عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 17-05-2022, 12:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,689
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 145الى صــ 158
(6)



وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَتَوَكَّلُ ... .
وَإِنْ حَجَّ مَاشِيًا، وَلَهُ زَادٌ مَمْلُوكٌ أَوْ مُبَاحٌ أَوْ مُكْتَسَبٌ أَوْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِ الْحَجِّ (فَصْلٌ)
وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، فَأَمَّا الْقَرِيبُ وَالْمَكِّيُّ
وَنَحْوُهُمَا مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ: فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ. فَإِنْ كَانَ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ: لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحُجَّ حَبْوًا.
وَأَمَّا الزَّادُ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَجِدَ الزَّادَ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَا يَأْكُلُهُ، وَلَوْ بِكَسْبِهِ، فَإِنْ كَانَ مَتَى تَشَاغَلَ بِالْحَجِّ انْقَطَعَ كَسْبُهُ وَتَعَذَّرَ الزَّادُ عَلَيْهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ.
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى السُّؤَالِ ... .(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَجِدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ بِالْآلَةِ الَّتِي تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنَ الْغَرَائِرِ، وَأَوْعِيَةِ الْمَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّادُ مِمَّا يَقْتَاتُهُ مِثْلُهُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ طَعَامًا وَأُدْمًا، وَأَنْ تَكُونَ آلَاتُ الرَّاحِلَةِ مِمَّا تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ إِلَّا فِي مَحْمِلٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ يَخَافُ السُّقُوطَ اعْتُبِرَ وُجُودُ الْمَحْمِلِ،
وَإِنْ كَانَ يَكْفِيهِ الرَّحْلُ وَالْقَتَبُ بِحَيْثُ لَا يَخْشَى السُّقُوطَ أَجْزَأَهُ وُجُودُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَادَتُهُ السَّفَرَ فِي الْمَحَامِلِ، أَوْ عَلَى الْأَقْتَابِ وَالزَّوَامِلِ وَالرِّحَالِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِي مِنَ الرُّكُوبِ عَلَى الزَّوَامِلِ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنَ الْأَشْرَافِ وَالْأَغْنِيَاءِ ... .
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ عَلَى الرَّحْلِ وَالزَّامِلَةِ دُونَ الْمَحْمِلِ إِذَا أَمْكَنَ، لِمَا رَوَى عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ
قَالَ: («حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا، وَحَدَّثَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ عَلَى رَحْلٍ، وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ»). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالزَّامِلَةُ: هِيَ الْبَعِيرُ الَّذِي يَحْمِلُ مَتَاعَ الرَّجُلِ وَطَعَامَهُ، وَازْدَمَلَهُ: احْتَمَلَهُ، وَالزَّمِيلُ: الرَّدِيفُ، وَالْمُزَامَلَةُ: الْمُعَادَلَةُ عَلَى بَعِيرٍ.
وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: («حَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ، وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ لَا تُسَاوِي، ثُمَّ قَالَاللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا، وَلَا سُمْعَةَ»). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِمَا كَلَامٌ.

وَهَلْ يُكْرَهُ الْحَجُّ فِي الْمَحْمِلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: وَالْمَحَامِلُ قَدْ رَكِبَهَا الْعُلَمَاءُ وَرُخِّصَ فِيهَا.
وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: عَطَاءٌ كَانَ يَكْرَهُ الْمَحَامِلَ لِلرَّجُلِ وَلَا يَرَى بِهَا لِلنِّسَاءِ بَأْسًا، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْقِبَابُ عَلَى الْمَحَامِلِ بِدْعَةٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَخْدِمُهُ فِي رُكُوبِهِ وَطَعَامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: اعْتُبِرَتِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ بِكِرَاءٍ، أَوْ شِرَاءٍ، وَيُعْتَبَرُ
أَنْ يَجِدَهُمَا فِي مِلْكِهِ، أَوْ هُمَا بِكِرَاءٍ، أَوْ شِرَاءٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عِوَضَ مِثْلِهِمَا فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَهُوَ وَاجِدٌ لَهُ.
وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ عَلَى عِوَضِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ وَالْكِرَاءُ. وَإِنْ كَانَتْ كَ
ثِيرَةً تُجْحِفُ بِمَالِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
وَإِنْ كَانَ السِّعْرُ غَالِيًا فِي ذَلِكَ الْعَامِ غَلَاءً خَارِجًا عَنِ الْأَمْرِ الْغَالِبِ فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ ثَمَنُ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا يُمْكِنُهُ اقْتِضَاؤُهُ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مُوسِرٍ بَاذِلٍ، أَوْ غَائِبٍ يُمْكِنُ إِحْضَارُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ يَجِدُ الزَّادَ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ، أَوْ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ مِنْ مِصْرِهِ، بَلْ عَلَيْهِ حَمْلُهُ مِنْ مَوْضِعِ وُجُودِهِ إِلَى مَوْضِعِ وُجُودِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ حَمْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ، أَوْ لَا.
