عرض مشاركة واحدة
  #156  
قديم 25-05-2022, 12:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,320
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 827 الى صـ 832
الحلقة (156)

وزاد الحق غموضا وخفاء أمران :

أحدهما : خوف العارفين ، مع قلتهم ، من علماء السوء وسلاطين الجور ، وشياطين الخلق ، مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن وإجماع أهل الإسلام . وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق ، ولا برح المحق عدوا لأكثر الخلق . وقد صح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال في ذلك العصر الأول : حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين ، فأما أحدهما : فبثثـته في الناس ، وأما الآخر : فلو بثثـته لقطع هذا البلعوم . وما زال الأمر في ذلك [ ص: 827 ] يتفاحش . وقد صرح الغزالي بذلك في خطبة ( المقصد الأسنى ) ولوح بمخالفته أصحابه فيها كما صرح بذلك في شرح ( الرحمن الرحيم ) فأثبت حكمة الله ورحمته ، وجود الكلام في ذلك ، وظن أنهم لا يفهمون المخالفة ، لأن شرح هذين الاسمين ليس هو موضع هذه المسألة ، ولذلك طوى ذلك ، وأضرب عنه في موضعه ، وهو اسم الضار كما يعرف ذلك أذكياء النظار .

وأشار إلى التقية الجويني في مقدمات ( البرهان ) في مسألة قدم القرآن . والرازي في كتابه المسمى بـ ( الأربعين في أصول الدين ) إلى آخر ما ساقه المرتضي فانظره .

ويحذركم الله نفسه أي : ذاته المقدسة ، فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه ، وموالاة أعدائه . وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهي في القبح ، وذكر النفس ، ليعلم أن المحذر منه عقاب يصدر منه تعالى ، فلا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة : وإلى الله المصير أي : المنقلب والمرجع ليجازي كل عامل بعمله .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 29 ] قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير

قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قديرهذا توعد . وأراد إخفاء مودة الكفار وموالاتهم وإظهارها . أو تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - . أو الكفر . وفي هذه الآية تنبيه منه تعالى لعباده على خوفه وخشيته لئلا يرتكبوا ما نهى عنه ، فإنه عالم بجميع أمورهم وقادر على معاجلتهم بالعقوبة ، وإن أنظر من أنظر منهم فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر ، ولهذا قال بعد هذا :

[ ص: 828 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 30 ] يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد .

يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا بصور تناسبه ، أو في صحف الملائكة ، أو المعنى : جزاء ما عملت : ( و ) تجد : ( ما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه ) أي : عملها السوء : أمدا بعيدا أي : غاية بعيدة لا يصل أحدهما إلى الآخر ، وتود في موضع الحال . والتقدير : وتجد ما عملت من سوء محضرا ، وادة ذلك ويحذركم الله نفسه كرره ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه كذا في ( الكشاف ) .

وقال أبو السعود : تكرير لما سبق وإعادة له ، لكن لا للتأكيد فقط ، بل لإفادة ما يفيده قوله - عز وجل - : والله رءوف بالعباد من أن تحذيره تعالى من رأفته بهم ، ورحمته الواسعة ، أو أن رأفته بهم لا تمنع تحقيق ما حذرهموه من عقابه ، وأن تحذيره ليس مبنيا على تناسي صفة الرأفة ، بل هو متحقق مع تحققها .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 31 ] قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم

قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قال ابن كثير : هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة المحمدية ، فإنه كاذب في دعواه تلك ، حتى يتبع الشرع المحمدي في جميع أقواله وأفعاله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » .

[ ص: 829 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 32 ] قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين .

قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا أعرضوا عن الطاعة : فإن الله لا يحب الكافرين
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 33 ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين .

إن الله اصطفى أي : اختار بالنبوة : آدم فخلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه الجنة ، ثم أهبطه منها عما له في ذلك من الحكمة : ( و ) واصطفى : ( نوحا ) فجعله أول رسول إلى أهل الأرض ، لما عبد الناس الأوثان وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ، ونجى من اتبعه في السفينة وأغرق من عصاه : ( و ) اصطفى : آل إبراهيم أي : عشيرته وذوي قرباه ، وهم إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما الذين من جملتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأما اصطفاء نفسه عليه الصلاة والسلام فمفهوم من اصطفائهم بطريق الأولوية . وعدم التصريح به للإيذان بالغنى عنه لكمال شهرة أمره في الخلة ، وكونه إمام الأنبياء وقدوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وكون اصطفاء آله بدعوته بقوله : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم الآية . ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : « أنا دعوة أبي إبراهيم » ( و ) اصطفى : ( آل عمران ) إذ جعل فيهم عيسى عليه الصلاة والسلام الذي أوتي البينات ، وأيد بروح القدس ، والمراد بعمران هذا : والد مريم أم عيسى عليهما السلام : على العالمين أي : عالمي زمانهم . أي : [ ص: 830 ] اصطفى كل واحد منهم على عالمي زمانه . قال السيوطي في ( الإكليل ) : يستدل بهذه الآية على تفضيل الأنبياء على الملائكة لدخولهم في العالمين .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 34 ] ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .

ذرية أي : نسلا . نصب على البدلية من الآلين ، أو على الحالية منهما .

لطيفة :

الذرية مثلثة ، ولم تسمع إلا غير مهموزة . اسم لنسل الثقلين . وقد تطلق على الآباء والأصول أيضا . قال الله تعالى : وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون

قال الصاغاني : وفي اشتقاقها وجهان : أحدهما : أنها من الذرء ووزنها فعولة أو فعيلة . والثاني : أنها من الذر بمعنى التفريق ، لأن الله ذرهم في الأرض . ووزنها فعيلة أو فعولة أيضا . وأصلها : ذرورة ، فقلبت الراء الثالثة ياء كما في : تقضت العقاب . كذا في القاموس وشرحه .

[ ص: 831 ] بعضها من بعض في محل النصب على أنه صفة لذرية . أي : اصطفى الآلين ، حال كونهم ذرية متسلسلة البعض من البعض في وراثة الاصطفاء والله سميع لأقوال العباد : عليم بضمائرهم وأفعالهم . وإنما يصطفي من خلقه من يعلم استقامته قولا وفعلا . ونظيره قوله تعالى : الله أعلم حيث يجعل رسالته وقوله : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 35 ] إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم .

إذ قالت امرأت عمران في حيز النصب على المفعولية ، بفعل مقدر على طريقة الاستئناف لتقرير اصطفاء آل عمران ، وبيان كيفيته . أي : اذكر لهم وقت قولها... إلخ . وامرأة عمران هذه هي أم مريم عليها السلام .

فائدة :

قال العلامة النوري في ( غيث النفع ) : امرأت عمران رسمت بالتاء ، وكل ما في كتاب الله جل ذكره من لفظ امرأة فبالهاء . سبعة مواضع ، هذا الأول ، والثاني والثالث بيوسف امرأت العزيز تراود امرأت العزيز الآن والرابع بالقصص (امرأت [ ص: 832 ] فرعون ) والخامس والسادس والسابع بالتحريم امرأت نوح وامرأت لوط و امرأت فرعون فلو وقف عليها ، فالمكي والنحويان يقفون بالهاء ، والباقون بالتاء . انتهى .

رب إني نذرت لك ما في بطني محررا أي : مخلصا للعبادة ، عن الشعبي . أو خادما يخدم في متعبداتك ، حرره جعله نذيرا في خدمة المعبد ما عاش ، لا يسعه تركه في دينه عن الزجاج . وفي الآية دلالة على صحة نذر الأم بولدها ، وأن للأم الانتفاع بالولد الصغير لمنافع نفسها ، لذلك جعلته للغير . والمعنى : نذرته وقفا على طاعتك ، لا أشغله بشيء من أموري . قال أبو منصور في ( التأويلات ) : جعلت ما في بطنها لله خالصا ، لم تطلب منه [ ص: 833 ] الاستئناس به ، ولا ما يطمع الناس من أولادهم ، وذلك من الصفوة التي ذكر - عز وجل - وهكذا الواجب على كل أحد إذا طلب ولدا أن يطلب للوجه الذي طلبت امرأة عمران وزكريا حيث قال : رب هب لي من لدنك ذرية طيبة وما سأل إبراهيم : رب هب لي من الصالحين وكقوله : والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما هكذا الواجب أن يطلب الولد ، لا ما يطلبون من الاستئناس والاستنصار والاستعانة بأمر المعاش بهم . انتهىفتقبل مني إنك أنت السميع العليم أي : تقبل مني قرباني وما جعلت لك خالصا ، والتقبل أخذ الشيء على وجه الرضا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.06%)]