
10-06-2022, 07:52 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,110
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (127)
صــــــــــ 138 الى صـــــــــــ144
باب ما يلزم في السلف مما يخالف الصفة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولو سلفه في ثوب مروي ثخين فجاء برقيق أكثر ثمنا من ثخين لم ألزمه إياه ; لأن الثخين يدفئ أكثر مما يدفئ الرقيق وربما كان أكثر بقاء من الرقيق ; ولأنه مخالف لصفته خارج منها قال : وكذلك لو سلفه في عبد بصفة ، وقال وضيء فجاءه بأكثر من صفته إلا أنه غير وضيء لم ألزمه إياه ; لمباينته من أنه ليس بوضيء وخروجه من الصفة ، وكذلك لو سلفه في عبد بصفة فقال غليظ شديد الخلق فجاء بوضيء ليس بشديد الخلق أكثر منه ثمنا لم يلزمه ; لأن الشديد يغني غير غناء الوضيء وللوضيء ثمن أكثر منه ، ولا ألزمه أبدا خيرا من شرطه حتى يكون منتظما لصفته زائدا عليها . فأما إذا زاد [ ص: 138 ] عليها في القيمة ، وقصر عنها في بعض المنفعة أو كان هذا خارجا منها بالصفة فلا ألزمه إلا ما شرط فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه .
باب ما يجوز فيه السلف ، وما لا يجوز .
( قال الشافعي ) : رحمه الله ولا يجوز السلف في حنطة أرض رجل بعينها بصفة ; لأن الآفة قد تصيبها في الوقت الذي يحل فيه السلف فلا يلزم البائع أن يعطيه صفته من غيرها ; لأن البيع ، وقع عليها ويكون قد انتفع بماله في أمر لا يلزمه والبيع ضربان لا ثالث لهما بيع عين إلى غير أجل وبيع صفة إلى أجل أو غير أجل فتكون مضمونة على البائع فإذا باعه صفة من عرض بحال فله أن يأخذ منها من حيث شاء قال : وإذا كان خارجا من البيوع التي أجزت كان بيع ما لا يعرف أولى أن يبطل .
( قال الشافعي ) : وهكذا ثمر حائط رجل بعينه ونتاج رجل بعينه ، وقرية بعينها غير مأمونة ونسل ماشية بعينها فإذا شرط المسلف من ذلك ما يكون مأمونا أن ينقطع أصله لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه جاز ، وإذا شرط الشيء الذي الأغلب منه أن لا يؤمن انقطاع أصله لم يجز . قال : وهكذا لو أسلفه في لبن ماشية رجل بعينه وبكيل معلوم وصفة لم يجز ، وإن أخذ في كيله وحلبه من ساعته ; لأن الآفة قد تأتي عليه قبل أن يفرغ من جميع ما أسلف فيه ، ولا نجيز في شيء من هذا إلا كما وصفت لك في أن يكون بيع عين لا يضمن صاحبها شيئا غيرها إن هلكت انتقض البيع أو بيع صفة مأمونة أن تنقطع من أيدي الناس في حين محله .
فأما ما كان قد ينقطع من أيدي الناس فالسلف فيه فاسد ( قال الشافعي ) : وإن أسلف سلفا فاسدا ، وقبضه رده ، وإن استهلكه رد مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ورجع برأس ماله فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه .
باب اختلاف المسلف والمسلف في السلم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله ولو اختلف المسلف والمسلف في السلم فقال المشتري أسلفتك مائة دينار في مائتي صاع حنطة ، وقال البائع أسلفتني مائة دينار في مائة صاع حنطة أحلف البائع بالله ما باعه بالمائة التي قبض منه إلا مائة صاع فإذا حلف قيل للمشتري إن شئت فلك عليه المائة الصاع التي أقر بها ، وإن شئت فاحلف ما ابتعت منه مائة صاع ، وقد كان بيعك مائتي صاع ; لأنه مدع عليك أنه ملك عليك المائة الدينار بالمائة الصاع وأنت منكر ؟ فإن حلف تفاسخا البيع .
