عرض مشاركة واحدة
  #121  
قديم 18-05-2022, 07:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (121)

من صــ 141 الى صـ
ـ 148




ونفع الابن له إذا لم يأخذه الأب؛ بخلاف نفع المملوك فإنه لمالكه كما أن ماله لو مات لمالكه لا لوارثه. ودل ما ذكره على أنه لا يجوز للرجل أن يطأ حاملا من غيره وأنه إذا وطئها كان كسقي الزرع يزيد فيه وينميه ويبقى له شركة في الولد فيحرم عليه استعباد هذا الولد فلو ملك أمة حاملا من غيره ووطئها حرم استعباد هذا الولد؛ لأنه سقاه؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم {: كيف يستعبده وهو لا يحل له. وكيف يورثه أي يجعله موروثا منه وهو لا يحل له}.
ومن ظن أن المراد: كيف يجعله وارثا. فقد غلط؛ لأن تلك المرأة كانت أمة للواطئ والعبد لا يجعل وارثا إنما يجعل موروثا. فأما إذا استبرئت المرأة علم أنه لا زرع هناك. ولو كانت بكرا أو عند من لا يطؤها ففيه نزاع والأظهر جواز الوطء؛ لأنه لا زرع هناك وظهور براءة الرحم هنا أقوى من براءتها من الاستبراء بحيضة؛ فإن الحامل قد يخرج منها من الدم مثل دم الحيض؛ وإن كان نادرا. وقد تنازع العلماء هل هو حيض أو لا؟ فالاستبراء ليس دليلا قاطعا على براءة الرحم؛ بل دليل ظاهر. والبكارة وكونها كانت مملوكة لصبي أو امرأة أدل على البراءة. وإن كان البائع صادقا وأخبره أنه استبرأها حصل المقصود واستبراء الصغيرة التي لم تحض والعجوز والآيسة في غاية البعد.
ولهذا اضطرب القائلون هل تستبرأ بشهر؟ أو شهر ونصف؟ أو شهرين؟ أو ثلاثة أشهر؟ وكلها أقوال ضعيفة. وابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يستبرئ البكر ولا يعرف له مخالف من الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاستبراء إلا في المسبيات كما قال في سبايا أوطاس: " {لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة} " لم يأمر كل من ورث أمة أو اشتراها أن يستبرئها مع وجود ذلك في زمنه فعلم أنه أمر بالاستبراء عند الجهل بالحال؛ لإمكان أن تكون حاملا. وكذلك من ملكت وكان سيدها يطؤها ولم يستبرئها؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر مثل هذا؛ إذ لم يكن المسلمون يفعلون مثل هذا؛ لا يرضى لنفسه أحد أن يبيع أمته الحامل منه؛ بل لا يبيعها إذا وطئها حتى يستبرئها فلا يحتاج المشتري إلى استبراء ثان. ولهذا لم ينه عن وطء الحبالى من السادات إذا ملكت ببيع أو هبة؛ لأن هذا لم يكن يقع؛ بل هذه دخلت في نهيه صلى الله عليه وسلم {أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره}.
وقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال تعالى في تلك الآية: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} يدل على أن هذا الأجر هو رزقهن وكسوتهن بالمعروف إذا لم يكن بينهما مسمى ترجعان إليه. " وأجرة المثل " إنما تقدر بالمسمى إذا كان هناك مسمى يرجعان إليه كما في البيع والإجارة لما كان السلعة هي أو مثلها بثمن مسمى وجب ثمن المثل إذا أخذت بغير اختياره وكما قال: النبي صلى الله عليه وسلم {من أعتق شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد} فهناك أقيم العبد؛ لأنه ومثله يباع في السوق فتعرف القيمة التي هي السعر في ذلك الوقت وكذلك الأجير والصانع كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعلي {أن يعطي الجازر من البدن شيئا وقال: نحن نعطيه من عندنا} " فإن الذبح وقسمة اللحم على المهدي؛ فعليه أجرة الجازر الذي فعل ذلك وهو يستحق نظير ما يستحقه مثله إذا عمل ذلك؛ لأن الجزارة معروفة ولها عادة معروفة. وكذلك سائر الصناعات: كالحياكة والخياطة والبناء. وقد كان من الناس من يخيط بالأجرة على عهده فيستحق هذا الخياط ما يستحقه نظراؤه وكذلك أجير الخدمة يستحق ما يستحقه نظيره؛ لأن ذلك عادة معروفة عند الناس.
(وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها ... (233)
وسئل:

