
10-06-2022, 07:55 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,320
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (128)
صــــــــــ 145 الى صـــــــــــ151
وإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك المرتهن حكم له بأن الرهن تام بإقرار الراهن ودعوى المرتهن ، ولو كان الرهن في الشقص غائبا فأقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك [ ص: 145 ] المرتهن أجزت الإقرار ; لأنه قد يقبض له ، وهو غائب عنه فيكون قد قبضه بقبض من أمره بقبضه له .
ولو كان لرجل عبد في يدي رجل بإجارة أو وديعة فرهنه إياه وأمره بقبضه كان هذا رهنا إذا جاءت عليه ساعة بعد ارتهانه إياه ، وهو في يده ; لأنه مقبوض في يده بعد الرهن ، ولو كان العبد الرهن غائبا عن المرتهن لم يكن قبضا حتى يحضره فإذا أحضره بعدما أذن له بقبضه فهو مقبوض كما يبيعه إياه ، وهو في يديه ويأمره بقبضه فيقبضه بأنه في يديه فيكون البيع تاما ، ولو مات مات من مال المشتري ، ولو كان غائبا لم يكن مقبوضا حتى يحضر المشتري بعد البيع فيكون مقبوضا بعد حضوره ، وهو في يديه . ولو كانت له عنده ثياب أو شيء مما لا يزول بنفسه وديعة أو عارية أو بإجارة فرهنه إياها ، وأذن له في قبضها قبل القبض ، وهي غير غائبة عن منزله كان هذا قبضا ، وإن كانت غائبة عن منزله لم يكن قبضا حتى يحدث لها قبضا ، وإن كان رهنه إياها في سوق أو مسجد ، وهي في منزله وأذن له في قبضها لم يكن قبضا حتى يصير إلى منزله ، وهي فيه فيكون لها حينئذ قابضا ; لأنها قد تخرج من منزله بخلافه إلى سيدها وغيره ، ولا يكون القبض إلا ما حضره المرتهن لا حائل دونه أو حضره وكيله كذلك .
ولو كان الرهن أرضا أو دارا غائبة عن المرتهن ، وهي وديعة في يديه ، وقد وكل بها فأذن له في قبضها لم يكن مقبوضا حتى يحضرها المرتهن أو وكيله بعد الرهن مسلمة لا حائل دونها ; لأنها إذا كانت غائبة عنه فقد يحدث لها مانع منه فلا تكون مقبوضة أبدا إلا بأن يحضرها المرتهن أو وكيله لا حائل دونها ، ولو جاءت عليه في هذه المسائل مدة يمكنه أن يبعث رسولا إلى الرهن حيث كان يقبضه فادعى المرتهن أنه قبضه كان مقبوضا ; لأنه يقبض له ، وهو غائب عنه .
وإذا رهن الرجل رهنا وتراضى الراهن والمرتهن بعدل يضعانه على يديه فقال العدل قد قبضته لك ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن : لم يقبضه لك العدل ، وقال المرتهن قد قبضه لي فالقول قول الراهن وعلى المرتهن البينة أن العدل قد قبضه له ; لأنه وكيل له فيه ، ولا أقبل فيه شهادته ; لأنه يشهد على فعل نفسه ، ولا يضمن المأمور بقبض الرهن بغروره المرتهن شيئا من حقه ، وكذا لو أفلس غريمه أو هلك الرهن الذي ارتهنه فقال قبضته ، ولم يقبضه ; لأنه لم يضمن له شيئا ، وقد أساء في كذبه .
