عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24-05-2022, 11:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 809 الى صـ 814
الحلقة (153)



القول في تأويل قوله تعالى :

[ 17 ] الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار .

الصابرين أي : على البأساء والضراء وحين البأس : والصادقين في إيمانهم وأقوالهم ونياتهم : والقانتين المطيعين لله الخاضعين له : والمنفقين أموالهم في سبيل الله تعالى من الأرحام ، والقرابات ، وسد الخلات ، ومواساة ذوي الحاجات : والمستغفرين بالأسحار جمع سحر ( بفتحتين وفتح وسكون ) وهو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر آخر الليل . وتسحر إذا أكل في ذلك الوقت . قال الحرالي : وفي إفهامه تهجدهم في الليل كما قال تعالى : كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون

وقال الرازي : واعلم أن المراد منه من يصلي بالليل ثم يتبعه بالاستغفار والدعاء ، لأن الإنسان لا يشتغل بالدعاء والاستغفار إلا أن يكون قد صلى قبل ذلك . فقوله : والمستغفرين بالأسحار يدل على أنهم كانوا قد صلوا بالليل - انتهى -

وقد روى ابن أبي حاتم أن عبد الله بن عمر كان يصلي من الليل ، ثم يقول : يا نافع ! هل جاء السحر ؟ فإذا قال : نعم ، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح . وروى ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخر السحر سبعين مرة . وروى ابن جرير عن حاطب قال : سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد وهو يقول : يا رب أمرتني فأطعتك ، وهذا السحر ، فاغفر لي . فنظرت فإذا هو ابن مسعود . وثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن [ ص: 809 ] من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « ينزل ربنا ، تبارك وتعالى ، كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر . يقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ » وفي رواية لمسلم : « ثم يبسط يديه تبارك وتعالى ويقول : من يقرض غير عدوم ولا ظلوم » . وفي رواية : « حتى ينفجر الفجر » .

قال الحافظ ابن كثير : وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدارقطني في ذلك جزءا على حدة ، فرواه من طرق متعددة . ويروى أن بعض الصالحين قال لابنه : يا بني ! لا يكن الديك أحسن منك ، ينادي بالأسحار وأنت نائم ، والحكمة في تخصيص الأسحار كونه وقت غفلة الناس عن التعرض للنفحات الرحمانية ، والألطاف السـبحانية ، وعند ذلك تكون العبادة أشق ، والنية خالصة ، والرغبة وافرة ، مع قربه ، تعالى وتقدس ، من عباده . قال السيوطي : في الآية فضيلة الاستغفار في السحر ، وأن هذا الوقت أفضل الأوقات . وقال الرازي : واعلم أن الاستغفار بالسحر له مزيد أثر في قوة الإيمان ، وفي كمال العبودية .

الأول : أن وقت السحر يطلع نور الصبح بعد أن كانت الظلمة شاملة للكل ، وبسبب طلوع نور الصبح كان الأموات يصيرون أحياء ، فهناك وقت الجود العام ، والفيض التام ، فلا يبعد أن يكون عند طلوع صبح العالم الكبير يطلع صبح العالم الصغير ، وهو ظهور نور جلال الله تعالى في القلب .

والثاني : أن وقت السحر أطيب أوقات النوام ، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة وأقبل على العبودية ، كانت الطاعة أكمل .

والثالث : نقل عن ابن عباس : والمستغفرين بالأسحار يريد المصلين صلاة الصبح ، انتهى .

وهذا الثالث : أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم ، وعليه ، فإنما سميت الصلاة استغفارا لأنهم طلبوا بفعلها المغفرة .

لطيفة :

قال الزمخشري : الواو المتوسطة بين الصفات ، للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها .

[ ص: 810 ]

القول في تأويل قوله تعالى :

[ 18 ] شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم .

