
24-05-2022, 11:22 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,316
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 845 الى صـ 850
الحلقة (159)
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 46 ] ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين
ويكلم الناس في المهد في محل النصب على الحال : وكهلا عطف عليه بمعنى ويكلم الناس ، حال كونه طفلا وكهلا ، كلام الأنبياء من غير تفاوت بين الحالتين ، وذلك لا شك أنه غاية في المعجز . وفي ذلك بشارة ببقائه إلى أن يصير كهلا . والمهد : الموضع الذي يهيأ للصبي ويوطأ لينام فيه . والكهل : من وخطه الشيب ، أو من جاوز الثلاثين إلى [ ص: 845 ] الأربعين أو الخمسين . قال ابن الأعرابي : يقال للغلام مراهق ، ثم محتلم ، ثم يقال : تخرج وجهه ، ثم اتصلت لحيته ، ثم مجتمع ، ثم كهل ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة . قال الأزهري : وقيل له كهل حينئذ : لانتهاء شبابه وكمال قوته . وقوله تعالى : ومن الصالحين قال ابن جرير : يعني : من عدادهم وأوليائهم ؛ لأن أهل الصلاح بعضهم من بعض في الدين والفضل .
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 47 ] قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
قالت مخاطبة لله الذي بعث إليها الملائكة : رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر أي : لست بذات زوج : قال كذلك أي : على الحالة التي أنت عليها من عدم مس البشر : الله يخلق ما يشاء ولا يحتاج إلى سبب ، ولا يعجزه شيء ، وصرح ههنا بقوله : ( يخلق ما يشاء ) ولم يقل : ( يفعل ) كما في قصة زكريا ، لما أن الخلق المنبئ عن الإحداث للمكون أنسب بهذا المقام ؛ لئلا يبقى لمبطل شبهة ، وأكد ذلك بقوله :
إذا قضى أمرا من الأمور أي : أراد شيئا كما في قوله تعالى : إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون من غير تأخر ولا حاجة إلى سبب كقوله : وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر أي : إنما نأمر مرة واحدة لا تثنية فيها فيكون ذلك الشيء سريعا كلمح البصر . وتقدم الكلام على هذه الآية في سورة البقرة .
[ ص: 846 ]
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 48 ] ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل
ويعلمه الكتاب أي : الكتابة أو جنس الكتب الإلهية : والحكمة أي : تهذيب الأخلاق : والتوراة والإنجيل إفرادهما بالذكر على تقدير كون المراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة ، لزيادة فضلهما وإنافتهما على غيرهما .
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 49 ] ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين
ورسولا إلى بني إسرائيل منصوب بمضمر يقود إليه المعنى ، معطوف على ( يعلمه ) أي : ويجعله رسولا إلى جميع الإسرائيليين . وقيل : معطوف على الأحوال السابقة : أني قد جئتكم معمول لـ ( رسولا ) لما فيه من معنى النطق . أي : رسولا ناطقا بأني قد جئتكم : بآية من ربكم التنوين للتفخيم دون الوحدة لظهور تعددها ، والجار متعلق بمحذوف وقع حالا أي : متلبسا ومحتجا بآية : أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه الضمير للكاف ، أي : في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير : فيكون طيرا حقيقيا ذا حياة : بإذن الله أي : أمره ، لا باستقلال مني : وأبرئ الأكمه الذي ولد أعمى : والأبرص المبتلى بالبرص ، وهو بياض يظهر في البشرة لفساد مزاج . وفي ( الإكليل ) : هذه الآية أصل لما يقوله الأطباء : إن الأكمه - الذي ولد أعمى - والأبرص لا يمكن برؤهما ، كإحياء الموتى : وأحيي الموتى بإذن الله لا باستقلال مني . نفيا لتوهم [ ص: 847 ] الألوهية ، فهذه معجزات قاهرة فعلية : وأنبئكم أي : أخبركم : بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم مما لم أعاينه : إن في ذلك لآية أي : دلالة : لكم على صدقي في دعوى الرسالة : إن كنتم مؤمنين مصدقين بآيات الله . وقد ذكر في الإنجيل أنه عليه السلام رد بصر أعميين في كفر ناحوم ، وأعمى في بيت صيدا ، ورجل ولد أعمى في أورشليم ، وشفى عشرة مصابين بالبرص في السامرة ، وأبرأ أبرص في كفر ناحوم ، وأقام ابن الأرملة من الموت في بلدة نايين ، وأحيا ابنة جيروس في كفر ناحوم ، والعازر في بيت عينا .
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 50 ] ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون
ومصدقا حال معطوفة على قوله " بآية " أي : جئتكم بآية ومصدقا : لما بين يدي من التوراة أي : مقررا لهما ومثبتا : ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم قال ابن كثير : فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة ، وهو الصحيح من القولين . ومن العلماء من قال : لم ينسخ منها شيئا ، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ ، وانكشف لهم عن الغطاء في ذلك ، كما قال في الآية الأخرى : ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه والله أعلم . انتهى .