ولو كان كل ما ذكرت من الرهن في يدي المرتهن بغصب الراهن فرهنه إياه قبل أن يقبضه منه وأذن له في قبضه فقبضه كان رهنا ، وكان مضمونا على الغاصب بالغصب حتى يدفعه إلى المغصوب فيبرأ أو يبرئه المغصوب من ضمان الغصب ، ولا يكون أمره له بالقبض لنفسه براءة من ضمان الغصب ، وكذلك لو كان في يديه بشراء فاسد ; لأنه لا يكون وكيلا لرب المال في شيء على نفسه ألا ترى أنه لو أمره أن يقبض لنفسه من نفسه حقا فقبضه ، وهلك لم يبرأ منه ، ولكنه لو رهنه إياه وتواضعاه على يدي عدل كان الغاصب والمشتري شراء فاسدا بريئين من الضمان بإقرار وكيل رب العبد أنه قد قبضه بأمر رب العبد ، وكان كإقرار رب العبد أنه قد قبضه ، وكان رهنا مقبوضا ؟ .
ولو قال الموضوع على يديه الرهن بعد قوله قد قبضته : لم أقبضه لم يصدق على الغاصب ، ولا المشتري شراء فاسدا ، وكان بريئا من الضمان كما يبرأ لو قال رب العبد : قد قبضته منه ، وكان مقبوضا بإقرار الموضوع على يديه الرهن أنه قبضه . ولو رهن رجل رجلا عبدين أو عبدا وطعاما أو عبدا ودارا أو دارين فقبض أحدهما ، ولم يقبض الآخر كان الذي قبض رهنا بجميع الحق ، وكان الذي لم يقبض خارجا من الرهن حتى يقبضه إياه الراهن ، ولا يفسد الذي قبض بأن لم يقبض [ ص: 146 ] الذي معه في عقدة الرهن ، وليس كالبيوع في هذا .
وكذلك لو قبض أحدهما ، ومات الآخر أو قبض أحدهما ، ومنعه الآخر كان الذي قبض رهنا والذي لم يقبض خارجا من الرهن ، وكذلك لو وهب له دارين أو عبدين أو دارا وعبدا فأقبضه أحدهما ، ومنعه الآخر كان له الذي قبض ، ولم يكن له الذي منعه ، وكذلك لو لم يمنعه ، ولكنه غاب عنه أحدهما لم تكن الهبة في الغائب تامة حتى يسلطه على قبضه فيقبضه بأمره . وإذا رهنه رهنا فأصاب الرهن عيب إما كان عبدا فاعور أو قطع أو أي عيب أصابه فأقبضه إياه فهو رهن بحاله فإن قبضه ثم أصابه ذلك العيب عند المرتهن فهو رهن بحاله ، وهكذا لو كانت دارا فانهدمت أو حائطا فتقعر نخله وشجره وانهدمت عينه كان رهنا بحاله ، وكان للمرتهن منع الراهن من بيع خشب نخله وبيع بناء الدار ; لأن ذلك كله داخل في الرهن .
إلا أن يكون ارتهن الأرض دون البناء والشجر فلا يكون له منع ما لم يدخل في رهنه ، ولو رهنه أرض الدار ، ولم يسم له البناء في الرهن أو حائطا ، ولم يسم له الغراس في الرهن كانت الأرض له رهنا دون البناء والغراس ، ولا يدخل في الرهن إلا ما سمي داخلا فيه ، ولو قال رهنتك بناء الدار كانت الدار له رهنا دون أرضها ، ولا يكون له الأرض والبناء حتى يقول رهنتك أرض الدار وبناءها وجميع عمارتها . ولو قال : رهنتك نخلي كانت النخل رهنا ، ولم يكن ما سواها من الأرض ، ولا البناء عليها رهنا حتى يكتب : رهنتك حائطي بحدوده أرضه وغراسه وبنائه وكل حق له فيكون جميع ذلك رهنا .
ولو قال رهنتك بعض داري أو رهنتك شقصا أو جزءا من داري لم يكن هذا رهنا ، ولو أقبضه جميع الدار حتى يسمي كم ذلك البعض أو الشقص أو الجزء ربعا أو أقل أو أكثر منه كما لا يكون بيعا ، وكذلك لو أقبضه الدار ، ولو قال : رهنتكها إلا ما شئت أنا وأنت منها أو إلا جزءا منها لم يكن رهنا .
