عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-05-2022, 07:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,725
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإسلام في مواجهة العلمانية


عوامل انتقال العلمانية إلى العالم الإسلامي:
بدأت فكرة العلمانية تغزو العالم الإسلامي منذ أكثر من قرن من الزمان، لكنها لم تتمكن إلا في بداية القرن العشرين الميلادي، حين طبقت - على مستوى الدولة - على أنقاض الخلافة العثمانية ثم سرت إلى أكثر بلدان العالم الإسلامي، وكانت هناك عدة عوامل رئيسة ساعدت على ظهور انتقال العلمانية إلى العالم الإسلامي أهمها:

(1) انحراف كثير من المسلمين عن العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسُّنة، ومن هنا كثرت البدع والخرافات والشعوذة والأهواء، وقلَّ الفقه في الدين بينهم.

(2) سيطرة الاستعمار العسكري الغربي على معظم العالم الإسلامي.

حرصت الدول الغربية منذ وطئت أقدامها أراضي المسلمين على نشر العلمانية بأكثر من سبيل. وكان أهم مجالات نشرها ووسائلها فيما يلي:

1- في التعليم وله في ذلك أكثر من سبيل أهمها:
(أ) حصر التعليم الديني وحصاره ماديًّا ومعنويًّا.
(ب) البعثات العلمية للأبناء المسلمين إلى الدول غير الإسلامية وحقق ذلك نتائجه المقصودة.
(ج) نشر المدارس الأجنبية في البلاد الإسلامية.
(د) تمييع المناهج الإسلامية باسم التطور.
(هـ) نشر الاختلاط بين الجنسين في مراحل التعليم وقد بدؤوا بها في الجامعات.

2- في الإعلام والإعلام يخاطب الملايين من الناس ببرامجه، وأكثر هذه الملايين ساذجة تؤثر فيها الكلمة مقروءة أو مسموعة أو منظورة.

3- إبعاد الإسلام عن مجال التطبيق.

ومما يدل على دور الاستعمار الغربي في نقل العلمانية إلى البلدان الإسلامية أن أول عمل قام به الإنجليز في الهند هو إلغاء الشريعة الإسلامية، وأول عمل قام به نابليون في مصر هو تعطيل الشريعة الإسلامية، وإحلال القانون الفرنسي محلها، وأول عمل قام به المخطط اليهودي الصليبي في تركيا هو إلغاء الشريعة الإسلامية ثم إعلان تركيا دولة لا دينية.

وأخيرًا غادر المستعمرون ديار المسلمين بعد أن خلفوا على تركتهم ورثة مخلصين؛ ليحافظوا عليها، ولأنهم يتمكنون من العمل في صالحهم أكثر مما يتمكنون هم بأنفسهم.

(3) انتشار حركة المستشرقين والمبشرين(المنصرين) في العالم الإسلامي.
المقصود بالمستشرقين: هم علماء الغرب الذين عكفوا على دراسة كل ما يتعلق بالشرق من عِلْم ولغة وحضارة.

والمقصود بالمبشرين: هم رجال الدين المسيحي الذين يعملون على نشر الديانة المسيحية بين المسلمين.

للمستشرقين والمبشرين (المنصرين) أهدافٌ مشتركة، ولهم وسائل متداخلة، ويمكن القول بأن ميدان المستشرقين الأساسي هو الثقافة والفكر، بينما يركز المبشرون جهودهم في النواحي الاجتماعية والتربوية.

وقد نقل المبشرون (المنصِّرون) العلمانية من خلال نشراتهم وكتبهم، ومن خلال التمثيليات والأفلام، ومن خلال المدارس المختلفة التي بدأت بالأجنبية، ثم كان تأثيرهم على مناهج التعليم الوطنية.

ووسائل المبشرين في هذا المجال كثيرة نذكر منها:
(1) استخدام الطب كوسيلة للتنصير.

(2) استخدام أعمال الخير والخدمات الاجتماعية: كإنشاء ملاجئ للأيتام، ومراكز رعاية اجتماعية للفقراء والمحتاجين.

(3) استخدام الطلبة وعامة الناس في التنصير.

(4) استخدام الرشوة.

(5) استخدام المكتبات والصحافة والنوادي والجمعيات.

(6) الاهتمام بالمرأة المسلمة وذلك بمحاولة إبعادها عن عقيدتها وإغرائها بتقليد المرأة الغربية.

(7) المؤتمرات المشتركة والبعثات الخارجية.

(8) إنشاء الحضانات والمدارس والجامعات الأجنبية.

