
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثانى
الحلقة (113)
صـ 229 إلى صـ 235
للمعتزلة مثل هذا الكلام، فصارت المعتزلة [وغيرهم من أهل الكلام] (1) يقولون (2) : إنه متناقض في ذلك.
وكذلك سائر أهل السنة والحديث يقولون: إن هذا تناقض (3) ، وإن هذه بقية (4) بقيت عليه من كلام المعتزلة.
وأصل ذلك هو هذا الكلام، وهو موجود في كلام كثير من أصحاب أحمد والشافعي ومالك، وكثير من هؤلاء يخالف الأشعري في مسائل، وقد [وافقه] (5) على الأصل الذي ترجع إليه تلك المسائل، فيقول الناس في تناقضه كما قالوه في تناقض الأشعري، وكما قالوه في تناقض المعتزلة وتناقض الفلاسفة، فما من طائفة فيها نوع يسير من مخالفة السنة المحضة والحديث إلا ويوجد في كلامها من التناقض بحسب ذلك، وأعظمهم تناقضا أبعدهم عن السنة، كالفلاسفة ثم المعتزلة والرافضة.
فلما اعتقد هؤلاء أنهم (6) أثبتوا بهذا الدليل حدوث الجسم، لزم انتفاء ذلك عن الله ; لأن الله قديم ليس بمحدث، فقالت المعتزلة: ما قامت به الصفات فهو جسم ; لأن الصفات أعراض، والعرض لا يقوم
_________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(2) ن، م: تقول.
(3) ن، (فقط) : يقول إن هذا يتناقص.
(4) بقية: ساقطة من (ب) وهي في (ن) ن (أ) ، (م) .
(5) أ: أوقفه، وهو تحريف.
(6) ن (فقط) : فلما اعتقدوه لأنهم، وهو تحريف.
*************************************
إلا بجسم، فنفت الصفات، ونفت أيضا قيام الأفعال الاختيارية به ; لأنها أعراض ولأنها حوادث، فقالت: القرآن مخلوق ; لأن القرآن كلام وهو عرض ; ولأنه يفتقر إلى الحركة وهي حادثة، فلا يقوم إلا بجسم.
وقالت أيضا: إنه لا يرى في الآخرة ; لأن العين لا ترى إلا جسما أو قائما بجسم.
وقالت: ليس [هو] (1) فوق العالم ; لأن ذلك مقام (2) مكان، والمكان لا يكون [به] (3) إلا جسم (4) ، أو ما يقوم بجسم.
وهذا هو المذهب الذي ذكره هذا الإمامي، وهو لم يبسط الكلام فيه، فلذا (5) اقتصرنا (6) على هذا القدر؛ إذ الكلام على ذلك مبسوط في موضع آخر.
فقالت مثبتة الصفات للمعتزلة: أنتم تقولون: إن الله حي عليم قدير، وهذا لا يكون إلا جسما، فإن طردتم قولكم لزم أن يكون الله جسما، وإن قلتم: بل يسمى بهذه الأسماء من ليس بجسم (7) ، قيل لكم: وتثبت هذه الصفات لمن ليس بجسم.
وقالوا لهم أيضا: إثبات حي بلا حياة، وعالم بلا علم، وقادر
_________
(1) هو: ساقطة من (ن) فقط.
(2) مقام: زيادة في (ن) فقط.
(3) به: ساقطة من (ن) فقط.
(4) ن (فقط) : الجسم.
(5) ن، م: فلذلك.
(6) ن (فقط) : اقتصر.
(7) ن (فقط) : تسمى بهذه الأسماء وليس بجسم.
************************************
بلا قدرة، مثل إثبات أسود بلا سواد، وأبيض بلا بياض، وقائم بلا قيام، ومصل بلا صلاة، ومتكلم بلا كلام، وفاعل بلا فعل، وهذا (1) مما يعلم فساده لغة وعقلا.
وقالوا لهم أيضا: أنتم تعلمون أنه حي عالم قادر، وليس كونه حيا هو كونه عالما، ولا كونه عالما هو كونه قادرا.
فهذه المعاني التي تعقلونها وتثبتونها (2) هي الصفات، سواء سميتموها أحكاما أو أحوالا أو معاني أو غير ذلك، فليس الاعتبار بالألفاظ بل بالمعاني المعقولة.
ومن تدبر كلام أئمة المعتزلة والشيعة والفلاسفة نفاة الصفات وجدهم في غاية التناقض، كما تقول الفلاسفة: إنه عاقل (3) ومعقول وعقل، وعاشق ومعشوق وعشق.
ثم يقولون: هذا المعنى هو هذا المعنى، وإن العالم هو العلم، فيجعلون إحدى الصفتين هي الأخرى، ويجعلون الموصوف هو الصفة.