ما يكون إخراجا للرهن من يدي المرتهن ، وما لا يكون .
( قال الشافعي ) رحمه الله : وجماع ما يخرج الرهن من يدي المرتهن أن يبرأ الراهن من الحق الذي عليه الرهن بدفع أو إبراء من المرتهن له أو يسقط الحق الذي به الرهن بوجه من الوجوه فيكون الرهن خارجا من يدي المرتهن عائدا إلى ملك راهنه كما كان قبل أن يرهن أو بقول المرتهن قد فسخت الرهن أو أبطلته أو أبطلت حقي فيه ، ولو رهن رجل رجلا أشياء مثل دقيق ، وإبل وغنم وعروض ودراهم ودنانير بألف درهم أو ألف درهم ، ومائة دينار أو ألف درهم ، ومائتي دينار أو بعيرا وطعاما فدفع الراهن إلى المرتهن جميع ماله في الرهون كلها إلا درهما واحدا أو أقل منه أو ويبة حنطة أو أقل منها كانت الرهون كلها بالباقي .
وإن قل لا سبيل للراهن على شيء منها ، ولا لغرمائه ، ولا لورثته لو مات حتى يستوفي المرتهن كل ماله فيها ; لأن الرهون صفقة واحدة لا يفك بعضها قبل بعض . ولو رهن رجل رجلا جارية فقبضها المرتهن ثم أذن للراهن في عتقها فلم يعتقها أو أذن له في وطئها فلم يطأها أو وطئها فلم تحمل فهي رهن بحالها لا يخرجها من الرهن إلا بأن يأذن له فيما وصفت كما لو أمره أن يعتق عبدا لنفسه فأعتقه عتق [ ص: 147 ] وإن لم يعتقه فهو على ملكه بحاله ، وكذلك لو ردها المرتهن إلى الراهن بعد قبضه إياها بالرهن مرة واحدة فقال استمتع من وطئها وخدمتها كانت مرهونة بحالها لا تخرج من الرهن فإن حملت الجارية من الوطء فولدت أو أسقطت سقطا قد بان من خلقه شيء فهي أم ولد لسيدها الراهن وخارجة من الرهن ، وليس على الراهن أن يأتيه برهن غيرها ; لأنه لم يتعد في الوطء .
، وهكذا لو أذن له في أن يضربها فضربها فماتت لم يكن له عليه أن يأتيه ببدل منها يكون رهنا مكانها ; لأنه لم يتعد عليه في الضرب . وإذا رهن الرجل الرجل أمة فآجره إياها فوطئها الراهن أو اغتصبها الراهن نفسها فوطئها فإن لم تلد فهي رهن بحالها ، ولا عقر للمرتهن على الراهن ; لأنها أمة الراهن ، ولو كانت بكرا فنقصها الوطء كان للمرتهن أخذ الراهن بما نقصها يكون رهنا معها أو قصاصا من الحق إن شاء الراهن كما تكون جنايته عليها ، وهكذا لو كانت ثيبا فأفضاها أو نقصها نقصا له قيمة ، وإن لم ينقصها الوطء فلا شيء للمرتهن على الراهن في الوطء ، وهي رهن كما هي .
وإن حبلت وولدت ، ولم يأذن له في الوطء ، ولا مال له غيرها ففيها قولان . أحدهما : أنها لا تباع ما كانت حبلى ، فإذا ولدت بيعت ، ولم يبع ولدها ، وإن نقصتها الولادة شيئا فعلى الراهن ما نقصتها الولادة ، وإن ماتت من الولادة فعلى الراهن أن يأتي بقيمتها صحيحة تكون رهنا مكانها أو قصاصا متى قدر عليها ، ولا يكون إحباله إياها أكبر من أن يكون رهنها ثم أعتقها ، ولا مال له غيرها فأبطل العتق وتباع بالحق ، وإن كانت تسوى ألفا ، وإنما هي مرهونة بمائة بيع منها بقدر المائة وبقي ما بقي رقيقا لسيدها ليس له أن يطأها وتعتق بموته في قول من أعتق أم الولد بموت سيدها ، ولا تعتق قبل موته ، ولو كان رهنه إياها ثم أعتقها ، ولم تلد ، ولا مال له بيع منها بقدر الدين وعتق ما بقي مكانه . وإن كان عليه دين يحيط بما له عتق ما بقي ، ولم يبع لأهل الدين .