وَأَمَّا الْمَاءُ لَهُ وَلِدَوَابِّهِ وَعَلَفُ الرَّوَاحِلِ، فَمِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ فَعَلَيْهِ حَمْلُهُ مِنْ مَوْضِعِ وُجُودِهِ عَلَى مَا جَ
رَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الطَّرِيقِ مَاءٌ وَلَا عَلَفٌ، فَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ عَلَيْهِ حَمْلُهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَلَا مِنْ أَقْرَبِ الْأَمْصَارِ إِلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَشُقُّ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حَمْلِ الْمَاءِ لِبَهَائِ
مِهِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ ... .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: حُكْمُ عَلَفِ الْبَهَائِمِ: حُكْمٌ زَادَهُ فِي وُجُوبِ حَمْلِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الطَّرِيقِ.
(الْفَصْلُ الرَّابِعُ)

أَنْ يَجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَمُؤْنَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ.
فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَقَدْ مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ بَعْدَ وُجُوبِهِ، أَوْ حِينَ وُجُوبِهِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَضَاءِ دَيْنِهِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ.
فَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، ثُمَّ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ ... . [وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، أَوْ مَتْرُوكًا.
]
فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ وَعَلَيْ
هِ دَيْنٌ ... .
فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ: قَدَّمَ الْحَجَّ. قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ -: إِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ فَإِنَّهُ يَقْضِي دَيْنَهُ، وَلَا يَحُجُّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ فَلْيَحُجَّ الْفَرِيضَةَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَجَّ الْفَرِيضَةَ يَقْضِي دَيْنَ أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ لَمْ يَحُجَّ دَفَعَ إِلَى أَبِيهِ حَتَّى يَحُجَّ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْحَجُّ، إِذْ كَانَ مَعَهُ نَفَقَةٌ تُبَلِّغُهُ إِلَى مَكَّةَ وَيَرْجِعُ، وَيُخَلِّفُ نَفَقَتَهُ لِأَهْلِهِ مَا يَكْفِيهِمْ حَتَّى يَرْجِعَ.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: السَّبِيلُ فِي الطَّرِيقِ السَّالِكَةِ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ الْمُبَلِّغَا
نِ إِلَى مَكَّةَ، وَإِلَى الْعَوْدِ إِلَى مَنْزِلِهِ، مَعَ نَفَقَةِ عِيَالِهِ لِمُدَّةِ سَفَرِهِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ وُجُودُ مَا يُنْفِقُهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ.
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْكَسْبِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ وَابْنَ أَبِي مُوسَى صَرَّحَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْمَنَازِلِ الَّتِي يُؤَجِّرُهَا لِكِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، وَإِنَّمَا يَبِيعُ مَا يَفْضُلُ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتْرُكَ لِعَائِلَتِهِ - الَّذِينَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ - مَا يَكْفِيهِمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ آكَدُ، وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: («كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ»). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ - بِعَيْنِهِ - نَفَقَتُهُ لَكِنْ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ كَيَتِيمٍ وَأَرْمَلَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ... .
وَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى كِفَايَةٍ لَهُ، وَلِعِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ إِمَّا رِبْحِ تِجَارَةٍ، أَوْ صِنَاعَةٍ، أَوْ أُجُورِ عَقَارٍ، وَدَوَابَّ، أَوْ رَيْعٍ وُقِفَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ ... .
فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ، أَوِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ ... .
وَالْمُرَادُ بِالْكِفَايَةِ: مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْ مَسْكَنٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ
السُّكْنَى، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مَسْكَنَهُ، ثُمَّ يَسْكُنَ بِأَجْرٍ، أَوْ فِي وَقْفٍ.
لَكِنْ إِنْ كَانَ وَاسِعًا يُمْكِنُهُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِمَا دُونَهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِالتَّفَاوُتِ.
وَإِنْ كَانَ لَهُ كُتُبُ عِلْمٍ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
عِلْمُهَا فَرْضًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْعَالِمِ إِلَى عِلْمِهِ ... .
فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا، أَوْ كَانَ لَهُ بِكِتَابٍ نُسْخَتَانِ يَسْتَغْنِي عَنْ إِحْدَاهُمَا: بَاعَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ كُتُبَ عِلْمٍ، أَوْ يُنْفِقَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ رَجُلٍ مَلَكَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ رَجُلٌ جَاهِلٌ، أَيَحُجُّ بِهَا أَمْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ؟ فَقَالَ: يَحُجُّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرِيضَةٌ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ فَرِيضَةً، وَيَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هَذَا لَمْ يَتَعَلَّمْ فَالِابْتِدَاءُ بِفَرْضِ الْعَيْنِ قَبْلَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوِ النَّافِلَةِ: مُتَعَيِّنٌ، وَالْأَوَّلُ قَدْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ، فَفِي بَيْعِ كُتُبِهِ إِخْلَالٌ بِمَا قَدْ عَلِمَهُ مِنْ عِلْمِهِ.