(9) استخدام القوة أحيانًا.
إلى غير ذلك من الأساليب التي استخدمها المبشرون (المنصرون) في الوصول إلى غاياتهم.

(4) ظهور النزعات القومية وتفكك الدولة العثمانية الإسلامية.

(5) إلغاء الخلافة العثمانية الإسلامية على يد مصطفى كمال أتاتورك في 3 مارس عام 1924؛ (العلمانية وموقف الإسلام منها لحمود الرحيلي صـ373:365)، (دراسات في العلمانية ـ للدكتور عزت أبو بركة صـ396:331).

آثار العلمانية على العالم الإسلامي:
كان لتسرب العلمانية إلى المجتمعات الإسلامية أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم، ويمكن أن نوجز بعض الآثار السيئة التي جنتها المجتمعات الإسلامية من تطبيق العلمانية:

(1) رفض التحاكم إلى كتاب الله تعالى، وإقصاء الشريعة الإسلامية عن كافة مجالات الحياة، والاستعاضة عن ذلك بالقوانين الوضعية المقتبسة عن أنظمة الكفار، واعتبار الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية تخلفًا ورجعية.

(2) جعل التعليم خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك بالطرق التالية:
أ- بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية.

ب- تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن، وتكون في آخر اليوم الدراسي وقد لا تؤثر في تقديرات الطلاب.

ج- منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم وتزييف ضلالاتهم.

د- تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح قصيرة وناقصة لها، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني، أو على الأقل لا تعارضه.

(3) إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد، وصهر الجميع في إطار واحد. فالمسلم والنصراني، واليهودي، والشيوعي، والمجوسي، وغيرهم يتساوون أمام القانون، لا فضل لأحدٍ على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني.

(4) نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية وذلك عن طريق:
أ- القوانين الوضعية التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها.

ب- وسائل الإعلام المختلفة التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة ونشر الرذيلة.

ج- محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات.

إن أعداء الإسلام لم يكتفوا بإبعاد الشريعة الإسلامية عن مجالات الأنظمة السياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية فحسب، بل تمادوا في الاعتداء على أنظمة الأسرة المسلمة، وهذا أمر في غاية الخطورة؛ لأن تلك الأنظمة جاءت ملائمة لطبيعة الإنسان وغرائزه، حتى لا يحيد ويصرف تلك الغرائز في المحرمات.

(5) الدعوة إلى القومية أو الوطنية: وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع من الجنس، أو اللغة، أو التاريخ، أو المكان، أو المصالح المشتركة، أو وحدة الحياة الاقتصادية، على ألا يكون الدين عاملًا من عوامل الاجتماع، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعدُّ عاملًا من عوامل التفرق والشقاق، ولا شك أَنَّ الفكرة القومية أو الوطنية وفدت إلى ديار المسلمين من الغرب، والذي دعا إليها أشخاص ليسوا بمسلمين، ولقد أثارت الدعوة إلى القومية طوائف أخرى تعيش في المنطقة، ودفعتها لأن ترفع نفس الراية، ففي السودان دعا سكان الجنوب إلى بعث القومية الزنجية، وفي الشمال الإفريقي ارتفعت أصوات بقومية بربرية؛ كرد فعل للقومية العربية، وفي العراق دعا سكان الشمال إلى بعث القومية الكردية، وفي الهند ظهر مسلمون يفخرون بالانتساب إلى القومية الهندية، وهكذا كانت الآثار القومية السيئة لا حد لها، وبدل أن تكون طريقا لوحدة عربية شاملة، كما زعم دعاتها، أصبحت من عوامل بث الاضطرابات والتفرق بين الأمة الإسلامية.

(6) الدعوة إلى أخذ الحضارة الغربية دون وعي ولا تمييز.
قام بهذه الفكرة كثيرٌ من دعاة التضليل للأمة الإسلامية عند ضعف المسلمين وتفرقهم، حيث زعموا أن سبيل التقدم والنهضة، هو السير خلف ركاب الغربيين، والأخذ بمنهجهم وطريقتهم في كل شيء، حتى نكون مثلهم في الحضارة الحديثة، بخيرها وشرها، ونتيجة لتلك الدعوات المغرضة من أدعياء الفكر، ذهب كثير من أبناء المسلمين إلى الدول الأوروبية، لإكمال تعليمهم، وغالبًا ما يتأثر هؤلاء الطلاب بعادات الغرب وأفكاره.