والقول الثاني : أنه إذا أعتقها فهي حرة أو أولدها فهي أم ولد له لا تباع في واحدة من الحالين ; لأنه مالك ، وقد ظلم نفسه ، ولا يسعى في شيء من قيمتها ، وهكذا القول فيما رهن من الرقيق كلهم ذكورهم ، وإناثهم ، وإذا بيعت أم الولد في الرهن بما وصفت فملكها السيد فهي أم ولد له بذلك الولد ، ووطؤه إياها ، وعتقه بغير إذن المرتهن مخالف له بإذن المرتهن .
ولو اختلفا في الوطء والعتق فقال الراهن : وطئتها أو أعتقتها بإذنك ، وقال المرتهن : ما أذنت لك فالقول قول المرتهن مع يمينه فإن نكل المرتهن حلف الراهن لقد أذن له ثم كانت خارجة من الرهن ، وإن لم يحلف الراهن أحلفت الجارية فقد أذن له بعتقها أو وطئها ، وكانت حرة أو أم ولد ، وإن لم تحلف هي ، ولا السيد كانت رهنا بحالها .
ولو مات المرتهن فادعى الراهن عليه أنه أذن له في عتقها أو وطئها ، وقد ولدت منه أو أعتقها كانت عليه البينة فإن لم يقم بينة فهي رهن بحالها ، وإن أراد أن يحلف له ورثة الميت أحلفوا ما علموا أباهم أذن له لم يزادوا على ذلك في اليمين ، ولو مات الراهن فادعى ورثة هذا أحلف لهم المرتهن ما أذن للراهن في الوطء والعتق كما وصفت أولا .
وهذا كله إذا كان مفلسا فأما إذا كان الراهن موسرا فتؤخذ قيمة الجارية منه في العتق والإيلاد ثم يخير بين أن تكون قيمتها رهنا مكانها ، وإن كان أكثر من الحق أن قصاصا من الحق فإن اختار أن يكون قصاصا من الحق ، وكان فيه فضل عن الحق رد ما فضل عن الحق عليه . وإذا أقر المرتهن أنه أذن للراهن في وطء أمته ثم قال : هذا الحبل ليس منك هو من زوج زوجتها إياه أو من عبد فادعاه الراهن فهو ابنه ، ولا يمين عليه ; لأن النسب لاحق به ، وهي أم ولد له بإقراره ، ولا يصدق المرتهن على نفي الولد عنه ، وإنما منعني من إحلافه أنه لو أقر بعد دعوته الولد أنه ليس منه ألحقت الولد به وجعلت الجارية أم ولد فلا معنى ليمينه إذا حكمت بإخراج أم الولد من الرهن .
ولو اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن : أذنت لي في وطئها فولدت لي ، وقال المرتهن : ما أذنت لك ، كان [ ص: 148 ] القول قول المرتهن فإن كان الراهن معسرا والجارية حبلى لم تبع حتى تلد ثم تباع ، ولا يباع ، ولدها ، ولو قامت بينة أن المرتهن أذن للراهن منذ مدة ذكروها في وطء أمته وجاءت بولد يمكن أن يكون من السيد في مثل تلك المدة فادعاه فهو ولده ، وإن لم يمكن أن يكون من السيد بحال ، وقال المرتهن هو من غيره بيعت الأمة ، ولا يباع الولد بحال ، ولا يكون الولد رهنا مع الأمة ، وإذا رهن رجل رجلا أمة ذات زوج أو زوجها بعد الرهن بإذن المرتهن لم يمنع زوجها من وطئها والبناء بها ، فإن ولدت فالولد خارج من الرهن ، وإن حبلت ففيها قولان . أحدهما : لا تباع حتى تضع حملها ثم تكون الجارية رهنا والولد خارجا من الرهن ، ومن قال هذا قال : إنما يمنعني من بيعها حبلى وولدها مملوك أن الولد لا يملك بما تملك به الأم إذا بيعت في الرهن ، فإن سأل الراهن أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن فذلك له .