وأيضا، فما يشنع به هؤلاء على أهل السنة هم يقولون به بغير اختيارهم. ومن تدبر كلام أبي الحسين البصري (4) وأمثاله من أئمة المعتزلة، وجد المعاني التي يثبتها (5) هي قول الصفاتية، لكن ليس هذا موضع بسط ذلك؛ إذ الكلام هنا مختصر بحسب هذا المقام، وقد نبهنا
_________
(1) أ، ب: وهذه.
(2) ن، (أ) : يعقلونها ويثبتونها.
(3) ن (فقط) : فاعل، وهو خطأ.
(4) ن، م: أبي الحسن البصري، وهو خطأ.
(5) ن (فقط) : نثبتها، وهو خطأ.
********************************
على أن أهل السنة يقولون (1) بالحق مطلقا، وأنه ما من قول يثبت بشرع (2) وعقل إلا وقد قال به أئمة (3) أهل السنة، وهذا هو المقصود في هذا المقام.
[الوجه السادس وفيه أن أكثر متقدمي الإمامية كانوا مجسمة]
الوجه السادس (4) : أن يقال لهذا الإمامي: أنت قلت: مذهب الإمامية أحقها وأصدقها وأخلصها عن شوائب الباطل ; لأنهم اعتقدوا أن الله هو المخصوص بالأزلية والقدم، وأن [كل] (5) ما سواه محدث ; لأنه واحد (6) وليس بجسم ولا في مكان وإلا لكان محدثا.
وقد تبين أن أكثر [متقدمي] (7) الإمامية كانوا بضد هذا: كهشام بن الحكم، وهشام بن سالم، ويونس (8) بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين، وزراة بن أعين (9)
_________
(1) ن، م: تقول.
(2) ن (فقط) : ثبت بشرع.
(3) ن، م: جمهور.
(4) ن، م: الخامس، وهو خطأ. وبدأ الكلام عن الوجه الخامس في ص 102.
(5) كل: ساقطة من (ن) فقط.
(6) ن (فقط) : أحد.
(7) متقدمي: ساقطة من (ن) فقط.
(8) م (فقط) : ويوسف، وهو خطأ.
(9) ن، م: وزرارة بن أبي أعين، وهو خطأ. وزارة بن أعين بن سنسن رأس الفرقة الزرارية من فوق الرافضة، كان أبوه عبدا روميا لرجل من بني شيبان وكان جده راهبا. قال ابن النديم (الفهرست، ص 220) : " زرارة لقب واسمه عبد ربه. . . أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ومعرفة بالكلام والتشيع " وتوفي زرارة سنة 150. ويقال: إنه كان يقول بإمامة عبد الله بن جعفر ثم صار إلى الائتمام بموسى بن جعفر (الكاظم) . وسيذكر ابن تيمية بعد قليل مقالة للزرارية في أصول الدين نقلا عن الأشعري في المقالات. وانظر عن زرارة الرجال للنجاشي، ص 132 - 133 ; رجال الطوسي، ص 123 - 124، 201، 350 ; الفهرست للطوسي، ص 100 ; الرجال للكشي، ص 88 - 107 ; اللباب لابن الأثير 1/498 ; لسان الميزان 2/473 - 474 ; الأعلام للزركلي 3/75 ; وانظر عن الزرارية مقالات الإسلاميين 1/100، 106 - 107 ; الفرق بين الفرق، ص 43 ; الخطط للمقريزي 2/353 ; الملل والنحل 1/150.
**********************************
وأبي مالك الحضرمي (1) ، وعلي بن ميثم (2) ، وطوائف كثيرين هم
_________
(1) لم أهتد إلى ترجمة مفصلة له ولكن ورد ذكره ضمن أصحاب جعفر الصادق (رجال الطوسي، ص 221) فقال: الضحاك أبو مالك الحضرمي، كوفي وكذا ورد اسمه في أعيان الشيعة 7/110، 111 بدون تفصيلات أخرى. وفي رجال الحلي، ص 90: " الضحاك أبو مالك الحضرمي، كوفي عربي أدراك أبا عبد الله (جعفرا الصادق) عليه السلام. وقال قوم من أصحابنا: روى عنه. وقال آخرون: لم يرو عنه، وروى عن أبي الحسن عليه السلام (موسى الكاظم) ، وكان متكلما ثقة في الحديث ". وسماه النجاشي (الرجال، ص 154) الضحاك بن أبي مالك (كذا وهو تحريف) الحضرمي. وذكر ما نقله عنه الحلي إلا أن فيه: " وله كتاب في التوحيد رواية علي بن الحسن الطاطري " ثم ذكر سند هذه الرواية. وانظر أيضا تنقيح المقال للمامقاني 2/104.
