عرض مشاركة واحدة
  #248  
قديم 07-06-2022, 03:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,190
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 302 الى صــــــــ
315
الحلقة (205)



مبحث تعدد الطلاق
-يملك الرجل الحر ثلاث طلقات ولو كان زوجاً لأمة (1) ، ويملك العبد طلقتين ولو كان زوجاً لحرة، فإذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً دفعة واحدة، بأن قال لها: أنت طالق ثلاثاً لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الأربعة، وهو رأي الجمهور.
وخالفهم في ذلك بعض المجتهدين، كطاوس، وعكرمة وابن اسحاق، وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهم، فقالوا: إنه يقع به واحدة لا ثلاث، ودليل ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكري، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم. وهذا الحديث صريح في أن المسألة ليست اجماعية، وهو كذلك فإنه رأي ابن عباس وطاوس وعكرمة، وبعض المجتهدين. ومن القواعد الأصولية المقررة أن تقليد المجتهد ليس واجباً، فلا يجب الأخذ برأي مجتهد بعينه، وحينئذ يجوز تقليد أي مجتهد من مجتهدي الأمة الإسلامية في قول ثبتت نسبته إليه، ومتى ثبت أن ابن عباس قال ذلك فإنه يصح تقليده في هذا الرأي كتقليد غيره من الأئمة المجتهدين على أننا إذا قطعنا النظر عن التقليد ونظرنا إلى الدليل في ذاته فإننا نجده قوياً، لأن الأئمة سلموا جميعاً بأن الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك، ولم يطعن أحد منهم في حديث مسلم، وكل ما احتجوا به أن عمل عمر وموافقة الأكثرين له مبني على ما علموه من أن الحكم كان مؤقتاً إلى هذا الوقت فنسخه عمر بحديث لم يذكره لنا، والدليل على ذلك الإجماع، لأن إجماع الصحابة يومئذ على الرضا بما عمله دليل على أنه أقنعهم بأن لديه مستنداً وليس من الضروري أن نعرف سند الإجماع، كما هو مقرر في الأصول، ولكن الواقع أنه لم يوجد إجماع، فقد خالفهم كثير من المسلمين، ومما لا شك فيه أن ابن عباس من المجتهدين الذين عليهم المعول في الدين، فتقليده جائز، كما ذكرنا، ولا يجب تقليد عمر فيما رآه، لأنه مجتهد وموافقة الأكثرين له لا تحتم تقليده، على أنه يجوز أن يكون قد فعل ذلك لتحذير الناس من ايقاع الطلاق على وجه مغاير للسنة فإن السنة أن تطلق المرأة في أوقات مختلفة على الوجه الذي تقدم بيانه، فمن تجرأ على تطليقها دفعة واحدة فقد خالف السنة، وجزاء هذا أن يعامل بقوله زجراً له.
وبالجملة فإن الذين قالوا: إن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع به واحدة لا ثلاث لهم وجه سديد وهو أن ذلك واقع في عهد الرسول، وعهد خليفته الأعظم أبي بكر. وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه واجتهاد عمر بعد ذلك خالفه فيه غيره، فيصح تقليد المخالف، كما يصح تقليد عمر، والله تعالى لم يكلفنا البحث عن اليقين في الأعمال الفرعية لأنه يكاد يكون مستحيلاً.
أما إذا قيد الطلاق بعدد دون الثلاث. فلا يخلو إما أن يصرح بذلك العدد أو ينويه، وعلى كل إما أن يكون الطلاق صريحاً أو كناية، وفي ذلك كله تفصيل المذاهب (2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: العبرة في عدد الطلاق للنساء فلو تزوج الحر أمة يملك عليها طلقتين فقط لأن الأمة تنقص عن الحرة بواحدة، ولو تزوج العبد حرة، فإنه يملك ثلاث طلقات لأن الحرة لها ثلاث طلقات، فالرجل وإن كان يملك ولكن عدده يختلف بالنسبة للحرة والأمة فللحرة ثلاث ولو كان زوجها رقيقاً، وللأمة ثنتان ولو كان زوجها حراً) .
