربا أي: يذهب ريعه ويمحو خيره، وإن كان زيادة في الظاهر فلا ينتفع به في الآخرة كما قال تعالى: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وقال تعالى: ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم ويربي الصدقات أي: يكثرها وينميها،إن كانت نقصانا في الشاهد.

فوائد:

الأولى: قال القاشاني: لأن الزيادة والنقصان إنما يكونان باعتبار العاقبة والنفع في الدارين، والمال الحاصل من الربا لا بركة له ؛ لأنه حصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة وصاحبه يرتكب سائر المعاصي ؛ إذ كل طعام يولد في آكله دواعي وأفعالا من جنسه، فإن كان حراما يدعوه إلى أفعال محرمة، وإن كان مكروها فإلى أفعال مكروهة، وإن كان مباحا فإلى مباحة، وإن كان من طعام فضل فإلى مندوبات، وكان في أفعاله متبرعا متفضلا، وإن كان بقدر الواجب من الحقوق فأفعاله تكون واجبة ضرورية، وإن كان من الفضول والحظوظ فأفعاله تكون كذلك، فعليه إثم الربا وآثار أفعاله المحرمة المتولدة من أكله، فتزداد عقوباته وآثامه أبدا، ويتلف الله ماله في الدنيا، فلا ينتفع به أعقابه وأولاده، فيكون ممن خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو المحق الكلي. وأما المتصدق فلكون ماله مزكى يبارك الله في تثميره مع حفظ الأصل، وآكله لا يكون إلا مطيعا في أفعاله، ويبقى ماله في أعقابه وأولاده منتفعا به. وذلك [ ص: 711 ] هو الزيادة في الحقيقة، ولو لم تكن زيادته إلا ما صرف في طاعة الله لكفى به زيادة. وأي زيادة أفضل مما تبقى عند الله؟! ولو لم يكن نقصان الربا إلا حصوله من مخالفة الله وارتكاب نهيه لكفى به نقصانا. وأي نقصان أفحش مما يكون سبب حجاب صاحبه وعذابه ونقصان حظه عند الله؟!

الثانية: قال القاشاني عليه الرحمة قبل ذلك: آكل الربا أسوأ حالا من جميع مرتكبي الكبائر، فإن كل مكتسب له توكل ما فيه كسبه، قليلا كان أو كثيرا، كالتاجر والزارع والمحترف، إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولم تتعين لهم قبل الاكتساب، فهم على غير معلوم في الحقيقة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم » . وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه. سواء ربح الآخذ أو خسر، فهو محجوب عن ربه بنفسه، وعن رزقه بتعيينه. لا توكل له أصلا، فوكله الله تعالى إلى نفسه وعقله. وأخرجه من حفظه وكلاءته، فاختطفه الجن وخبلته، فيقوم يوم القيامة ولا رابطة بينه وبين الله كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل، فيكون كالمصروع الذي مسه الشيطان فتخبطه، لا يهتدي إلى مقصد.

الثالثة: قال بعض العلماء العمرانيين: يشترط لجواز التمول أن يكون من وجه مشروع كما في مقابلة عمل أو معاوضة، وأن لا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير، ولذا حرمت الشرائع السماوية كلها، وكذلك الحكمة السياسية والأخلاقية والعمرانية أكل الربا، قصدا لحفظ التساوي والتقارب بين الناس في القوة المالية، لأن الربا هو كسب بدون مقابل مادي ؛ ففيه معنى الغصب، وبدون عمل، ففيه الألفة على البطالة المفسدة للأخلاق، وبدون تعرض لخسائر طبيعية، كالتجارة والزراعة والأملاك، ومن الشاهد: أن بالربا تربو الثروات فيختل التساوي بين الناس.

ثم قال: وقد نظر الماليون والاقتصاديون في أمر الربا فقالوا: إن المعتدل منه نافع [ ص: 712 ] بل لا بد منه. أولا: لأجل قيام المعاملات الكبيرة. وثانيا: لأجل أن النقود الموجودة لا تفي للتداول، فكيف إذا أمسك المكتنزون قسما منها أيضا؟! وثالثا: لأجل أن الكثيرين من المتمولين لا يعرفون طرائق الاسترباح، أو لا يقدرون عليها. كما أن كثيرا من العارفين بها لا يجدون رؤوس أموال ولا شركاء عنان.

فهذا النظر صحيح من وجه إنماء ثروات الأفراد والأمم، أما السياسيون والأخلاقيون فينظرون إلى أن ضرر ذلك في جمهور الأمم أكبر من نفعها، لأن هذه الثروات الأفرادية تمكن الاستبداد الداخلي، فتجعل الناس صنفين: عبيدا وأسيادا. وتقوي الاستبداد الخارجي فتسهل التعدي على حرية واستقلال الأمم الضعيفة مالا وعدة، وهذه مقاصد فاسدة في نظر الحكمة والعدالة. ولذلك حرمت الأديان الربا تحريما مغلظا. انتهى.

الرابعة: قال الرازي: لما بالغ تعالى في الزجر عن الربا، وكان قد بالغ في الآيات المتقدمة في الأمر بالصدقات، ذكر ههنا ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الصدقات وفعل الربا، وكشف عن فساده، وذلك لأن الداعي إلى فعل الربا تحصيل المزيد في الخيرات، والصارف عن الصدقات الاحتراز عن نقصان الخيرات، فبين تعالى أن الربا وإن كان زيادة في المال إلا أنه نقصان في الحقيقة، وإن الصدقة وإن كانت نقصانا في الصورة إلا أنها زيادة في المعنى. ولما كان الأمر كذلك كان اللائق بالعاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الطبع والحس من الدواعي والصوارف، بل يعول على ما ندبه الشرع إليه منهما.

وقال القفال: ونظير قوله: يمحق الله الربا المثل الذي ضربه فيما تقدم بصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا. ونظير قوله: ويربي الصدقات المثل الذي ضربه بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة.

والله لا يحب كل كفار أثيم صيغتا مبالغة من الكفر والإثم، لاستمرار مستحل الربا وآكله عليهما وتماديه في ذلك. وفي الآية تغليظ في أمر الربا وإيذان بأنه من فعل الكفار، لا من فعل المسلمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]