(7) الادعاء بأن الشريعة الإسلامية لا تتوافق مع الحضارة الحديثة.
وهذا الزعم جاء نتيجة لاحتكاك أبناء الأمة الإسلامية بالحضارة الغربية الحديثة، فظنوا - جهلًا - أن الإسلام لا يتوافق مع الحياة العصرية، ولا ينسجم مع متطلبات الإنسان في هذا العصر، بل قالوا: إن الشريعة الإسلامية هي السبب في التخلف والرجعية، وأن السبيل إلى التخلص من هذا الداء، والنهوض بالأمة إلى التقدم والحضارة هو نبذ الإسلام وتعاليمه؛ (العلمانية وموقف الإسلام منها لحمود الرحيلي صـ393:387).

مظاهر العلمانية في العالم الإسلامي:
سوف نذكر بعضًا من المظاهر والاتجاهات العِلمانية في العالم العربي والإسلامي:
(1) مصر: دخلت العِلمانية مصر مع حملة نابليون بونابرت عام 1798م، وقد أشار إليها الجبرتي في تاريخه - الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر وأحداثها - بعبارات تدور حول معنى العِلمانية، وإن لم تذكر اللفظة صراحة، أما أول من استخدم هذا المصطلح العلمانية فهو نصراني يُدعى إلياس بُقطر في مُعجم عربي فرنسي من تأليفه سنة 1827م، وأدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي سنة 1883م، وكان هذا الخديوي مفتونًا بالغرب، وكان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوروبا.

(2) الهند: حتى سنة 1791م كانت الأحكام وفق الشريعة الإسلامية ثم بدأ التدرج من هذا التاريخ لإلغاء الشريعة بتدبير الإنجليز، وانتهت تمامًا في أواسط القرن التاسع عشر.

(3) الجزائر: إلغاء الشريعة الإسلامية عقب الاحتلال الفرنسي سنة 1830م.

(4) تونس: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1906م.

(5) المغرب: أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1913م.

(6) تركيا: لبست ثوب العلمانية عقب إلغاء الخلافة واستقرار الأمور تحت سيطرة مصطفى كمال أتاتورك، وإن كانت قد وجدت هناك إرهاصات ومقدمات سابقة.

(7) العراق والشام: ألغيت الشريعة أيام إلغاء الخلافة العثمانية وتم تثبيت أقدام الإنجليز والفرنسيين فيهما.

(8) معظم إفريقيا: فيها حكومات نصرانية امتلكت السلطة بعد رحيل الاستعمار.

(9) إندونيسيا ومعظم بلاد جنوب شرقي آسيا: دول علمانية.

(10) انتشار الأحزاب العلمانية والنزعات القومية: حزب البعث، الحزب القومي السوري، النزعة الفرعونية بمصر، النزعة الطورانية بتركيا، والقومية العربية؛ (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة جـ2 صـ682:681).

حكْم الإسلام في العلمانية:
الإسلام يرفض العلمانية رفضًا قاطعًا، سواء أكانت العلمانية بمعنى فصل الدين عن الحياة، أم بمعنى اللادينية؛ لأنها دعوة ضد الإسلام.

فالدولة في الإسلام ضرورة لا بد منها، وذلك لإنفاذ الأحكام الشرعية، وصيانة الحقوق، ووصول الدين إلى أهدافه وأغراضه في حفظ الدين والنفوس والعقول والأعراض والمال وغيرها.

أمَّا إذا أبعد الإسلام عن الحكم وعطلت صلاحياته، فستصبح كثيرٌ من أحكامه وتشريعاته حبرًا على ورق؛ لأنه لا يمكن تنفيذ تلك الأحكام من قبل الفرد وحده، وذلك كالجهاد في سبيل الله تعالى، وتنفيذ القصاص، وجباية الزكاة، وتأمين الطرق، ونشر الأمن، وفض الخصومات وما شابه ذلك.

إن الإسلام جاء عقيدة تنظم علاقة الناس بربهم، وشريعة تدير جميع شئون الحياة كلها، والدين عند الله تعالى هو الإسلام، والإسلام كما يدلُّ عليه اسمه هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.

وقد شملت أوامر الله ونواهيه الحياة بأسرها، فليس هناك جانب من جوانب الحياة أو شيء من نظمها إلا ولله تعالى فيه حكم، فحياتنا العقدية، والاجتماعية، والتربوية والاقتصادية، والسياسية، وضع لنا أصول التعامل فيها، وفصل لنا بعض جوانبها تفصيلًا؛ قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ (النحل:89).