والقول الثاني : أنها تباع حبلى ، وحكم الولد حكم الأم حتى يفارقها فإذا فارقها فهو خارج من الرهن ، وإذا رهن الرجل الرجل جارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن ; لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق من بيعها ، وكذلك ليس للمرتهن أن يزوجها ; لأنه لا يملكها ، وكذلك العبد الرهن ، وأيهما زوج العبد أو الأمة فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا على التزويج قبل عقدة النكاح .
وإذا رهن الرجل الرجل رهنا إلى أجل فاستأذن الراهن المرتهن في بيع الرهن فأذن له فيه فباعه فالبيع جائز ، وليس للمرتهن أن يأخذ من ثمنه شيئا ، ولا أن يأخذ الراهن برهن مكانه ، وله ما لم يبعه أن يرجع في إذنه له بالبيع فإن رجع فباعه بعد رجوعه في الإذن له فالبيع مفسوخ ، وإن لم يرجع ، وقال : إنما أذنت له في أن يبيعه على أن يعطيني ثمنه ، وإن كنت لم أقل له أنفذت البيع ، ولم يكن له أن يعطيه من ثمنه شيئا ، ولا أن يجعل له رهنا مكانه ، ولو اختلفا فقال : أذنت له وشرطت أن يعطيني ثمنه ، وقال الراهن : أذن لي ، ولم يشترط حتى يجعلها رهنا مكانه ، ولو تصادقا على أنه أذن له ببيعه على أن يعطيه ثمنه لم يكن له أن يبيعه ; لأنه لم يأذن له في بيعه إلا على أن يعجل له حقه قبل محله .
ولو قامت بينة على أنه أذن له أن يبيعه ويعطيه ثمنه فباعه على ذلك فسخت البيع من قبل فساد الشرط في دفعه حقه قبل محله بأخذ الرهن فإن فات العبد في يدي المشتري بموت فعلى المشتري قيمته ; لأن البيع فيه كان مردودا وتوضع قيمته رهنا إلى الأجل الذي إليه الحق إلا أن يتطوع الذي عليه الحق بتعجيله قبل محله تطوعا مستأنفا لا على الشرط الأول .
ولو أذن له أن يبيعه على أن يكون المال رهنا لم يجز البيع ، وكان كالمسألة قبلها التي أذن له فيها أن يبيعه على أن يقبضه ثمنه في رد البيع فكان فيه غير ما في المسألة الأولى أنه أذن له أن يبيعه على أن يرهنه ثمنه وثمنه شيء غيره غير معلوم ، ولو كان الرهن بحق حال فأذن الراهن للمرتهن أن يبيع الرهن على أن يعطيه حقه فالبيع جائز وعليه أن يدفع إليه ثمن الرهن ، ولا يحبس عنه منه شيئا ، فإن هلك في يده أخذه بجميع الحق في ماله كان أقل أو أكثر من ثمن الرهن ، وإنما أجزناه ها هنا ; لأنه كان عليه ما شرط عليه من بيعه ، وإيفائه حقه قبل شرط ذلك عليه .