(2) (الحنفية - قالوا: إذا قيد الطلاق الصريح بعدد صريح فإنه يعامل بذلك العدد، فإذا قال لها: أنت طالق اثنتين لزمه طلقتان بذكر العدد، فلو قال: أنت طالق وسكت، ثم قال: ثلاثاً أو اثنتين، فإن كان سكوته لضيق النفس لزمه العدد، وإن سكت باختياره فإنه لا يلزمه إلا واحدة، ومثل ذلك ما إذا كرر اللفظ بدون ذكر العدد، كما إذا قال لها: أنت طالق طالق فإنه يلزمه بذلك طلاقان متى كانت المرأة مدخولاً بها، أما إذا كانت غير مدخول بها فإنها تقع بها واحدة، لأنها تبين بها، فإذا قال: إنه نوى بالثاني الإخبار عن الأول ولم ينو طلاقاً ثانياً فإنه يصدق ديانة، بمعنى أنه لا يقع طلاق بينه وبين الله، ولكن القاضي لا يصدقه بل يحكم عليه بالطلقتين. ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق، أنت طالق، أو قال لها: قد طلقتك، قد طلقتك. أو قال لها: أنت طالق وقد طلقتك.
ومن هذا يتضح أنه إذا قال لها: أنت طالق طالق طالق، أو قال لها: أنت طالق وطالق وطالق يلزمه ثلاث طلقات قضاء، سواء نوى بذلك طلقة واحدة، أو نوى ثلاثاً ولكن إذا نوى بالطلقة الأولى الطلاق وبالثانية والثالثة إفهامها أنه طلقها فإن بينه وبين الله لا تقع إلا واحدة. والحاصل أنه إذا كرر الطلاق، سواء كرره بالواو، أو بدون واو يتعدد الطلاق قضاء، ولا يسمع منه دعوى أنه نوى بالثاني الأول، ولكن إذا نوى بالثاني الأول فإنه يصح ديانة ولا تقع عليه إلا واحدة بينه وبين الله. فإذا قال لها: طلقتك فأنت طالق، وقال:
إنه نوى بالثاني تفسير الأول يصدق قضاء وديانة، وذلك لأن الفاء موضوعة لذلك، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق واعتدي، فإنه إذا نوى بقوله: اعتدي أمرها بالعدة لزمته واحدة، وإن نوى بها طلقة ثانية لزمته طلقتان رجعيتان، لأن لفظ اعتدي من ألفاظ الكناية التي يقع بها طلاق رجعي، وإن نوى أكثر منها. أو نوى الطلاق البائن، فإن لم ينو شيئاً لزمه طلقتان، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق فاعتدي، فإن لم ينو شيئاً لزمته طلقة واحدة وحملت الثانية على أمرها بالعدة، وإذا جزأ عدد الطلقة بأن قال لها: أنت طالق نصف طلقة. أو ثلثها،أو ربعها أو ثمنها، أو جزءاً من ألف جزء، أو من مائة ألف جزء، وهكذا فإنه يقع به طلقة كاملة فإذا جزأ الطلقة كما إذا قال: أنت طالق نصف ربع سدس طلقة، فإن كان بدون حرف الواو لزمته به طلقة واحدة بشرط أن لا يزيد عدد الأجزاء على واحدة، فإن زاد ولو جزءاً يسيراً حسب الزائد طلقة ثانية.
وإذا أضاف الطلاق إلى ضمير الطلقة وعدد الأجزاء كان الحكم كذلك، مثلاً إذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة وثلثها لزمه طلقة واحدة، لأن مجموع الأجزاء أقل من واحدة، أما إذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وربعها فإنه يلزمه طلقتان، وذلك لأن هذه الأجزاء تزيد نصف سدس عن الواحد، فتقع به طلقة: وقيل: لا يحسب.
هذا إذا أضاف الطلاق إلى الضمير، كما عرفت، أما إذا أضافه إلى الطلقة بأن قال: أنت طالق نصف طلقة، وثلث طلقة، وربع طلقة، فإنه يقع بكل كلمة من هذه الكلمات طلقة، وعلى هذا تطلق منه ثلاثاً، بشرط أن يذكر واو العطف وأن تكون الزوجة مدخولاً بها، فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة بدون ذكر واو العطف وقعت به طلقة واحدة ما لم تزد الأجزاء على واحدة، فإنه يحسب كمل تقدم في صدر العبارة.
والحاصل أن في هذه المسألة أربع صور: الصورة الأولى أن يكون المطلق فقهياً متفلسفاً أو يكون هازلاً، أو يكون حسابياً، فيقول لامرأته: أنت طالق نصف طلقة، أو يذكر لها جزءاً يسيراً كأن يقول لها: أنت طالق جزءاً من مائة ألف من الطلقة، وفي هذه الصورة تطلق منه واحدة.