شهد الله أنه لا إله إلا هو أي : علم ، وأخبر ، أو قال أو بين أنه لا معبود حقيقي سوى ذاته العلية . وشهد بذلك : والملائكة وأولو العلم بالإقرار ، وهذه مرتبة جليلة للعلماء ، لقرنهم في التوحيد بالملائكة المشرفين ، بعطفهم على اسم الله - عز وجل - : قائما بالقسط أي : بالعدل في أحكامه : لا إله إلا هو كرره تأكيدا ، وليبني عليه قوله : العزيز فلا يرام جنابه عظمة : الحكيم فلا يصدر عنه شيء إلا على وفق الاستقامة - كذا في ( جامع البيان ) - .

وقال في ( الانتصاف ) : هذا التكرار لما قدمته في نظيره مما صدر الكلام به إذا طال عهده ، وذلك أن الكلام مصدر بالتوحيد ، ثم أعقب التوحيد تعداد الشاهدين به ، ثم قوله : قائما بالقسط وهو التنزيه . فطال الكلام بذلك ، فجدد التوحيد تلو التنزيه ، ليلي قوله : إن الدين عند الله الإسلام ولولا هذا التجديد لكان التوحيد المتقدم ، كالمنقطع في الفهم مما أريد إيصاله به . والله أعلم .

لطيفة :

قال الرازي : فإن قيل : المدعي للوحدانية هو الله ، فكيف يكون المدعي شاهدا ؟

الجواب : من وجوه :

الأول : وهو أن الشاهد الحقيقي ليس إلا الله ، وذلك لأنه تعالى هو الذي خلق الأشياء وجعلها دلائل على توحيده ، ولولا تلك الدلائل لما صحت الشهادة . ثم بعد نصب تلك الدلائل ، هو الذي وفق العلماء لمعرفة تلك الدلائل ، ولولا تلك الدلائل التي نصبها الله تعالى وهدى إليها لعجزوا عن التوصل بها إلى معرفة الوحدانية . ثم بعد حصول العلم بالوحدانية ، فهو تعالى وفقهم حتى أرشدوا غيرهم إلى معرفة التوحيد . وإذا كان [ ص: 811 ] الأمر كذلك ، كان الشاهد على الوحدانية ليس إلا الله وحده ، ولهذا قال : قل أي شيء أكبر شهادة قل الله ثم ساق بقية الوجوه فانظره .

وقال العارف الشعراني ، قدس سره ، في كتاب ( الجواهر والدرر ) : سألت أخي أفضل الدين : لم شهد الحق تعالى لنفسه بأنه لا إله إلا هو ؟ فقال - رضي الله عنه - : لينبه عباده على غناه عن توحيدهم له ، وأنه هو الموحد نفسه بنفسه . فقلت له : فلم عطف الملائكة على نفسه دون غيرهم ؟ فقال : لأن علمهم بالتوحيد لم يكن حاصلا من النظر في الأدلة كالبشر ، وإنما كان علمهم بذلك حاصلا من التجلي الإلهي ، وذلك أقوى العلوم وأصدقها ، فلذلك قدموا في الذكر على أولي العلم . وأيضا فإن الملائكة واسطة بين الحق وبين رسله ، فناسب ذكرهم في الوسط . فاعلم ذلك ، انتهى .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 19 ] إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب

إن الدين عند الله الإسلام جملة مستأنفة مؤكدة للأولى ، أي : لا دين مرضيا لله تعالى سوى الإسلام الذي هو التوحيد والتدرع بالشريعة الشريفة - قاله أبو السعود - وفي الأخرى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين وما اختلف الذين أوتوا الكتاب مطلقا ، أو اليهود ، في دين [ ص: 812 ] الإسلام : إلا من بعد ما جاءهم العلم أي : إلا بعد أن علموا بأنه الحق الذي لا محيد عنه . ولم يكن اختلافهم لشبهة عندهم ، بل : بغيا بينهم أي : حسدا كائنا بينهم ، وطلبا للرئاسة . وهذا تشنيع عليهم إثر تشنيع : ومن يكفر بآيات الله المنزلة : فإن الله سريع الحساب قائم مقام جواب الشرط ، علة له . أي : فإنه تعالى يجازيه ويعاقبه على كفره عن قريب . فإنه سريع الحساب .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 20 ] فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد .

فإن حاجوك في الدين وجادلوك فيه بعد إقامة تلك الآيات : فقل أسلمت وجهي لله أي : انقدت لآياته المنزلة ، وأخلصت نفسي وعبادتي له ، لا أشرك فيها غيره . قال أبو السعود : وإنما عبر عن النفس بالوجه ؛ لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والمشاعر ، ومجمع معظم ما يقع به العبادة من السجود والقراءة ، وبه يحصل التوجه إلى كل شيء : ومن اتبعن عطف على الضمير المتصل .

لطيفة :

هل قوله تعالى : فقل أسلمت وجهي لله إعراض على المحاجة أو هو محاجة وإظهار للدليل ؟ فمن قائل بالأول ، وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد أظهر لهم الحجة على صدقه قبل نزول هذه الآية مرارا وأطوارا ، فإن هذه السورة مدنية ، وكان قد أظهر لهم المعجزات الجمة بالقرآن وغيره . فبعد هذا قال : فإن حاجوك فقل أسلمت إلخ . يعني إنا بالغنا في تقرير الدلائل وإيضاح البينات ، فإن تركتم الأنف والحسد وتمسكتم بها كنتم مهتدين . وإن أعرضتم ، فإن الله [ ص: 813 ] تعالى من وراء مجازاتكم . وهذا التأويل طريق معتاد في الكلام . فإن المحق إذا ابتلي بالمبطل اللجوج ، وأورد عليه الحجة حالا بعد حال ، فقد يقول في آخر الأمر : أما أنا ومن اتبعني فمنقادون للحق مستسلمون له ، مقبلون على عبودية الله تعالى ، فإن وافقتم واتبعتم الحق الذي أنا عليه بعد هذه الدلائل التي ذكرتها فقد اهتديتم ، وإن أعرضتم فإن الله بالمرصاد .

فهذا طريق قد يذكره المحتج المحق مع المبطل المصر في آخر كلامه . ومن قائل بالثاني ، أعني : أنه محاجة . وفي كيفية الاستدلال منها ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني ، وهو أن اليهود والنصارى وعبدة الأوثان كانوا مقرين بتعظيم إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ، والإقرار بأنه كان محقا في قوله ، صادقا في دينه . فأمر الله تعالى محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن يتبع ملته فقال : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ثم إنه تعالى أمر محمدا - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموضع أن يقول كقول إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين فقول محمد - صلى الله عليه وسلم - : أسلمت وجهي كقول إبراهيم عليه السلام : وجهت وجهي أي : أعرضت عن كل معبود سوى الله تعالى ، وقصدته بالعبادة ، وأخلصت له . فتقدير الآية كأنه تعالى قال : فإن نازعوك يا محمد في هذه التفاصيل فقل : أنا مستمسك بطريقة إبراهيم وأنتم معترفون بأن طريقته حقة ، بعيدة عن كل شبهة وتهمة . فكان هذا من باب التمسك بالالتزامات ، وداخلا تحت قوله : وجادلهم بالتي هي أحسن - نقله الرازي - : وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أي : الذين [ ص: 814 ] لا كتاب لهم ، كمشركي العرب : أأسلمتم لهذه الآيات كما أسلمت ، أم أنتم بعد على الكفر . قال الزمخشري : يعني : أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ، ويقتضي حصوله لا محالة ، فهل أسلمتم ، أم أنتم بعد على كفركم ؟ وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ، ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا إلا سلكته : هل فهمتها ؟ ومنه قوله عز وعلا : فهل أنتم منتهون بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر . وفي هذا الاستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف ، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق ، وللمعاند بعد تجلي الحجة ما يضرب أسدادا بينه وبين الإذعان . وكذلك في : ( هل فهمتها ) توبيخ بالبلادة وقلة القريحة . وفي : فهل أنتم منتهون بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه . انتهى فإن أسلموا فقد اهتدوا أي : خرجوا من الضلال فنفعوا أنفسهم : وإن تولوا عن هداك وهديك : فإنما عليك البلاغ أي : تبليغ آيات الله ، لا الإكراه إذا عاندوك ، إذ ليس عليك هداهم : والله بصير بالعباد وعد ووعيد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]