
27-05-2022, 07:52 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,012
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثالث
الحلقة (118)
صـ344 إلى صـ 367
وذلك أنالذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين،فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا ، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل ، أومنفصل نسخا ، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا كما يطلقون على رفع الحكمالشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا ; لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد ، وهو أنالنسخ في الاصطلاحالمتأخراقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف ، وإنما المراد ما جيء بهآخرا ؛ فالأول غير معمول به ؛ والثاني : هو المعمول به . وهذا المعنى جار في تقييد المطلق ، فإن المطلق متروك الظاهر مع مقيده ،فلا إعمال له في إطلاقه ، بل المعمل هو المقيد ، فكأن المطلق لم يفد معمقيده شيئا فصار مثل الناسخ والمنسوخ ، وكذلك العام مع الخاص ; إذ كان ظاهرالعام يقتضي شمول الحكم لجميع ما يتناوله اللفظ فلما جاء الخاص أخرج حكمظاهر العام عن الاعتبار فأشبه الناسخ المنسوخ إلا أن اللفظ العام لم يهملمدلوله جملة ، وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص ،[ ص: 345 ] وبقيالسائر على الحكم الأول والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق فلما كانكذلك استسهل إطلاق لفظ النسخ في جملة هذه المعاني لرجوعها إلى شيء واحد . ولا بد من أمثلة تبين المراد ، فقد رويعنابن عباسأنه قال في قوله تعالى : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد[ الإسراء : 18 ] : إنه ناسخ لقوله تعالى : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها[ الشورى : 20 ] . وعلى هذا التحقيق تقييد لمطلق إذا كان قوله : نؤته منهامطلقا ، ومعناه مقيد بالمشيئة ، وهو قوله في الآية الأخرى : لمن نريد، وإلا فهو إخبار ، والأخبار لا يدخلها النسخ . [ ص: 346 ] وقال في قوله : والشعراء يتبعهم الغاوونإلى قوله : وأنهم يقولون ما لا يفعلون[ الشعراء : 224 - 226 ] : هو منسوخ بقوله : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا[ الشعراء : 227 ] الآية . قالمكي: وقد ذكر عنابن عباسفي أشياء كثيرة في القرآن فيها حرف الاستثناء أنه قال : منسوخ . قال : وهو مجاز لا حقيقة ; لأن المستثنى مرتبط بالمستثنى منه بينه حرفالاستثناء أنه في بعض الأعيان الذين عمهم اللفظ الأول ، والناسخ[ ص: 347 ] منفصل عن المنسوخ رافع لحكمه ، وهو بغير حرف . هذا ما قال ، ومعنى ذلك أنه تخصيص للعموم قبله ولكنه أطلق عليه لفظ النسخ ، إذ لم يعتبر فيه الاصطلاح الخاص . وقال في قوله تعالى : لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها[ النور : 27 ] إنه منسوخ بقوله : ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة[ النور : 29 ] الآية . وليس من الناسخ والمنسوخ في شيء غير أن قوله : ليس عليكم جناحيثبت أن البيوت في الآية الأخرى إنما يراد بها المسكونة . وقال في قوله : انفروا خفافا وثقالا[ التوبة : 41 ] إنه منسوخ[ ص: 348 ] بقوله : وما كان المؤمنون لينفروا كافة[ التوبة : 122 ] والآيتان في معنيين ولكنه نبه على أن الحكم بعد غزوة تبوك أن لا يجب النفير على الجميع . وقال في قوله تعالى : قل الأنفال لله والرسول[ الأنفال : 1 ] منسوخ بقوله : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسهالآية [ الأنفال : 41 ] ، وإنما ذلك بيان لمبهم في قوله : لله والرسولوقال في قوله : وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء[ الأنعام : 69 ] إنه منسوخ بقوله : وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها[ النساء : 140 ] الآية ، وآية الأنعام خبر من الأخبار والأخبار[ ص: 349 ] لا تنسخ ولا تنسخ . وقال في قوله : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه[ النساء : 8 ] [ ص: 350 ] الآية : إنه منسوخ بآية المواريث . وقال مثلهالضحاكوالسدي،وعكرمة، وقالالحسنمنسوخ بالزكاة ، وقالابن المسيبنسخه الميراث والوصية . والجمع بين الآيتين ممكن لاحتمال [ حمل ] الآية على الندب والمراد بأولي القربى من لا يرث بدليل قوله : وإذا حضرفقيد كما[ ص: 351 ] ترى الرزق بالحضور ، [ فدل أن ] المراد غير الوارثين ، وبينالحسنأن المراد الندب أيضا بدليل آية الوصية والميراث فهو من بيان المجمل والمبهم . وقال هووابن مسعودفي قوله : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء[ البقرة : 284 ] : إنه منسوخ بقوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ البقرة : 286 ] ، مع أن الأخبار لا تنسخ ، وإنما المراد - والله أعلم - ما انطوت عليه النفوس من الأمور الكسبية التي هي في وسع الإنسان ، وبينذلك قوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ البقرة : 286 ] [ ص: 352 ] بدليل أنابن عباسفسر الآية بكتمان الشهادة ; إذ تقدم قوله : [ ص: 353 ] ولا تكتموا الشهادة[ البقرة : 283 ] ثم قال : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللهالآية [ البقرة : 284 ] فحصل أن ذلك من باب[ ص: 354 ] تخصيص العموم ، أو بيان المجمل . وقال في قوله : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ النور : 31 ] : إنه منسوخ بقوله : والقواعد من النساءالآية [ النور : 60 ] وليس بنسخ إنما هو تخصيص لما تقدم من العموم . وعنأبي الدرداء،وعبادة بن الصامتفي قوله تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم[ المائدة : 5 ] أنه ناسخ لقوله : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه[ الأنعام : 121 ] ، فإن كان المراد أن طعامأهل الكتابحلال، وإن لم يذكر اسم الله عليه فهو تخصيص للعموم ، وإن كان المراد أن طعامهمحلال بشرط التسمية فهو أيضا من باب التخصيص ، لكن آية الأنعام هي آيةالعموم المخصوص في الوجه الأول ، وفي الثاني بالعكس . [ ص: 355 ] وقالعطاءفي قوله تعالى : ومن يولهم يومئذ دبره[ الأنفال : 16 ] : إنه منسوخ بقوله : إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين[ الأنفال : 65 ] إلى آخر الآيتين، وإنما هو تخصيص ، وبيان لقوله : ومن يولهمفكأنه على معنى : ومن يولهم وكانوا مثلي عدد المؤمنين ، فلا تعارض ولا نسخ بالإطلاق الأخير . وقال في قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم[ النساء : 24 ] : إنه منسوخ بالنهي عن نكاح المرأة على عمتها ، أو على خالتها ، وهذا من باب تخصيص العموم . [ ص: 356 ] وقالوهب بن منبهفي قوله : ويستغفرون لمن في الأرض[ الشورى : 5 ] : نسختها الآية التي في غافرويستغفرون للذين آمنوا[ غافر : 7 ] . وهذا معناه أن آية غافر مبينة لآية الشورى ; إذ هو خبر محض والأخبار لا نسخ فيها . وقالابن النحاس: " هذا لا يقع فيها ناسخ ولا منسوخ ; لأنه خبر من الله ولكن يجوز أن يكون ،وهب بن منبهأراد أن هذه الآية على نسخة تلك الآية لا فرق بينهما يعني أنهما بمعنى واحد وإحداهما تبين الأخرى " . قال : " وكذا يجب أن يتأول للعلماء ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم إذا كان لما قالوه وجه " . [ ص: 357 ] قال : والدليل على ما قلناه ما حدثناهأحمد بن محمد، ثم أسندعنقتادةفي قوله : ويستغفرون لمن في الأرض[ الشورى : 5 ] قال : للمؤمنين منهم. وعنعراك بن مالكوعمر بن عبد العزيزوابن شهابأن قوله : والذين يكنزون الذهب والفضةالآية [ التوبة : 34 ] منسوخ بقوله : خذ من أموالهم صدقة[ التوبة : 103 ] ، وإنما هو بيان لما يسمى كنزا ، وأن المال إذا أديتزكاته لا يسمى كنزا ، وبقي ما لم يزك داخلا تحت التسمية ، فليس من النسخ فيشيء . وقالقتادةفي قوله : اتقوا الله حق تقاته[ آل عمران : 102 ] : إنه منسوخ بقوله : فاتقوا الله ما استطعتم[ التغابن : 16 ] ، وقالهالربيع بن أنسوالسديوابن زيد، وهذا من الطراز المذكور ; لأن الآيتين مدنيتان ولم[ ص: 358 ] تنزلا إلا بعد تقرير أن الدين لا حرج فيه ، وأن التكليف بما لا يستطاع مرفوع فصار معنى قوله : اتقوا الله حق تقاته[ آل عمران : 102 ] فيما استطعتم ، وهو معنى قوله : فاتقوا الله ما استطعتم[ التغابن : 16 ] فإنما أرادوا بالنسخ أن إطلاق سورة آل عمران مقيد بسورة التغابن . وقالقتادةأيضا في قوله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء[ البقرة : 228 ] : إنه نسخ من ذلك التي لم يدخل بها بقوله : فما لكم عليهن من عدة تعتدونها[ الأحزاب : 49 ] والتي يئست من المحيض والتي لم تحض بعد والحامل بقوله : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهرإلى قوله : أن يضعن حملهن[ الطلاق : 4 ] . وقالعبد الملك بن حبيبفي قوله : اعملوا ما شئتم[ فصلت : 40 ] [ ص: 359 ] وقوله : فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر[ الكهف : 29 ] ، وقوله : لمن شاء منكم أن يستقيم[ التكوير : 28 ] : إن ذلك منسوخ بقوله : وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[ التكوير : 29 ] ، وهذه الآية إنما جاءت في معرض التهديد والوعيد ،وهو معنى لا يصح نسخه فالمراد أن إسناد المشيئة للعباد ليس على ظاهره ، بلهي مقيدة بمشيئة الله