الصورة الثانية: أن يعدد لها الأجزاء بدون حرف العطف، كأن يقول لها: أنت طالق ثلث طلقة، ربع طلقة، خمس طلقة، وفي هذه الحالة تحسب الأجزاء التي ذكرها، فإن كانت تساوي طلقة أو أقل حسبت طلقة وإن زادت عن طلقة ولو جزءاً يسيراً حسب الزائد طلقة ثانية، وهكذا.
الصورة الثالثة: أن يعدد الأجزاء مضافة إلى الضمير مع ذكر واو العطف أو عدمه، كأن يقول: أنت طالق تطليقة، وثلثها، وخمسها، وربعها، وفي هذه الصورة خلاف، فبعضهم يقول: إذا زادت الأجزاء حسب الزائد واحدة، وبعضهم يقول: لا يحسب، لأن اتحاد المرجع يجعله ناطقاً بالجزء الأول فقط، فلا يحسب عليه غيره.
الصورة الرابعة: أن يعدد الأجزاء مضافة إلى الطلقة مع ذكر حرف العطف، بأن يقول لها أنت طالق نصف طلقة، وسدس طلقة، وربع طلقة، وفي هذه الحالة يقع عليه الثلاث، وذلك أن أضاف جزء العدد، وهو النصف، أو السدس، إلى طلاق منكر، فيكون غير الأول، لأن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، فكل جزء نطق به مضافاً إلى الطلاق يحسب عيه طلاقاً، وهذا بخلاف ما إذا أضافه إلى الضمير، لأن الضمير يكون عائداً إلى الجزء الأول بعينه، فلا يحسب إلا الأول، وهذا كله إذا كانت الزوجة مدخولاً بها، فإن لم تكن مدخولاً بها فلا يقع عليه إلا واحدة، كما عرفت.
وإذا فرض وغلبت فلسفة الحساب على شخص وقال لامرأته: أنت طالق ثلاث أنصاف طلقتين
ففي ذلك خلاف، فبعضهم يقول: إنها تطلق ثلاثاً، وذلك لأن نصف التطليقتين واحدة، فثلاثة الأنصاف ثلاث تطليقات، لأن كل نصف على حدته طلقة، وبعضهم يقول أنها تطلق ثنتين فقط، وذلك لأننا إذا قسمنا التطليقتين إلى أنصاف كانت كل تطليقة نصفين، فتكون التطليقتان أربعة أنصاف، فثلاثة أنصافها طلقة ونصف فيقع عليه طلقتان، لأن النصف يحسب طلقة، ولكن الظاهر هو الأول، وذلك لأننا إذا قلنا: ثلاثة أنصاف طلقتين كان معناه ثلاثة أنصاف مجموع الطلقتين ونصف مجموع الطلقتين كاملة، فثلاثة أنصاف ثلاث طلقات، نعم إذا قال: أنت طالق ثلاثة أنصاف كل تطليقتين، كان معناه أننا ننصف كل طلقة على حدة فتكون الطلقة نصفين وثلاثة الأنصاف طلقة ونصف، فيقع به طلقتان.
وإذا قال لها: أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة لزمه طلقتان، وذلك لأن الطلقة الواحدة تشتمل على نصفين فتحسب واحدة، والنصف الثالث يقع به واحدة كاملة، لما عرفت من أن جزء الطلقة طلقة كاملة ولو كان يسيراً وكذا إذا قال لها: أنت طالق أربعة أثلاث طلقة، أو خمسة أرباع طلقة فإنه يلزمه طلقتين، وذلك لأن الطلقة الكاملة ثلاثة أثلاث فزاد عليها ثلثاً وربعاً تلزمه به طلقة كاملة، ومثله خمسة أرباع كما هو ظاهر. وإذا قال لها: أنت طالق نصفي طلقتين فإنه يلزمه طلقتان، وذلك أن كل نصف يعتبر طلقة كاملة.