ولو كانت المسألة بحالها فأذن له في بيع الرهن ، ولم يشترط عليه أن يعطيه ثمنه كان عليه أن يعطيه ثمنه إلا أن يكون الحق أقل من ثمنه فيعطيه الحق ، ولو أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن ، ولم يحل كان له الرجوع في إذنه له ما لم يبعه فإذا باعه وتم البيع ، ولم يقبض ثمنه أو قبضه فأراد المرتهن أخذ ثمنه منه على أصل الرهن لم يكن ذلك له ; لأنه أذن له في البيع ، وليس له البيع ، وقبض الثمن لنفسه فباع فكان كمن أعطي عطاء ، وقبضه أو كمن أذن له في فسخ الرهن ففسخه ، وكان ثمن العبد مالا من مال الراهن يكون المرتهن فيه وغيره من غرمائه أسوة .
ولو أذن له في بيعه فهو على الراهن ، وله الرجوع في الإذن له إلا أن يكون قال قد فسخت فيه الرهن أو أبطلته ، فإذا [ ص: 149 ] قاله لم يكن له الرجوع في الرهن ، وكان في الرهن كغريم غيره ، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية ، ثم وطئها المرتهن أقيم عليه الحد فإن ولدت فولده رقيق ، ولا يثبت نسبهم ، وإن كان أكرهها فعليه المهر ، وإن لم يكرها فلا مهر عليه ، وإن ادعى جهالة لم يعذر بها إلا أن يكون ممن أسلم حديثا أو كان ببادية نائية أو ما أشبهه .
ولو كان رب الجارية أذن له ، وكان يجهل درئ عنه الحد ، ولحق الولد وعليه قيمتهم يوم سقطوا ، وهم أحرار ، وفي المهر قولان . أحدهما : أن عليه مهر مثلها . والآخر : لا مهر عليه ; لأنه أباحها ، ومتى ملكها لم تكن له أم ولد وتباع الجارية ويؤدب هو والسيد للإذن .
( قال الربيع ) : إن ملكها يوما ما كانت أم ولد له بإقراره أنه أولدها ، وهو يملكها .
( قال الشافعي ) : ولو ادعى أن الراهن المالك ، وهبها له قبل الوطء أو باعه إياها أو أعمره إياها أو تصدق بها عليه أو اقتصه كانت أم ولد له وخارجة من الرهن إذا صدقه الراهن أو قامت عليه بينة بذلك كان الراهن حيا أو ميتا ، وإن لم تقم له بينة بدعواه فالجارية وولدها رقيق إذا عرف ملكها للراهن لم تخرج من ملكه إلا ببينة تقوم عليه .
وإذا أراد المرتهن أحلف له ورثة الراهن على علمهم فيما ادعى من خروجها من ملك الراهن إليه ( قال الربيع ) : وله في ولده قول آخر إنه حر بالقيمة ويدرأ عنه الحد ويغرم صداق مثلها .
جواز شرط الرهن .
( قال الشافعي ) رحمه الله : أذن الله - تبارك وتعالى - في الرهن مع الدين ، وكان الدين يكون من بيع وسلف وغيره من وجوه الحقوق ، وكان الرهن جائزا مع كل الحقوق شرط في عقدة الحقوق أو ارتهن بعد ثبوت الحقوق ، وكان معقولا أن الرهن زيادة وثيقة من الحق لصاحب الحق مع الحق مأذون فيها حلال ، وأنه ليس بالحق نفسه ، ولا جزء من عدده فلو أن رجلا باع رجلا شيئا بألف على أن يرهنه شيئا من ماله يعرفه الراهن والمرتهن كان البيع جائزا ، ولم يكن الرهن تاما حتى يقبضه الراهن المرتهن أو من يتراضيان به معا ، ومتى ما أقبضاه إياه قبل أن يرفعا إلى الحاكم فالبيع لازم له ، وكذلك إن سلمه ; ليقبضه فتركه البائع كان البيع تاما .
( قال الشافعي ) : وإن ارتفعا إلى الحاكم وامتنع الراهن من أن يقبضه المرتهن لم يجبره الحاكم على أن يدفعه إليه ; لأنه لا يكون رهنا إلا بأن يقبضه إياه .