أقول : من البعض الذي أحله عيسى عليه السلام لهم : فعل الخير في السبوت ، وقد كانوا يعتقدون تحريم مطلق عمل يوم السبت ، ولذا لما اجتاز عليه السلام بالإسرائيليين مرة ، أبصر مريضا فسألوه : هل يحل أن يشفي في السبت ؟ فقال لهم عليه السلام : أي إنسان منكم يكون له خروف ، فيسقط في حفرة يوم السبت [ ص: 848 ] ولا يمسكه ويرفعه ؟ والإنسان كم يفضل الخروف ؟ فإذن يحل فعل الخير في السبوت ، ثم أبرأ ذلك المريض - كذا في الإصحاح الثاني عشر ، من الفقرة التاسعة إلى الثالثة عشرة من إنجيل متى - وفيه في الإصحاح الخامس الفقرة السابعة عشرة قول المسيح عليه السلام : لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض بل لأكمل - انتهى - .
وقد اتفقوا على أن المسيح عليه السلام أقام شرائع التوراة كلها ، ثم جاء بولس ومن بعده من الرهبان ، فادعوا أن المسيح عليه السلام فعل ذلك كله ورفعه عنهم ، إذ أكمله وأتمه بفعله إياه . وكفاهم مؤونة العمل بشيء منه ، وأغناهم بشريعته الروحانية ، فنقضوا الناموس الذي جاء لإكماله المسيح . فمما نقضوه إباحة كثير من الحيوانات المحرمة في الناموس الموسوي ، فنسخت حرمتها في الشريعة العيسوية ، وثبتت الإباحة العامة بفتوى بولس ، إذ قال لهم : لا شيء نجس العين ، كما في رسالته إلى أهل رومية . ومما نقضوه تعظيم السبت ، فقد كان حكما أبديا في الشريعة الموسوية ، وما كان لأحد أن يعمل فيه أدنى عمل ، وكان من عمل فيه عملا واجب القتل . ومنه أحكام الأعياد المشروعة في التوراة . ومنه حكم الختان الذي كان أبديا في شريعة إبراهيم عليه السلام وأولاده إلى شريعة موسى ، وقد ختن عيسى عليه السلام ، فنسخ حكمه الرهبان بعده ، كما نسخوا جميع الأحكام العملية للتوراة ، إلا الزنى ، كما بين في ( إظهار الحق ) ، في الباب الثالث في إثبات النسخ ، وقد أسلفنا جملة جليلة في هذا الشأن في سورة البقرة عند قوله تعالى : وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا فانظرها وجئتكم بآية من ربكم كرره تأكيدا ، وليبنى عليه قوله : فاتقوا الله وأطيعون
[ ص: 849 ]
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 51 ] إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا أي : ما آمركم به : صراط مستقيم
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 52 ] فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون
فلما أحس عيسى منهم أي : من بني إسرائيل : الكفر أي : علمه ووجده منهم : قال من أنصاري إلى الله جمع نصير . والجار متعلق بمحذوف وقع حالا ، أي : من أنصاري متوجها إلى الله ملتجئا إليه : قال الحواريون وهم طائفة من بني إسرائيل انتدبت للإيمان بالمسيح عليه السلام فوازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه - جمع حواري - وهو الناصر أو المبالغ في النصرة ، والوزير والخليل والخالص كما في ( التوشيح ) : نحن أنصار الله أي : أنصار دينه ورسوله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون أي : منقادون لرسالتك . ولما أشهدوه عليه السلام أشهدوا الله تعالى الآمر بما أنزل من الإيمان به وبأوامره فقالوا :القول في تأويل قوله تعالى :
[ 53 ] ربنا آمنا بما أنـزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين
ربنا آمنا بما أنـزلت واتبعنا الرسول فأشهدناك على ما نحن عليه من تصديقنا دعواه : فاكتبنا أي : جزاء على إشهادنا إياك : مع الشاهدين أي : مع الذين يشهدون بوحدانيتك . وهم المتقدمون في آية : شهد الله أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأتباعهم .
[ ص: 850 ] لطيفة :
جاء في إنجيل متى في الإصحاح العاشر ما يأتي :
1 - ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف .
2 - وأما أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه : الأول : سمعان ، الذي يقال له بطرس وأندراوسأخوه ، يعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه .
3 - فيلبس وبرثو لماوس ، توما ومتى العشار ، يعقوب بن حلفى ، ولباوس الملقب تداوس .
4 - سمعان القانوي ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه .
وكانوا يسمون رسل عيسى عليه السلام ، لأنه بعثهم إلى الإسرائيليين الضالين يدعونهم إلى الحق الذي جاء به ، فبذلوا الجهد في بثه وانتشاره وإقامته ، إلى أن جاء بولس فسلبهم بخداعه ، دين المسيح الصحيح ، فلم يسمعوا له بعد من خبر ، ولا وقفوا له على أثر ، وطمس لهم رسوم التوراة ، وحلل لهم كل محرم ، كما بين ذلك في غير هذا الموضع .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|