( قال الشافعي ) : وكذلك لو اختلفا فيما اشترى منه فقال : أسلفتك مائتي دينار في مائة صاع تمرا ، وقال : بل أسلفتني في مائة صاع ذرة أو قال أسلفتك في مائة صاع برديا ، وقال بل أسلفتني في مائة صاع عجوة أو قال أسلفتك في سلعة موصوفة ، وقال الآخر بل أسلفتني في سلعة غير موصوفة كان القول فيه كما وصفت لك يحلف البائع ثم يخير المبتاع بين أن يأخذ بما أقر له البائع بلا يمين أو يحلف فيبرأ من دعوى البائع ويتفاسخان .
( قال الربيع ) : إن أخذه المبتاع ، وقد ناكره البائع فإن أقر المبتاع ثم قال البائع : حل له أن يأخذها ، وإلا فلا [ ص: 139 ] يحل له إذا أنكره ، والسلف ينفسخ بعد أن يتصالحا .
( قال الشافعي ) : وكذلك لو تصادقا في السلعة واختلفا في الأجل فقال المسلف هو إلى سنة ، وقال البائع هو إلى سنتين حلف البائع وخير المشتري فإن رضي ، وإلا حلف وتفاسخا فإن كان الثمن في هذا كله دنانير أو دراهم رد مثلها أو طعاما رد مثله فإن لم يوجد رد قيمته .
وكذلك لو كان سلفه سلعة غير مكيلة ، ولا موزونة ففاتت رد قيمتها قال : وهكذا القول في بيوع الأعيان إذا اختلفا في الثمن أو في الأجل أو اختلفا في السلعة المبيعة فقال البائع بعتك عبدا بألف واستهلكت العبد ، وقال المشتري اشتريته منك بخمسمائة ، وقد هلك العبد تحالفا ورد قيمة العبد ، وإن كانت أقل من الخمسمائة أو أكثر من ألف ( قال الشافعي ) : وهكذا كل ما اختلفا فيه من كيل وجودة وأجل قال ، ولو تصادقا على البيع والأجل فقال البائع لم يمض من الأجل شيء أو قال مضى منه شيء يسير ، وقال المشتري بل قد مضى كله أو لم يبق منه إلا شيء يسير كان القول قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة .
( قال الشافعي ) رحمه الله : ولا ينفسخ بيعهما في هذا من قبل تصادقهما على الثمن والمشترى والأجل فأما ما يختلفان فيه في أصل العقد فيقول المشتري اشتريت إلى شهر ويقول البائع بعتك إلى شهرين فإنهما يتحالفان ويترادان من قبل اختلافهما فيما يفسخ العقدة والأولان لم يختلفا .
( قال الشافعي ) : وكرجل استأجر رجلا سنة بعشرة دنانير فقال الأجير : قد مضت ، وقال المستأجر : لم تمض فالقول قول المستأجر وعلى الأجير البينة ; لأنه مقر بشيء يدعي المخرج منه .
باب السلف في السلعة بعينها حاضرة أو غائبة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله ولو سلف رجل رجلا مائة دينار في سلعة بعينها على أن يقبض السلعة بعد يوم أو أكثر كان السلف فاسدا ، ولا تجوز بيوع الأعيان على أنها مضمونة على بائعها بكل حال ; لأنه لا يمتنع من فوتها ، ولا بأن لا يكون لصاحبها السبيل على أخذها متى شاء هو لا يحول بائعها دونها إذا دفع إليه ثمنها ، وكان إلى أجل ; لأنها قد تتلف في ذلك الوقت ، وإن قل فيكون المشتري قد اشترى غير مضمون على البائع بصفة موجودة بكل حال يكلفها بائعها ، ولا ملكه البائع شيئا بعينه يتسلط على قبضه حين وجب له ، وقدر على قبضه .
( قال الشافعي ) : وكذلك لا يتكارى منه راحلة بعينها معجلة الكراء على أن يركبها بعد يوم أو أكثر ; لأنها قد تتلف ويصيبها ما لا يكون فيها ركوب معه ، ولكن يسلفه على أن يضمن له حمولة معروفة وبيوع الأعيان لا تصلح إلى أجل إنما المؤجل ما ضمن من البيوع بصفة ، وكذلك لا يجوز أن يقول أبيعك جاريتي هذه بعبدك هذا على أن تدفع إلي عبدك بعد شهر ; لأنه قد يهرب ويتلف وينقص إلى شهر .