وكذلك لو وهب رجل لرجل هبة فلم يدفعها إليه لم يجبره الحاكم على دفعها إليه ; لأنها لا تتم له إلا بالقبض ، وإذا باع الرجل الرجل على أن يرهنه رهنا فلم يدفع الراهن الرهن إلى البائع المشترط له فللبائع الخيار في إتمام البيع بلا رهن أو رد البيع ; لأنه لم يرض بذمة المشتري دون الرهن ، وكذلك لو رهنه رهونا فأقبضه بعضها ، ومنعه بعضها ، وهكذا لو باعه على أن يعطيه حميلا بعينه فلم يحمل له بها الرجل الذي اشترط حمالته حتى مات كان له الخيار في إتمام البيع بلا حميل أو فسخه ; لأنه لم يرض بذمته دون الحميل .
ولو كانت المسألة بحالها فأراد المشتري فسخ البيع فمنعه الرهن أو الحميل لم يكن ذلك له ; لأنه لم يدخل عليه هو نقص يكون له به الخيار ; لأن البيع كان في ذمته وزيادة رهن أو ذمة غيره فيسقط ذلك عنه فلم يزد عليه في ذمته شيء لم يكن عليه ، ولم يكن في هذا فساد للبيع ; لأنه لم ينتقص من الثمن شيء يفسد به البيع إنما انتقص شيء غير الثمن وثيقة للمرتهن لا ملك ، ولم يشترط شيئا فاسدا فيفسد به البيع .
وهكذا هذا في كل حق كان لرجل على رجل فشرط له فيه رهنا أو حميلا فإن كان الحق بعوض أعطاه إياه فهو كالبيع ، وله الخيار في أخذ [ ص: 150 ] العوض كما كان له في البيع . ، وإن كان الرهن في أن أسلفه سلفا بلا بيع أو كان له عليه حق قبل أن يرهنه بلا رهن ثم رهنه شيئا فلم يقبضه إياه فالحق بحاله ، وله في السلف أخذه متى شاء به ، وفي حقه غير السلف أخذه متى شاء إن كان حالا .
ولو باعه شيئا بألف على أن يرهنه رهنا يرضيه حميلا ثقة أو يعطيه رضاه من رهن وحميل أو ما شاء المشتري والبائع أو ما شاء أحدهما من رهن وحميل بغير تسمية شيء بعينه كان البيع فاسدا لجهالة البائع والمشتري أو أحدهما بما تشارطا . ألا ترى أنه لو جاءه بحميل أو رهن فقال لا أرضاه لم يكن عليه حجة بأنه رضي رهنا بعينه أو حميلا بعينه فأعطاه ، ولو كان باعه بيعا بألف على أن يعطيه عبدا له يعرفانه رهنا له فأعطاه إياه رهنا فلم يقبله لم يكن له نقض البيع ; لأنه لم ينقصه شيئا من شرطه الذي عرفا معا . وهكذا لو باعه بيعا بألف على أن يرهنه ما أفاد في يومه أو من قدم عليه من غيبته من رقيقه أو ما أشبه هذا كان البيع مفسوخا بمثل معنى المسألة قبلها أو أكثر .
وإذا اشترى منه شيئا على أن يرهنه شيئا بعينه ثم مات المشتري قبل أن يدفع الرهن إلى المرتهن لم يكن الرهن رهنا ، ولم يكن على ورثته دفعه إليه ، وإن تطوعوا ، ولا وارث معهم ، ولا صاحب وصية فدفعوه إليه فهو رهن ، وله بيعه مكانه ; لأن دينه قد حل ، وإن لم يفعلوا فالبائع بالخيار في نقض البيع أو إتمامه ، ولو كان البائع المشترط الرهن هو الميت كان دينه إلى أجله إن كان مؤجلا أو حالا إن كان حالا ، وقام ورثته مقامه فإن دفع المشتري إليهم الرهن فالبيع تام ، وإن لم يدفعه إليهم فلهم الخيار في نقض البيع كما كان لأبيهم فيه أو إتمامه إذا كان الرهن فائتا .