وإذا فرض وقال شخص حسابي لزوجته: أنت طالق من واحدة إلى اثنتين، أو أنت طالق ما بين واحدة إلى ثنتين، أو قال: من واحدة إلى ثلاث، فإنه يقع به المثال الأول واحدة، وفي المثال الثاني ثنتان عند الأمام، ويقع في الأول ثنتان، وفي الثاني ثلاث عند الصاحبين، ولا يقع في الأول شيء، ويقع في الثاني واحدة عند زفر، وذلك لأن الإمام يقول: إن الطلاق من الأمور المحظورة لأنه لا يباح إلا عند الحاجة، والشيء المحظور إذا كان له مبدأ ونهاية وإن شئت قلت: وكان له غايتان دخلت الغاية الأولى دون الغاية الثانية، فإذا قال لها، أنت طالق من واحدة إلى ثنتين دخلت الغاية الأولى، وهي الواحدة، ولم تدخل الغاية الثانية التي بعد - إلى - وهي ثنتان، وإذا قال لها: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لم تدخل الغاية الثانية، وهي الثلاث، ودخل ما دونها وهي الواحدة والثانية فيلزمه طلقتان، أما إذا كان المعدود مباحاً، كما إذا قال له: خذ من مالي من جنيه إلى جنيهين، فإن اللفظ يتناول الغايتين، فله أن يأخذ الثلاثة المذكورة في الغاية الأولى والغاية الثانية.
والحاصل أن الإمام يقول: إنه إذا قال لزوجته: أنت طالق من واحد إلى ثلاث دخلت الثنتان في كلامه بلا خلاف، لأنها وسط بين الواحدة والثلاث، فهي التي يدل عليها اللفظ والمقصودة منه، أما الواحدة والثلاث، وهما الغاية الأولى والغاية الثانية فإن اللفظ لا يتناولهما في المحظور، لأن الحظر كالقرينة على عدم إرادة ما هو خارج عن مدلول الكلام، وكان من مقتضى هذا أن لا تدخل الغاية الأولى، وهي الواحدة، كما لا تدخل الغاية الأخيرة، وهي الثلاث، ولكن لما كانت الطلقة الثانية المقصودة من الكلام لا يمكن تحقيقها إلا بالطلقة الأولى، إذ لا يمكن أن توصف الطلقة بالثانية إلا بعد
وصفها بالأولى، دخلت الغاية الأولى للضرورة كي تترتب عليها الثانية، أما الثالثة فلا حاجة إليها، فإن الثانية تتحقق بدونها.
هذا إذا كان بين الغايتين وسط، كما ذكرنا، أما إذا لم يكن بينهما وسط، كقوله: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين، فإنه يقع واحدة بلفظ طالق، ويلغو من واحدة إلى ثنتين. إذا لا ضرورة لإدخال الغاية الأخيرة، أما الغاية الأولى فإنها تدخل لأنها لا تزيد على معنى طالق شيئاً أما زفر فإنه يقول: إذا قال شخص لآخر: بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الغايتان باتفاق، إذ الحد لا يدخل في المحدود، وعلى قياس هذا إذا قال لها: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث خرج الحد الأول، وهو الواحدة، والحد الثاني، وهو الثلاث، ووقع ما بينهما، وهو الثنتان وإذا قال لها: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين لم يقع به شيء، إذ لا وسط بين الواحدة والثنتين، والغايتان خارجتان من الكلام، وهذا هو القياس، ولكن الإمام نظر إلى العرف فوجد أنه يستعمل ما له حدان ووسط في إرادة الأقل من الأكثر، والأكثر من الأقل. مثلاً إذا قال شخص: معري من أربعين إلى خمسين، كان غرضه أنه أكثر من أربعين وأقل من خمسين فإذا قال شخص لزوجته: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث كان معنى قوله أنها طالق أكثر من واحدة وأقل من ثلاث، وهما الثنتان، فعمل بالعرف استحساناً.
وإذا قال لها: أنت طالق واحدة في ثنتين، فإن ذلك اللفظ يحتمل ثلاثة معان:
أحدها: معنى الواو، فكأنه قال لها: أنت طالق واحدة وثنتين، فإذا نوى هذا المعنى لزمه ثلاث طلقات إذا كانت الزوجة مدخولاً بها، والمراد بالمدخول بها هنا الموطوءة أو المخلو بها، لأن الخلوة كافية في لحوق الطلاق الثاني، أما إذا كانت غير موطوءة وغير مخلو بها، فإنه يقع عليها واحدة فقط، وذلك لأنها تبين بقوله: واحدة، فقوله بعد ذلك: وثنتين لا تصادف محلاً، فلا يقع بها شيء.
ثانيها: معنى - مع - فكأنه قال لها: أنت طالق واحدة مع ثنتين، فإذا نوى هذا المعنى لزمه ثلاث طلقات مطلقاً، سواء كانت مزوجة مدخولاً بها. أو لا، وذلك لأنه أوقع الثلاث دفعة واحدة، فحلت عصمة الزوجية في المدخول بها وغيرها بدون فرق، فلم تبن غير المدخول بها بواحدة وتصبح غير محل للحوق ما بعدها.