( قال الشافعي ) : وفساد هذا خروجه من بيع المسلمين ، وما وصفت وأن الثمن فيه غير معلوم ; لأن المعلوم ما قبضه المشتري أو ترك قبضه ، وليس للبائع أن يحول دونه قال : ولا بأس أن أبيعك عبدي هذا أو أدفعه إليك بعبد موصوف أو عبدين أو بعير أو بعيرين أو خشبة أو خشبتين إذا كان ذلك موصوفا مضمونا ; لأن حقي في صفة مضمونة على المشتري لا في عين تتلف أو تنقص أو تفوت فلا تكون مضمونة عليه .
باب امتناع ذي الحق من أخذ حقه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا حل حق المسلم وحقه حال بوجه من الوجوه فدعا الذي [ ص: 140 ] عليه الحق الذي له الحق إلى أخذ حقه فامتنع الذي له الحق فعلى الوالي جبره على أخذ حقه ليبرأ ذو الدين من دينه ويؤدي إليه ما له عليه غير منتقص له بالأداء شيئا ، ولا مدخل عليه ضررا إلا أن يشاء رب الحق أن يبرئه من حقه بغير شيء يأخذه منه فيبرأ بإبرائه إياه ( قال الشافعي ) : فإن دعاه إلى أخذه قبل محله ، وكان حقه ذهبا أو فضة أو نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ، ولا مشروب ، ولا ذي روح يحتاج إلى العلف أو النفقة جبرته على أخذ حقه منه إلا أن يبرئه ; لأنه قد جاءه بحقه وزيادة تعجيله قبل محله ، ولست أنظر في هذا إلى تغير قيمته فإن كان يكون في وقته أكثر قيمة أو أقل قلت للذي له الحق : إن شئت حبسته ، وقد يكون في وقت أجله أكثر منه حين يدفعه وأقل .
( قال الشافعي ) : فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قلت أخبرنا أن أنس بن مالك كاتب غلاما له على نجوم إلى أجل فأراد المكاتب تعجيلها ليعتق فامتنع أنس من قبولها ، وقال لا آخذها إلا عند محلها فأتى المكاتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال عمر إن أنسا يريد الميراث فكان في الحديث فأمره عمر بأخذها منه وأعتقه .
( قال الشافعي ) : وهو يشبه القياس ( قال ) : وإن كان ما سلف فيه مأكولا أو مشروبا لا يجبر على أخذه ; لأنه قد يريد أكله وشربه جديدا في وقته الذي سلف إليه فإن عجله ترك أكله وشربه وأكله وشربه متغير بالقدم في غير الوقت الذي أراد أكله أو شربه فيه .
( قال الشافعي ) : وإن كان حيوانا لا غناء به عن العلف أو الرعي لم يجبر على أخذه قبل محله ; لأنه يلزمه فيه مؤنة العلف أو الرعي إلى أن ينتهي إلى وقته فدخل عليه بعض مؤنة ، وأما ما سوى هذا من الذهب والفضة والتبر كله ، والثياب والخشب والحجارة ، وغير ذلك فإذا دفعه برئ منه وجبر المدفوع إليه على أخذه من الذي هو له عليه .
( قال الشافعي ) فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه لا أعلمه يجوز فيه غير ما وصفت أو أن يقال لا يجبر أحد على أخذ شيء هو له حتى يحل له فلا يجبر على دينار ، ولا درهم حتى يحل له وذلك أنه قد يكون لا حرز له ، ويكون متلفا لما صار في يديه فيختار أن يكون مضمونا على مليء من أن يصير إليه فيتلف من يديه بوجوه منها ما ذكرت . ومنها أن يتقاضاه ذو دين أو يسأله ذو رحم لو لم يعلم ما صار إليه لم يتقاضاه ، ولم يسأله فإنما منعنا من هذا أنا لم نر أحدا خالف في أن الرجل يكون له الدين على الرجل فيموت الذي عليه الدين فيدفعون ماله إلى غرمائه ، وإن لم يريدوه لئلا يحبسوا ميراث الورثة ووصية الموصي لهم ويجبرونهم على أخذه ; لأنه خير لهم والسلف يخالف دين الميت في بعض هذا .
باب السلف في الرطب فينفد .