ويمكن أن نوجز حكْم الإسلام في العلمانية كما يلي:
(1) العلمانية من الجانب العقدي تعني التنكر للدين وعدم الإيمان به، وترك العمل بأحكامه، وحدوده، وهذا كفر صريح.

(2) العلمانية في الجانب التشريعي تعني فصل الدين عن الدولة، أو فصل الدين عن الحياة كلها، وهذا يعني الحكم بغير ما أنزل الله.

وقد فصَّلَ علماء العقيدة الحكْم بهذا على النحو التالي:
(أ) إذا وقع الحكم بغير ما أنزل الله تعالى والحاكم (سواء أكان فردًا أم مجموعة) يرى أن حكم الله غير صالح أو غير جدير، أو أن حكم القوانين أصلح وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس، أو اعتقد أن حكم القوانين مساوية لحكم الله ورسوله، أو اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، ونحو ذلك، فهو كفر اعتقاد مخرجٌ عن الملة، وهو من نواقض الإسلام.

(ب) وإذا وقع الحكم عن جهل، أو ضعف، أو لهوى في نفس صاحبه، أو لغرض دنيوي، مع الاعتقاد بأن حكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أحق وأصلح وأجدر، وأنه أفضل من القوانين الوضعية، فهذا كفرٌ عملي، (لا يُخرج صاحبه عن الإسلام)، وهو فسق وظلم تقام الحجة على صاحبه، ويبين له الحق، ويجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى، ويرجع إليه.

ويدل على ذلك فهم السلف لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة:44).

روى ابنُ جرير الطبري عن ابن عباس قوله: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، قَالَ: مَن جَحَدَ ما أنزلَ اللهُ فقد كَفَرَ، ومَن أقرَّ به ولم يحكم، فهو ظالمٌ فاسقٌ، (إسناده حسن) (تفسير الطبري جـ 10صـ 357حديث 12063).

قال عكرمة (رحمه الله): عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، معناه: ومن لم يحكم بما أنزل اللهُ جاحدًا به فقد كفر، ومن أقرّ به ولم يحكم به فهو ظالمٌ فاسقٌ؛ (تفسير البغوي جـ 3صـ 61).

روى ابنُ جرير الطبري عن طاوس: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، قال: ليس بكفرٍ ينقل عن الملَّة؛ (إسناده صحيح) (تفسير الطبري جـ 10صـ 355حديث 12052).

قال الإمام أبو العز الحنفي (رحمه الله): وَهُنَا أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ يُتَفَطَّنَ لَهُ، وَهُوَ: أَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْصِيَةً: كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَيَكُونُ كُفْرًا: إِمَّا مَجَازِيًّا، وَإِمَّا كُفْرًا أَصْغَرَ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَذَلِكَ بِحَسَبِ حَالِ الْحَاكِمِ: فَإِنَّهُ إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ، أَوِ اسْتَهَانَ بِهِ مَعَ تَيَقُّنِهِ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ -: فَهَذَا كَفْرٌ أَكْبَرُ. وَإِنِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَعَلِمَهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَعَدَلَ عَنْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ، فَهَذَا عَاصٍ، وَيُسَمَّى كَافِرًا كُفْرًا مَجَازِيًّا، أَوْ كُفْرًا أَصْغَرَ. وَإِنْ جَهِلَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهَا، مَعَ بَذْلِ جُهْدِهِ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَأَخْطَأَهُ، فَهَذَا مُخْطِئٌ، لَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ؛ (شرح العقيد الطحاوية لأبي العز الحنفي جـ2صـ45).

ومن المعلوم أن الحكْمَ بما أنزل الله تعالى في الشريعة الإسلامية يعني الحكْم بالكتاب والسُّنة على السواء.

كما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء:59).

(3) العلمانية من الجانب الأخلاقي تعني: الانفلات والفوضى في إشاعة الفاحشة والرذيلة والشذوذ، والاستهانة بالدين والفضيلة، وسنن الهدى، وهذا ضلال مبين وفساد في الأرض، ومن العلمانيين من يرى أن السُّنن والآداب الشرعية والأخلاق الإسلامية إنما هي تقاليد موروثة، وهذا تصور جاهلي منحرف.

العلمانية في حُكْمِ الإسلام دعوةٌ مرفوضةٌ؛ لأنها دعوة إلى حُكْمِ الجاهلية، أي إلى الحكْم بما وضعَ الناسُ، لا بما أنزل اللهُ، واللهُ تعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة:50:48)؛ (العلمانية وموقف الإسلام منها ـ لحمود الرحيلي صـ400:394).

أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصًاَ لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرًَا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين.

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحْبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]