ثالثها: معنى الضرب. وتحته صورتان: الصورة الأولى أن يتكلم بعرف أهل الحساب كما هو المفروض، وفي هذه الحالة يلزمه ثنتان، وذلك لأن عرف أهل الحساب تضعيف أحد العددين بعدد آخر، فقوله: واحدة في ثنيتن معناه تضعيف الواحدة بجعلها ثنتين، فيلزمه الثنتان، وهذا هو التحقيق، لأن هذا اللفظ في عرف علماء الحساب صريح في هذا المعنى، فمتى أراد بكلامه عرفهم لزمه معناه، فلا يقال: إن لفظ - في - معناه الظرفية الحقيقية، والثنتان لا تصلح ظرفاً، فالعبارة في ذاتها لا تصلح لإرادة التطليقتين منها حتى ولو نواهما، كما إذا قال: اسقني، ونوى به الطلاق، فإنه لا يلزمه به شيء، وذلك لأنك قد عرفت أن لفظ واحدة في ثنتين في عرف أهل الحساب مستعمل في تضعيف العدد صريحاً. الصورة الثانية: أن لا يتكلم بعرف أهل الحساب، بل ينوي تكثير أجزاء الطلقة الواحدة كما هو المتبادر من اللفظ، وحين إذ يلزمه طلقة واحدة، لأن تكثير أجزاء الطلقة الواحدة لا يخرجها عن كونها واحدة، ومثل ذلك ما إذا لم ينو شيئاً فإنه يلزمه طلقة واحدة بقوله، أنت طالق لأنه يقع به واحدة وإن لم ينو.
أما إذا قال لها: أنت طالق ثنتين في ثنتين فإنه إذا نوى به معنى الواو، فكأنه قال: ثنتين وثنتين، وفي هذه الحالة يلزمه ثلاث في المدخول بها وثنتان في غيرها، وإذا نوى معنى - مع - لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها، وإذا نوى الضرب على عرف أهل الحساب لزمه الثلاث وإلا لزمه ثنتان.
هذا كله إذا قيد الطلاق الصريح بعدد صريح، أما إذا قيده بإشارة تدل على العدد، فإن هذه المسألة على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يذكر ما يدل على الإشارة لفظاً ويشير إلى العدد بأصابعه، وتحت هذا صورتان الصورة الأولى أن ينطق بلفظ - هكذا - فيقول: أنت طالق هكذا ويشير بأصابعه الثلاث، وفي هذه الحالة يقع العدد الذي أشار إليه بقوله: هكذا من أصابعه، فإن أشار إلى أصبع واحد وقعت واحدة، وإن أشار إلى أصبعين وقع ثنتان وإن أشار إلى ثلاثة وقع ثلاث فإن فتح ثلاثة أصابع من أصابع يده وضم ثنتين، وقال: إنه أشار إشارة إلى المضمومتين، فإنه لا يصدق قضاء، بل يقع عليه الثلاث، لأن الظاهر يقتضي أنه أشار إلى أصابعه المنشورة لا المضمومة، ولكنه يصدق ديانة فيقع عليه ثنتان بينه وبين الله تعالى، ومثل ذلك ما إذا قال:
إنه نوى الإشارة إلى كفه، فإنه لا يصدق قضاء وتقع عليه واحدة رجعية إن كان صادقاً بينه وبين الله تعالى، نعم إذا نشر أصابعه الخمسة كلها، وقال: أنه أراد الكف، فإنه يصدق قضاء لأن الطلاق ثلاث فقط، فنشر الخمسة قرينة على أنه لم يرد العدد، فيصدق قضاء بأنه أراد التشبيه بالكف فتلزمه واحدة رجعية، ومثل ذلك ما إذا ضم أصابعه فإنه يصدق قضاء في قوله: انه أراد التشبيه بالكف فقط.
الصورة الثانية: أن ينطق - مثل - فيقول: أنت طالق مثل هذا، ويشير إلى أصابعه الثلاث المنشورة، وفي هذه الحالة ينظر إلى نيته، فإن نوى تشبيه الطلاق بعدد الأصابع الثلاث لزمه ثلاث أما إذا نوى المثلية في الشدة، أو لم ينو شيئاً فإنه يلزمه طلقة واحدة بائنة، لأنه وصفها بالشدة والفرق بين قوله: أنت طالق هكذا، وأنت طالق مثل هذا أن الكاف للتشبيه في الذات. ومثل للتشبيه بالوصف، فقوله: هكذا معناه مثل الأصابع الثلاث في العدد، أما قوله، مثل هذا فمعناه مثل هذا في شدته، فإذا نوى به الثلاث لزمته.