( قال الشافعي ) : رحمه الله إذا سلف رجل رجلا في رطب أو عنب إلى أجل يطيبان له فهو جائز فإن نفد الرطب أو العنب حتى لا يبقى منه شيء بالبلد الذي سلفه فيه فقد قيل المسلف بالخيار فإن شاء رجع بما بقي من سلفه كأن سلف مائة درهم في مائة مد فأخذ خمسين فيرجع بخمسين ، وإن شاء أخذ ذلك إلى رطب قابل ثم أخذ بيعه بمثل صفة رطبه ، وكيله ، وكذلك العنب وكل فاكهة رطبة تنفد في وقت من الأوقات ، وهذا وجه . قال : وقد قيل إن سلفه مائة درهم في عشرة آصع من رطب فأخذ [ ص: 141 ] خمسة آصع ثم نفذ الرطب كانت له الخمسة آصع بخمسين درهما ; لأنها حصتها من الثمن فانفسخ البيع فيما بقي من الرطب فرد إليه خمسين درهما .
( قال الشافعي ) : وهذا مذهب والله - تعالى - أعلم . ولو سلفه في رطب لم يكن عليه أن يأخذ فيه بسرا ، ولا مختلفا ، وكان له أن يأخذ رطبا كله ، ولم يكن عليه أن يأخذه إلا صحاحا غير منشدخ ، ولا معيب بعفن ، ولا عطش ، ولا غيره ، وكذلك العنب لا يأخذه إلا نضيجا غير معيب ، وكذلك كل شيء من الفاكهة الرطبة يسلف فيها فلا يأخذ إلا صفته غير معيبة .
قال : وهكذا كل شيء أسلفه فيه لم يأخذه معيبا إن أسلف في لبن مخيض لم يأخذه رائبا ، ولا مخيضا وفي المخيض ماء لا يعرف قدره والماء غير اللبن .
( قال الشافعي ) : ولو أسلفه في شيء فأعطاه إياه معيبا والعيب مما قد يخفى فأكل نصفه أو أتلفه وبقي نصفه كأن كان رطبا فأكل نصفه أو أتلفه وبقي نصفه يأخذ النصف بنصف الثمن ويرجع عليه بنقصان ما بين الرطب معيبا وغير معيب ، وإن اختلفا في العيب والمشترى قائم في يد المشتري ، ولم يستهلكه فقال : دفعته إليك بريئا من العيب ، وقال المشتري : بل دفعته معيبا فالقول قول البائع إلا أن يكون ما قال عيب لا يحدث مثله ، وإن كان أتلفه فقال البائع ما أتلفت منه غير معيب ، وما بقي معيب فالقول قوله إلا أن يكون شيئا واحدا لا يفسد منه شيء إلا بفساده كله كبطيخة واحدة أو دباءة واحدة . وكل ما قلت القول فيه قوله فعليه فيه اليمين .
كتاب الرهن الكبير - إباحة الرهن .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال قال الله - تبارك وتعالى - { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل } ، وقال - عز وجل - { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : فكان بينا في الآية الأمر بالكتاب في الحضر والسفر ، وذكر الله - تبارك اسمه - الرهن إذا كانوا مسافرين ، ولم يجدوا كاتبا فكان معقولا - والله أعلم - فيها : أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطا لمالك الحق بالوثيقة والمملوك عليه بأن لا ينسى ويذكر لا أنه فرض عليهم أن يكتبوا ، ولا أن يأخذوا رهنا ; لقول الله - عز وجل - { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } فكان معقولا أن الوثيقة في الحق في السفر والإعواز غير محرمة - والله أعلم - في الحضر وغير الإعواز ، ولا بأس بالرهن في الحق الحال والدين في الحضر والسفر ، وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافا .
وقد روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه في الحضر عند أبي الشحم اليهودي } وقيل في سلف والسلف حال ( قال [ ص: 142 ] الشافعي ) : أخبرنا الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال { رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي } ( قال الشافعي ) : وروى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة } .
( قال الشافعي ) فأذن الله - جل ثناؤه - بالرهن في الدين ، والدين حق لازم فكل حق مما يملك أو لزم بوجه من الوجوه جاز الرهن فيه ، ولا يجوز الرهن فيما لا يلزم .