(2) في النسخ الأربع: علي بن متيم، والصواب ما أثبته. وهو علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار، أبو الحسن، لم تذكر كتب التراجم التي بين أيدينا تاريخ مولده أو وفاته، ولكن جاء فيها أنه كان من أصحاب علي بن موسى الرضا (المتوفى سنة 203) ، وأنه أدرك موسى بن جعفر الكاظم (المتوفى سنة 183) قال ابن النديم في " الفهرست " (ص 175) : إنه أول من تكلم في مذهب الإمامة وإنه صنف كتابي " الإمامة " و " الاستحقاق " وانظر ترجمته ومذهبه في: أعيان الشيعة 41/73 ; الرجال للنجاشي، ص 189 - 190 ; رجال الطوسي، ص 383 ; لسان الميزان 4/265 - 966 (وسماه العوفي) ; الفصل لابن حزم 5/39 - 40 (وسماه الصابوني) ; الفرق بين الفرق، ص 43 (وفيه علي بن هيثم، وهو تحريف) ; فرق الشيعة للنوبختي، ص 103.
*************************************
أئمة الإمامية قبل (1) المفيد والطوسي (2) والموسوي والكراجكي (3) .
وقد تقدم أن هذا قول قدماء الإمامية فإن (4) قول المعتزلة إنما حدث فيهم متأخرا، وحينئذ فليست الإمامية كلها على ما ذكرته، ثم إن كان ما ذكرته هو الصواب فشيوخ الإمامية المتقدمون على غير الصواب، وإن كان خطأ فشيوخهم المتأخرون على هذا الخطأ، فقد لزم بالضرورة أن شيوخ الإمامية ضلوا في التوحيد: إما متقدموهم وإما متأخروهم.
[الوجه السابع وفيه عرض لمقالات الرافضة]
الوجه السابع (5) : أن يقال: أنت ذكرت اعتقادا ولم تذكر عليه دليلا (6) : لا شرعيا ولا عقليا. ولا ريب أن الرافضة أجهل وأضل [وأقل] (7) من أن يناظروا علماء السنة، لكن يناظر بعضهم بعضا، كما يتناظرون دائما في المعدوم: هل هو شيء أو ليس بشيء؟
فيقال لهذا الإمامي النافي: أنت لم تقم حجة على شيوخك [الإمامية] (8) القائلين بأن الله في مكان دون مكان، وأنه يتحرك، وأنه تقوم به الحوادث.
قال الأشعري (9) : " واختلفت الروافض (10) في حملة العرش [أيحملون
_________
(1) ن، م: مثل، وهو خطأ.
(2) ن (فقط) : المفيد الطوسي، وهو خطأ.
(3) ب: والحلي، أ: حلي، والصواب ما أثبته. وسبقت ترجمة الأربعة 1/60.
(4) ن، م: وأن.
(5) ن، م: السادس، وهو خطأ.
(6) ن، م: دليلا عليه.
(7) وأقل: ساقطة من (ن) ، (م) .
(8) الإمامية: ساقطة من (ن) فقط.
(9) في مقالات الإسلاميين 1/106، وسنقابل النصوص التالية عليه.
(10) مقالات. .: الرافضة.
*****************************
العرش] (1) أم يحملون البارئ عز وجل؟ وهم فرقتان: فرقة يقال لها: " اليونسية " أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين (2) يزعمون أن الحملة يحملون الباري، واحتج يونس في (3) أن الحملة تطيق حمله وشبههم (4) بالكركي (5) وأن رجليه تحملانه وهما دقيقتان.
وقالت فرقة أخرى: إن الحملة تحمل العرش، والبارئ (6) يستحيل أن يكون محمولا ".
قال الأشعري (7) : " واختلف الروافض في القول بأن الله (8) عالم حي (9) قادر سميع بصير إله. وهم تسع (10) فرق: فالفرقة الأولى منهم: " الزرارية " أصحاب زرارة بن أعين الرافضي يزعمون أن الله لم يزل غير سميع ولا عليم ولا بصير حتى خلق ذلك لنفسه، وهم يسمون التيمية (11) ، ورئيسهم زرارة بن أعين.
_________
(1) أيحملون العرش: ساقطة من (ن) فقط. وفي " مقالات. . ": هل يحملون العرش؟
(2) سبقت ترجمته والكلام عن فرقته 1/73. وانظر أيضا أعيان الشيعة 52/101 - 114 ; الرجال للنجاشي، ص 348 - 349 ; رجال الطوسي، 364، 394 ; الفهرست لابن النديم، ص 220. وفي هامش (أ) أمام هذا الموضوع كتب: " في اعتقاد فرق الشيعة ".
(3) أ، ب: إلى.
(4) أ، ب، م: وشبهتهم، وهو تحريف.
(5) الكركي (على وزن كرسي) نوع من الطير دقيق الرجلين طويلهما.
(6) ن، م: وإن الباري.
(7) المقالات 1/106 - 108. وفي هامش (م) كتب: " قف على اختلاف. الروافض في كون الله تعالى حيا قادرا سميعا بصيرا ".
(8) المقالات: إن الله سبحانه.
(9) عالم حي: ساقطة من (م) فقط.
(10) ن، م: ثمانية، وهو خطأ.
(11) م: الشيمه، وهو تحريف.
***************************************