الوجه الثاني: أن يقول، أنت طالق ويشير بأصابعه الثلاث، ولكن لم يقل، هكذا. أو مثل هذا، ويقع بهذا طلقة واحدة ولو نوى الثلاث، وذلك لأن الطلاق لا يتحقق بدون لفظ، فكذلك عدده لا يتحقق بدون لفظ يدل عليه.
الوجه الثالث: أن يقول: أنت هكذا، مشيراً بأصابعه، ولكنه لم يقل: طالق، وقد اختلف في هذا، فبعضهم قال: إنه لغو لا يقع به شيء ولو نوى به الثلاث، وحجة هذا القائل أن الطلاق لا يتحقق عند الحنفية إلا باللفظ الذي يشعر به، ولو نوى به الطلاق، والإشارة بالأصابع الثلاث ليس فيها أي إشعار بالطلاق لا صريحاً ولا كناية، فلا يلزمه بذلك شيء ولو نواه، كما لا يلزمه بقوله: كلي، واشربي. ونحو ذلك إذا نوى به الطلاق.
وعندي أن هذا التعليل وجيه، وقد عرفت في الوجه الثاني أن الطلاق لا يتحقق بدون لفظ يدل عليه أو يشعر به، فإن لم يوحد لفظ كذلك فإن النية لا يعول عليها.
وبعضهم قال: إنه يقع به ما نواه، فإذا نوى الثلاث لزمته، وعلل ذلك بأن الإشارة بالأصابع الثلاث قائمة مقام عدد الطلاق المقدر، فكأنه قال: أنت طالق ثلاثاً، ولا يخفى ما في هذا من تعسف وخروج عن القاعدة الأولى، وهو أن الطلاق لا يتحقق إلا باللفظ الذي يدل عليه، أما كونه يقدر لفظاً نواه، فإنه يصح أن يدعي ذلك في كل لفظ، فالقواعد تؤيد الرأي الأول.
هذا، وقد عرفت أن النية لا تعمل في الصريح، فإذا قال لها: أنت طالق ونوى به ثنتين أو ثلاثاً فإنه لا يقع به إلا واحدة، وقد عرفت أيضاً أنه إذا نوى بالطلاق معنى الطلاق من القيد ونحوه، فإنه لا يعتبر قضاء وينفع ديانة.
هذا إذا ذكر لفظ طالق، أما إذا ذكر المصدر كأن قال لها: أنت الطلاق، أو أنت طلاق فإنه يقع به واحدة رجعية كذلك إن لم ينو، أو نوى واحدة، وكذا إذا نوى اثنتين فإنه يقع واحدة بخلاف ما إذا نوى به الثلاث فإنه يقع عليه ما نواه، وذلك لأن قوله: أنت طلاق، أو أنت الطلاق مصدر موضوع للوحدة. أو للجنس الصادق بالكثير والقليل، فلا يصح تقييده بالاثنينية، لأن الاثنين عدد محض ينافي الوحدة، فصح إرادة الثلاث منه دون الاثنين. أما الكنايات فقد عرفت أقسامها وأحكامها فيما مضى، ومنها أن جميع ألفاظ الكنايات يقع بها الطلاق بائناً، ما عدا ألفاظ ذكرت هناك، فإن الطلاق يقع بها رجعياً، ثم إن بعضها لا يقع بها إلا بالنية، فإن ذكر لفظاً منها ولم ينويه طلاقاً وقرنه بعدد اثنين أو ثلاثة فإنه يكون مهدراً وإن نوى به طلاقاً ووصفه بعد صريح لفظاً فإنه يلزمه ما نواه وما نطق به كما إذا قال لها: أنت بائن ثنتين أو ثلاثاً ونوى ببائن الطلاق فإنه يلزمه ما نطق به، أما إذا نوى بلفظ بائن الطلاق ونوى به أكثر من واحدة، فإن نوى ثنتين فإنه لا يلزمه إلا واحدة، وإن نوى ثلاثاً تلزمه الثلاث. وقد تقدم تعليل ذلك في القسم الثالث من الكنايات فارجع إليه.

يتبع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]