وَإِذَا كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إِلَى خِدْمَتِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُهَا. قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ وَالشَّيْءُ الَّ
ذِي لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ كِفَايَةٌ لِأَهْلِهِ: فَلَا يُبَاعُ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ: يُبَاعُ.
وَإِذَا كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى النِّكَاحِ فَقَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ -: إِذَا كَانَ مَ
عَ الرَّجُلِ مَالٌ فَإِنْ تَزَوَّجَ بِهِ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ فَضْلٌ، وَإِنْ حَجَّ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَبْرٌ عَنِ التَّزْوِيجِ: تَزَوَّجَ، وَتَرَكَ الْحَجَّ. وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ إِنْ خَشِيَ الْعَنَتَ قَدَّمَ النِّكَاحَ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَا غِنًى بِهِ عَنْهُ فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ.

وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَجِّ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ عِنْدَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، وَلَمْ يَحُجَّ، وَأَبَوَاهُ يَأْمُرَانِهِ بِالتَّزْوِيجِ، قَالَ: يَحُجُّ وَلَا يُطِيعُهُمَا فِي ذَلِكَ، هَكَذَا ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ، ثُمَّ فَصَّلَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْمَدَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ بِوُجُودِ السَّبِيلِ إِلَيْهِ.
وَالْعَنَتُ الْمَخُوفُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَهُوَ نَادِرٌ، وَالْغَالِبُ عَلَى الطِّبَاعِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَلَا يُفَرِّطُ فِيمَا تَيَقَّنَ وُجُوبَهُ بِمَا يَ
شُكُّ فِيهِ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ: قَدَّمَ الْحَجَّ.
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ النِّكَاحَ وَاجِبٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ سُرِّيَّةٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَيْعُهَا، وَاسْتِبْدَالُ مَا هُوَ دُونَهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِيَسْتَفْضِلَ نَفَقَتَهَا.
(فَصْلٌ)
وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَسِيرُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْمَسِيرِ بِأَنْ يَكُونَ يَتَّسِعُ الْوَقْتُ لِلسَّيْرِ وَالْأَدَاءِ. فَلَوْ وَجَدَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّحْرِ بِأَيَّامٍ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ شَهْرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَسِيرُ لِلْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ إِلَّا السَّيْرَ الْمُعْتَادَ وَمَا يُقَارِبُهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَسِيرَ سَيْرًا يُجَاوِزُ الْعَادَةَ، أَوْ يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ تَحْصِيلِ آلَةِ السَّفَرِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا يَجِبُ مَعَهَا مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ مِنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ خَالِيًا مِنَ الْعَوَائِقِ الْمَانِعَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْ يَصُدُّهُ عَنِ الْحَجِّ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَالْأَعْرَابِ وَالْأَكْرَادِ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلَى الْقَوَافِلِ، أَوْ كُفَّارٍ، أَوْ بُغَاةٍ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّعْيُ إِلَى الْحَجِّ. فَإِنْ
أَمْكَنَ قِتَالُهُمْ ... .
وَإِنْ أَمْكَنَ بَذْلُ خُفَارَةٍ لَهُمْ، فَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجِبُ بَذْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا رِشْوَةٌ فَلَا يَلْزَمُ بَذْلُهَا فِي الْعِبَادَةِ كَالْكَثِيرَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُؤْمَنُونَ مَعَ أَخْذِهَا، فَإِنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ مِنْ وَفْدِ اللَّهِ: لَمْ يُؤْمَنْ عَلَى اسْتِحْلَالِ قَتْلِهِمْ، أَوْ نَهْبِهِمْ، أَوْ سَرِقَتِهِمْ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ بَذْلُ الْخُفَارَةِ الْيَسِيرَةِ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ يَقِفُ إِمْكَانُ الْحَجِّ عَلَى بَذْلِهَا، فَلَمْ يَمْتَنِعِ الْوُجُوبُ مَعَ إِمْكَانِ بَذْلِهَا كَالْأَثْمَانِ وَالْأَكْرِيَةِ، وَقَدْ بَذَلَ صُهَيْبٌ لِلْكُفَّارِ جَمِيعَ مَالِهِ الَّذِي بِمَكَّةَ حَتَّى خَلَّوْهُ يُهَاجِرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْ
رِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة: 207].
وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ لَوِ احْتَاجَ أَنْ يَرْشُوَ الْوُلَاةَ لِتَخْلِيَتِهِ، أَوْ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِهِ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]