عرض مشاركة واحدة
  #154  
قديم 24-05-2022, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,725
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 815 الى صـ 820
الحلقة (154)


قال ابن كثير : وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته صلوات الله وسلامه عليه إلى جميع الخلق ، كما هو معلوم من دينه ضرورة ، وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث . فمن ذلك قوله تعالى : قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا وقال تعالى : تبارك الذي نـزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وفي [ ص: 815 ] الصحيحين وغيرهما مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث كتبه يدعو إلى الله ملوك الآفاق ، وطوائف بني آدم ، من عربهم وعجمهم ، كتابيهم وأميهم ، امتثالا لأمر الله له بذلك . [ ص: 816 ] وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « والذي نفسي بيده ! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أهل النار » . رواه مسلم . وقال - صلى الله عليه وسلم - : « بعثت إلى الأحمر والأسود » . وقال : « كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة » . إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث .

[ ص: 817 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 21 ] إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم

إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وهم اليهود . قتلوا زكريا وابنه يحيى عليهما السلام ، وقتلوا حزقيال عليه السلام ، قتله قاض يهودي لما نهاه عن منكر فعله ، وزعموا أنهم قتلوا عيسى ابن مريم عليهما السلام . ولما كان المخاطبون راضين بصنيع أسلافهم صحت هذه الإضافة إليهم . وقوله تعالى : بغير حق إشارة إلى أن قتلهم للأنبياء كان بغير حق ، في اعتقادهم أيضا ، فهو أبلغ في التشنيع عليهم : فبشرهم بعذاب أليم
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 22 ] أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين .

أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة أي : بطلت أعمالهم التي عملوها من البر والحسنات في الدارين . أما الدنيا فإبدال المدح بالذم ، والثناء باللعن والخزي ، ويدخل فيه ما ينزل بهم من القتل والسبي وأخذ الأموال منهم غنيمة ، والاسترقاق لهم ، إلى غير ذلك من الذل والصغار الظاهر فيهم . وأما حبوطها في الآخرة ، فإبدال الثواب بالعذاب الأليم وما لهم من ناصرين ينصرونهم من عذاب الله . وقد دلت الآية على عظم حال من يأمر بالمعروف ، وعظم ذنب قاتله ، لأنه قرن ذلك بالكفر بالله تعالى ، وقتل الأنبياء .

قال الحاكم : وتدل على صحة ما قيل : إنه يأمر بالمعروف وإن خاف على نفسه . وأن ذلك يكون أولى لما فيه من إعزاز الدين . ففي الحديث : « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر » .

[ ص: 818 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 23 ] ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون

ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب التوراة . والمراد بهم أحبار اليهود : يدعون إلى كتاب الله وهو القرآن : ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم استبعاد لتوليهم بعد علمهم أن الرجوع إلى كتاب الله واجب ، إذ قامت عليهم الحجج الدالة على تنزيله : وهم معرضون حال من فريق ، أي : معرضون عن قبول حكمه . أو اعتراض ، أي : وهم قوم ديدنهم الإعراض عن الحق ، والإصرار على الباطل . ومن المفسرين من حمل قوله : يدعون إلى كتاب الله على التوراة ، وأن الآية إشارة إلى قصة تحاكم اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لما زنا منهم اثنان ، فحكم عليهما بالرجم ، فأبوا وقالوا : لا نجد في كتابنا إلا التحميم ، فجيء بالتوراة فوجد فيها الرجم ، فرجما ، فغضبوا ، فشنع عليهم بهذه الآية . والله أعلم .

[ ص: 819 ] قال بعض المفسرين : وللآية ثمرتان :

الأولى : أن من دعي إلى كتاب الله وإلى ما فيه من شرع وجب عليه الإجابة . وقد قال العلماء رضي الله عنهم : يستحب أن يقول سمعا وطاعة ، لقوله تعالى : إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون

الثمرة الثانية : أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - رجم اليهوديين ، ونزلت الآية مقررة له . انتهى . أي : على القول بذلك ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 24 ] ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون

ذلك إشارة إلى التولي والإعراض : بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات أي : بسبب تسهيلهم أمر العقاب على أنفسهم : وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون من قولهم ذلك ، وفي التعبير بالغرور والافتراء إعلام بأن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل وتطمع بما لا يكون . ثم رد قولهم المذكور ، وأبطل ما غرهم باستعظام ما أعد لهم ، وتهويله ، وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم في دفعه بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 25 ] فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون

فكيف يصنعون ، وكيف تكون حالتهم : إذا جمعناهم ليوم أي : في يوم : [ ص: 820 ] لا ريب فيه أي : لا شك ، وهو يوم القيامة : ووفيت كل نفس ما كسبت أي : جزاء ما عملت من خير أو شر : وهم لا يظلمون الضمير لكل نفس على المعنى ، لأنه في معنى كل إنسان . أي : لا يظلمون بزيادة عذاب ، أو بنقص ثواب ، ثم علم تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - كيف يدعوه ويمجده بقوله : القول في تأويل قوله تعالى :

[ 26 ] قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير .

قل اللهم مالك الملك أي : مالك جنس الملك على الإطلاق ملكا حقيقيا بحيث تتصرف فيه كيفما تشاء : إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة وتعذيبا وإثابة ، من غير مشارك ولا ممانع : تؤتي الملك من تشاء بيان لبعض وجوه التصرف الذي تستدعيه مالكية الملك ، وتحقيق لاختصاصها به تعالى حقيقة ، وكون مالكية غيره بطريق المجاز ، كما ينبئ عنه إيثار ( الإيتاء ) الذي هو مجرد الإعطاء على ( التمليك ) المؤذن بثبوت المالكية حقيقة - أفاده أبو السعود - . وفي التعبير بـ ( من ) العامة للعقلاء إشعار بمنال الملك من لم يكن من أهله ، وأخص الناس بالبعد منه العرب ، ففيه إشعار بأن الله ينول ملك فارس والروم العرب ، كما وقع منه ما وقع ، وينتهي منه ما بقي ، إلى من نال الملك بسببها ، وعن الاستناد إليها ، من سائر الأمم الذين دخلوا في هذه الأمة من قبائل الأعاجم ، وصنوف أهل الأقطار ، حتى ينتهي الأمر إلى أن يسلب الله الملك جميع أهل الأرض بظهور ملك يوم الدين - كذا في البقاعي - : وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]