فلو ادعى رجل على رجل حقا فأنكره وصالحه ورهنه به رهنا كان الرهن مفسوخا ; لأنه لا يلزم الصلح على الإنكار ، ولو قال أرهنك داري على شيء إذا داينتني به أو بايعتني ثم داينه أو بايعه لم يكن رهنا ; لأن الرهن كان ، ولم يكن للمرتهن حق ، وإذن الله - عز وجل - به فيما كان للمرتهن من الحق دلالة على أن لا يجوز إلا بعد لزوم الحق أو معه فأما قبله فإذا لم يكن حق فلا رهن .
باب ما يتم به الرهن من القبض . قال الله - عز وجل - { فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : فلما كان معقولا أن الرهن غير مملوك الرقبة للمرتهن ملك البيع ، ولا مملوك المنفعة له ملك الإجارة لم يجز أن يكون رهنا إلا بما أجازه الله - عز وجل - به من أن يكون مقبوضا ، وإذا لم يجز فللراهن ما لم يقبضه المرتهن منه منعه منه ، وكذلك لو أذن له في قبضه فلم يقبضه المرتهن حتى رجع الراهن في الرهن كان ذلك له ; لما وصفت من أنه لا يكون رهنا إلا بأن يكون مقبوضا ، وكذلك كل ما لم يتم إلا بأمرين فليس يتم بأحدهما دون الآخر مثل الهبات التي لا تجوز إلا مقبوضة ، وما في معناها .
ولو مات الراهن قبل أن يقبض المرتهن الرهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن ، وكان هو والغرماء فيه أسوة سواء ، ولو لم يمت الراهن ، ولكنه أفلس قبل أن يقبض المرتهن الرهن كان المرتهن والغرماء فيه أسوة ; لأنه لا يتم له ، ولو خرس الراهن أو ذهب عقله قبل أن يقبض المرتهن الرهن ، ولا سلطه على قبضه لم يكن للمرتهن قبض الرهن ، ولو أقبضه الراهن إياه في حال ذهاب عقله لم يكن له قبضه ، ولا يكون له قبض حتى يكون جائز الأمر في ماله يوم رهنه ويوم يقبضه الراهن إياه .
ولو رهنه إياه ، وهو محجور ثم أقبضه إياه ، وقد فك الحجر عنه فالرهن الأول لم يكن رهنا إلا بأن يجدد له رهنا ويقبضه إياه بعد أن يفك الحجر عنه ، وكذلك لو رهنه ، وهو غير محجور فلم يقبضه حتى حجر عليه لم يكن له قبضه منه . ولو رهنه عبدا فلم يقبضه حتى هرب العبد وسلطه على قبضه فإن لم يقدر عليه حتى يموت الراهن أو يفلس فليس برهن ، وإن لم يقدر على قبضه حتى رجع الراهن في الرهن لم يكن للمرتهن له قبضه ، ولو رهنه عبدا فارتد العبد عن الإسلام فأقبضه إياه مرتدا أو أقبضه إياه غير مرتد فارتد فالعبد رهن بحاله إن تاب فهو رهن ، وإن قتل على الردة قتل بحق لزمه وخرج من ملك الراهن والمرتهن .
ولو رهنه عبدا ، ولم يقبضه حتى رهنه من غيره وأقبضه إياه كان الرهن للثاني الذي أقبضه صحيحا ، والرهن الذي لم يقبض كما لم يكن . وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى أعتقه كان حرا خارجا من الرهن .
وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى كاتبه كان خارجا من الرهن . وكذلك لو وهبه أو أصدقه امرأة أو أقر به لرجل أو دبره كان خارجا من الرهن في هذا كله ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنه لو رهنه فلم يقبضه المرتهن حتى دبره أنه لا يكون خارجا من الرهن بالتدبير ; لأنه لو رهنه بعدما دبره كان الرهن جائزا ; لأن له أن يبيعه بعدما دبره فلما كان له بيعه كان له أن يرهنه .
( قال الشافعي ) : ولو رهن رجل رجلا عبدا ، ومات [ ص: 143 ] المرتهن قبل أن يقبضه كان لرب الرهن منعه من ورثته فإن شاء سلمه لهم رهنا ، ولو لم يمت المرتهن ، ولكنه غلب على عقله فولى الحاكم ماله رجلا فإن شاء الراهن منعه الرجل المولى ; لأنه كان له منعه المرتهن ، وإن شاء سلمه له بالرهن الأول كما كان له أن يسلمه للمرتهن ويمنعه إياه . ولو رهن رجل رجلا جارية فلم يقبضه إياها حتى وطئها ثم أقبضه إياها بعد الوطء فظهر بها حمل أقر به الراهن كانت خارجة من الرهن ; لأنها لم تقبض حتى حبلت فلم يكن له أن يرهنها حبلى منه .