عن رجل متزوج بامرأة وسافر عنها سنة كاملة؛ ولم يترك عندها شيئا ولا لها شيء تنفقه عليها وهلكت من الجوع فحضر من يخطبها ودخل بها وحملت منه فعلم الحاكم أن الزوج الأول موجود ففرق بينهما ووضعت الحمل من الزوج الثاني؛ والزوج الثاني ينفق عليها إلى أن صار عمر المولود أربع سنين ولم يحضر الزوج الأول ولا عرف له مكان: فهل لها أن تراجع الزوج الثاني؟ أو تنتظر الأول.
فأجاب:
إذا تعذرت النفقة من جهته فلها فسخ النكاح فإذا انقضت عدتها تزوجت بغيره. والفسخ للحاكم؛ فإذا فسخت هي نفسها لتعذر فسخ الحاكم أو غيره: ففيه نزاع.
وأما إذا لم يفسخ الحاكم بل شهد لها أنه قد مات وتزوجت لأجل ذلك ولم يمت الزوج: فالنكاح باطل؛ لكن إذا اعتقد الزوج الثاني أنه صحيح لظنه موت الزوج الأول وانفساخ النكاح أو نحو ذلك فإنه يلحق به النسب؛ وعليه المهر ولا حد عليه؛ لكن تعتد له حتى تنقضي عدتها منه ثم بعد ذلك ينفسخ نكاح الأول إن أمكن وتتزوج بمن شاءت.
وسئل - رحمه الله تعالى -:
عن رجل زوج ابنته لرجل وأراد الزوج السفر إلى بلاده فقال له وكيل الأب في قبول النكاح: لا تسافر إما أن تعطي الحال من الصداق وتنتقل بالزوجة أو ترضي الأب. فسافر ولم يجب إلى ذلك وهو غائب عن الزوجة المذكورة مدة سنة ولم يصل منه نفقة: فهل لوالد الزوجة أن يطلب فسخ النكاح.
فأجاب:
نعم إذا عرضت المرأة عليه فبذل له تسليمها؛ وهي ممن يوطأ مثلها وجب عليه النفقة بذلك؛ فإذا تعذرت النفقة من جهته كان للزوجة المطالبة بالفسخ؛ إذا كان محجورا عليها على وجهين.
(فصل: السبب المأمور به أو المباح لا ينافي وجوب التوكل على الله في وجود السبب)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
فصل:

وأما قوله: " {يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم وكلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم} " فيقتضي أصلين عظيمين:
أحدهما: وجوب التوكل على الله في الرزق المتضمن جلب المنفعة كالطعام ودفع المضرة كاللباس وأنه لا يقدر غير الله على الإطعام والكسوة قدرة مطلقة. وإنما القدرة التي تحصل لبعض العباد تكون على بعض أسباب ذلك؛ ولهذا قال: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم} فالمأمور به هو المقدور للعباد وكذلك قوله: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة} {يتيما ذا مقربة} {أو مسكينا ذا متربة} وقوله: {وأطعموا القانع والمعتر} وقوله: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} وقال: {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} فذم من يترك المأمور به اكتفاء بما يجري به القدر.
ومن هنا يعرف أن السبب المأمور به أو المباح لا ينافي وجوب التوكل على الله في وجود السبب؛ بل الحاجة والفقر إلى الله ثابتة مع فعل السبب؛ إذ ليس في المخلوقات ما هو وحده سبب تام لحصول المطلوب؛ ولهذا لا يجب أن تقترن الحوادث بما قد يجعل سببا إلا بمشيئة الله تعالى؛ فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فمن ظن الاستغناء بالسبب عن التوكل فقد ترك ما أوجب الله عليه من التوكل؛ وأخل بواجب التوحيد ولهذا يخذل أمثال هؤلاء إذا اعتمدوا على الأسباب. فمن رجا نصرا أو رزقا من غير الله خذله الله كما قال علي رضي الله عنه لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه. وقد قال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} وقال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده} وقال: {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون}.
وهذا كما أن من أخذ يدخل في التوكل تاركا لما أمر به من الأسباب فهو أيضا جاهل ظالم؛ عاص لله بترك ما أمره؛ فإن فعل المأمور به عبادة لله. وقد قال تعالى: {فاعبده وتوكل عليه} وقال: {إياك نعبد وإياك نستعين} وقال: {قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب} وقال شعيب عليه السلام {عليه توكلت وإليه أنيب} وقال: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب}. وقال: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} فليس من فعل شيئا أمر به وترك ما أمر به من التوكل بأعظم ذنبا ممن فعل توكلا أمر به وترك فعل ما أمر به من السبب؛ إذ كلاهما مخل ببعض ما وجب عليه وهما مع اشتراكهما في جنس الذنب فقد يكون هذا ألوم وقد يكون الآخر مع أن التوكل في الحقيقة من جملة الأسباب. وقد روى أبو داود في سننه {أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين. فقال المقضي عليه: حسبي الله ونعم الوكيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإن غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل} ".

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان} " ففي قوله صلى الله عليه وسلم " {احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز} " أمر بالتسبب المأمور به وهو الحرص على المنافع. وأمر مع ذلك بالتوكل وهو الاستعانة بالله فمن اكتفى بأحدهما فقد عصى أحد الأمرين ونهى عن العجز الذي هو ضد الكيس.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]