سبحانه . وقال في قوله : الأعراب أشد كفرا ونفاقا[ التوبة : 97 ] ، وقوله : ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما[ التوبة : 98 ] إنه منسوخ بقوله : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر[ التوبة : 99 ] الآية ، وهذا من[ ص: 360 ] الأخبار التي لا يصح نسخها والمقصود أن عموم الأعراب مخصوص بمن كفر دون من آمن . وقالأبو عبيد، وغيره إن قوله : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون[ النور : 4 ] [ ص: 361 ] منسوخ بقوله : إلا الذين تابوا من بعد ذلكالآية [ النور : 5 ] . وقد تقدملابن عباسمثله . وقيل في قوله : إن الله يغفر الذنوب جميعا[ الزمر : 53 ] منسوخ بقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك بهالآية [ النساء : 48 ] ، وقوله : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنمالآية [ النساء : 93 ] ، وهذا من باب تخصيص العموم لا من باب النسخ . وفي قوله : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم[ الأنبياء : 98 ] [ ص: 362 ] إنه منسوخ بقوله : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون[ الأنبياء : 101 ] ، وكذلك قوله تعالى : وإن منكم إلا واردها[ مريم : 71 ] منسوخ بها[ ص: 363 ] أيضا ، وهو إطلاق النسخ في الأخبار ، وهو غير جائز . قالمكي: " وأيضا فإن هذا لو نسخ لوجب زوال حكم دخول المعبودين من دون اللهكلهم النار ; لأن النسخ إزالة الحكم الأول ، وحلول الثاني محله ولا يجوززوال الحكم الأول في هذا بكليته إنما زال بعضه فهو تخصيص ، وبيان " . [ ص: 364 ] وفي قوله : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمناتالآية [ النساء : 25 ] إنه منسوخ بقوله : ذلك لمن خشي العنت منكم[ النساء : 25 ] ، وإنما هو بيان لشرط نكاح الإماء المؤمنات . والأمثلة هنا كثيرة توضح لك أن مقصود المتقدمين بإطلاق لفظ النسخ بيان مافي تلقي الأحكام من مجرد ظاهره إشكال وإيهام لمعنى غير مقصود للشارع فهوأعم من إطلاق الأصوليين فليفهم هذا ، وبالله التوفيق . [ ص: 365 ] المسألة الرابعةالقواعد الكلية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات لم يقع فيها نسخ،وإنما وقع النسخ في أمور جزئية بدليل الاستقراء ، فإن كل ما يعود بالحفظعلى الأمور الخمسة ثابت ، وإن فرض نسخ بعض جزئياتها فذلك لا يكون إلا بوجهآخر من الحفظ ، وإن فرض النسخ في بعضها إلى غير بدل فأصل الحفظ باق ; إذ لايلزم من رفع بعض أنواع الجنس رفع الجنس . بل زعم الأصوليون أن الضروريات مراعاة في كل ملة ، وإن اختلفت أوجه الحفظبحسب كل ملة ، وهكذا يقتضي الأمر في الحاجيات والتحسينيات . وقد قال الله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه[ الشورى : 13 ] وقال تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل[ الأحقاف : 35 ] وقال بعد ذكر كثير من الأنبياء عليهم السلام : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ الأنعام : 90 ] وقال تعالى : وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم اللهالآية [ المائدة : 43 ] . [ ص: 366 ] وكثير من الآيات أخبر فيها بأحكام كلية كانت في الشرائع المتقدمة ، وهي في شريعتنا ولا فرق بينهما . وقال تعالى : ملة أبيكم إبراهيم[ الحج : 78 ] . وقال في قصةموسىعليه السلام : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري[ طه : 14 ] وقال : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم[ البقرة : 183 ] وقال : إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة[ القلم : 17 ] وقال : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس[ المائدة : 45 ] إلى سائر ما في ذلك من معاني الضروريات . وكذلك الحاجيات فإنا نعلم أنهم لم يكلفوا بما لا يطاق ، هذا وإن كانوا قدكلفوا بأمور شاقة فذلك لا يرفع أصل اعتبار الحاجيات ، ومثل ذلك التحسينيات ،فقد قال تعالى : أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر[ العنكبوت : 29 ] ، وقوله : فبهداهم اقتده[ الأنعام : 90 ] يقتضي بظاهره دخول محاسن العادات من الصبر على الأذى والدفع بالتي هي أحسن ، وغير ذلك . [ ص: 367 ] وأما قوله : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا[ المائدة : 48 ] ، فإنه يصدق على الفروع الجزئية ، وبه تجتمع معانيالآيات والأخبار ، فإذا كانت الشرائع قد اتفقت في الأصول مع وقوع النسخفيها ، وثبتت ولم تنسخ ، فهي في الملة الواحدة الجامعة لمحاسن الملل أولىوالله تعالى أعلم .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 28-05-2022 الساعة 12:23 AM.
|