وهكذا لو وطئها قبل الرهن ثم ظهر بها حمل فأقر به خرجت من الرهن ، وإن كانت قبضت ; لأنه رهنها حاملا ، ولو رهنه إياها غير ذات زوج فلم يقبضها حتى زوجها السيد ثم أقبضه إياها فالتزويج جائز ، وهي رهن بحالها ، ولا يمنع زوجها من وطئها بحال ، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن ; لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق بيعها ، وكذلك المرتهن فأيهما زوج فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا عليه ، ولو رهن رجل رجلا عبدا وسلطه على قبضه فآجره المرتهن قبل أن يقبضه من الراهن أو غيره لم يكن مقبوضا .
( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت عبدا فآجرته قبل أن أقبضه قال ليس بمقبوض ( قال الشافعي ) ليس الإجارة بقبض ، وليس برهن حتى يقبض ، وإذا قبض المرتهن الرهن لنفسه أو قبضه له أحد بأمره فهو قبض كقبض وكيله له .
( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال : إذا ارتهنت عبدا فوضعته على يد غيرك فهو قبض .
( قال الشافعي ) : وإذا ارتهن ولي المحجور له أو الحاكم للمحجور فقبض الحاكم ، وقبض ولي المحجور للمحجور كقبض غير المحجور لنفسه ، وكذلك قبض الحاكم له ، وكذلك إن وكل الحاكم من قبض للمحجور أو ، وكل ولي المحجور من يقبض له فقبضه له كقبض الرجل غير المحجور لنفسه وللراهن منع الحاكم وولي المحجور من الرهن ما لم يقبضاه ويجوز ارتهان ولي المحجور عليه له ورهنهما عليه في النظر له .
وذلك أن يبيع لهما فيفضل ويرتهن . فأما أن يسلف مالهما ويرتهن فلا يجوز عليهما ، وهو ضامن ; لأنه لا فضل لهما في السلف ، ولا يجوز رهن المحجور لنفسه ، وإن كان نظرا له كما لا يجوز بيعه ، ولا شراؤه لنفسه ، وإن كان نظرا له .
قبض الرهن ، وما يكون بعد قبضه مما يخرجه من الرهن ، وما لا يخرجه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله قال الله - تعالى - { فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) إذا قبض الرهن مرة واحدة فقد تم وصار المرتهن أولى به من غرماء الراهن ، ولم يكن للراهن إخراجه من الرهن حتى يبرأ مما في الرهن من الحق كما يكون المبيع مضمونا من البائع فإذا قبضه المشتري مرة صار في ضمانه فإن رده إلى البائع بإجارة أو وديعة فهو من مال المبتاع ، ولا ينفسخ ضمانه بالبيع ، وكما تكون الهبات ، وما في معناها غير تامة فإذا قبضها الموهوب له مرة ثم أعارها إلى الواهب أو أكراها منه أو من غيره لم يخرجها من الهبة .
وسواء إذا قبض المرتهن الرهن مرة ، ورده على الراهن بإجارة أو عارية أو غير ذلك ما لم يفسخ الراهن الرهن أو كان في يده ; لما وصفت ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت رهنا فقبضته ثم آجرته منه قال نعم هو عندك إلا أنك آجرته منه قال ابن جريج فقلت لعطاء فأفلس فوجدته عنده ؟ قال أنت أحق به من غرمائه .
( قال الشافعي ) : يعني لما وصفت من أنك إذا قبضته مرة ثم آجرته من راهنه فهو كعبد لك آجرته منه ; لأن رده إليه بعد القبض لا يخرجه من الرهن [ ص: 144 ] قال : ولا يكون الرهن مقبوضا إلا أن يقبضه المرتهن أو أحد غير الراهن بأمر المرتهن فيكون وكيله في قبضه فإن ارتهن رجل من رجل رهنا ووكل المرتهن الراهن أن يقبضه له من نفسه فقبضه له من نفسه لم يكن قبضا ، ولا يكون وكيلا على نفسه لغيره في قبض كما لو كان له عليه حق فوكله بأن يقبضه له من نفسه ففعل فهلك لم يكن بريئا من الحق كما يبرأ منه لو قبضه وكيل غيره ، ولا يكون وكيلا على نفسه في حال إلا الحال التي يكون فيها وليا لمن قبض له وذلك أن يكون له ابن صغير فيشتري له من نفسه ويقبض له أو يهب له شيئا ويقبضه فيكون قبضه من نفسه قبضا لابنه ; لأنه يقوم مقام ابنه .
وكذلك إذا رهن ابنه رهنا فقبضه له من نفسه فإن كان ابنه بالغا غير محجور لم يجز من هذا شيء إلا أن يقبضه ابنه لنفسه أو وكيل لابنه غير أبيه .
وإذا كان للرجل عبد في يد رجل وديعة أو دار أو متاع فرهنه إياه وأذن له بقبضه فجاءت عليه مدة يمكنه فيها أن يقبضه ، وهو في يده فهو قبض فإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن فصدقه المرتهن أو ادعى قبضه فالرهن مقبوض ، وإن لم يره الشهود . وسواء كان الرهن غائبا أو حاضرا وذلك أن الرهن قد يقبضه المرتهن بالبلد الذي هو به فيكون ذلك قبضا إلا في خصلة أن يتصادقا على أمر لا يمكن أن يكون مثله مقبوضا في ذلك الوقت وذلك أن يقول اشهدوا أني قد رهنته اليوم داري التي بمصر ، وهما بمكة ، وقبضها فيعلم أن الرهن إن كان اليوم لم يمكن أن يقبض له بمكة من يومه هذا ، وما في هذا المعنى .
ولو كانت الدار في يده بكراء أو وديعة كانت كهي لو لم تكن في يده لا يكون قبضا حتى تأتي عليها مدة يمكن أن تكون في يده بالرهن دون الكراء أو الوديعة أو الرهن معهما أو مع أحدهما ، وكينونتها في يده بغير الرهن غير كينونتها في يده بالرهن فأما إذا لم يؤقت وقتا وأقر بأنه رهنه داره بمكة ، وقبضها ثم قال الراهن إنما رهنته اليوم ، وقال المرتهن بل رهنتنيها في وقت يمكن في مثله أن يكون قبضها قابض بأمره وعلم القبض فالقول قول المرتهن أبدا حتى يصدق الراهن بما وصفت من أنه لم يكن مقبوضا . ولو أراد الراهن أن أحلف له المرتهن على دعواه بأنه أقر له بالقبض ، ولم يقبض منه فعلت ; لأنه لا يكون رهنا حتى يقبضه . والله - سبحانه وتعالى - أعلم .
ما يكون قبضا في الرهن ، ولا يكون ، ، وما يجوز أن يكون رهنا .
( قال الشافعي ) : رحمه الله كل ما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن والهبات والصدقات لا يختلف ذلك فيجوز رهن الدابة والعبد والدنانير والدراهم والأرضين وغير ذلك ويجوز رهن الشقص من الدار والشقص من العبد ، ومن السيف ، ومن اللؤلؤة ، ومن الثوب كما يجوز أن يباع هذا كله والقبض فيه أن يسلم إلى مرتهنه لا حائل دونه كما يكون القبض في البيع قبض العبد والثوب ، وما يجوز أن يأخذه مرتهنه من يد راهنه .
وقبض ما لا يحول من أرض ودار وغراس أن يسلم لا حائل دونه ، وقبض الشقص مما لا يحول كقبض الكل أن يسلم لا حائل دونه ، وقبض الشقص مما يحول مثل السيف واللؤلؤة ، وما أشبههما أن يسلم للمرتهن فيها حقه حتى يضعها المرتهن والراهن على يد عدل أو في يد الشريك فيها الذي ليس براهن أو يد المرتهن ، فإذا كان بعض هذا فهو قبض ، وإن صيرها المرتهن إلى الراهن أو إلى غيره بعد القبض فليس بإخراج لها من الرهن كما وصفت لا يخرجها إلا فسخ الرهن أو البراءة من الحق الذي به الرهن .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|