( قال الشافعي ) : إذا كان الرهن فائتا أو السلعة المشتراة فائتة جعلت له الخيار بين أن يتمه فيأخذ ثمنه أو ينقضه فيأخذ قيمته كما أجعله له لو باعه عبدا فمات فقال المشتري اشتريته بخمسمائة ، وقال البائع بعته بألف وجعلت له إن شاء أن يأخذ ما أقر له به المشتري ، وإن شاء أن يأخذ قيمته بعد أن يحلف على ما ادعى المشتري ، ولا أحلفه ها هنا ; لأنه لا يدعي عليه المشتري براءة من شيء كما ادعى هناك المشتري براءة مما زاد على خمسمائة .
( قال الشافعي ) : ولو باع رجل رجلا بيعا بثمن حال أو إلى أجل أو كان له عليه حق فلم يكن له رهن في واحد منهما ، ولا شرط الرهن عند عقده واحدا منهما ثم تطوع له المشتري بأن يرهنه شيئا بعينه فرهنه إياه فقبضه ثم أراد الراهن إخراج الرهن من الرهن ; لأنه كان متطوعا به لم يكن له ذلك إلا أن يشاء المرتهن كما لا يكون له لو كان الرهن بشرط ، وكذا لو كان رهنه بشرط فأقبضه إياه ثم زاده رهنا آخر معه أو رهونا فأقبضه إياها ثم أراد إخراجها أو إخراج بعضها لم يكن ذلك له ، ولو كانت الرهون تسوى أضعاف ما هي مرهونة به ، ولو زاده رهونا أو رهنه رهونا مرة واحدة فأقبضه بعضها ، ولم يقبضه بعضها كان ما أقبضه رهنا ، وما لم يقبضه غير رهن ، ولم ينتقض ما أقبضه بما لم يقبضه .
وإذا باع الرجل الرجل البيع على أن يكون المبيع نفسه رهنا للبائع فالبيع مفسوخ من قبل أنه لم يملكه السلعة إلا بأن تكون محتبسة عن المشتري ، وليس هذا كالسلعة لنفسه برهنه إياها ألا ترى أنه لو وهب له سلعة لنفسه جاز ، وهو لو اشترى منه شيئا على أن يهبه له لم يجز وسواء تشارطا وضع الرهن على يدي البائع أو عدل غيره ، وإذا مات المرتهن فالرهن بحاله فلورثته فيه ما كان له ، وإذا مات الراهن فالرهن بحاله لا ينتقض بموته ، ولا موتهما ، ولا بموت واحد منهما قال ولورثة الراهن إذا مات فيه ما للراهن من أن يؤدوا ما فيه ويخرج من الرهن أو يباع عليهم بأن دين أبيهم قد حل ، ولهم أن يأخذوا المرتهن ببيعه ويمنعوه من حبسه عن البيع ; لأنه قد يتغير في حبسه ويتلف فلا تبرأ ذمة أبيهم ، وقد يكون فيه الفضل عما رهن به فيكون ذلك لهم .
ولو كان المرتهن غائبا أقام الحاكم من يبيع الرهن ويجعل حقه على يدي عدل إن لم يكن له وكيل يقوم بذلك . وإذا كان للرجل على الرجل الحق بلا رهن ثم رهنه رهنا فالرهن جائز [ ص: 151 ] كان الحق حالا أو إلى أجل فإن كان الحق حالا أو إلى أجل فقال الراهن : أرهنك على أن تزيدني في الأجل ففعل فالرهن مفسوخ والحق الحال كما كان والمؤجل إلى أجله الأول بحاله والأجل الآخر باطل وغرماء الراهن في الرهن الفاسد أسوة المرتهن ، وكذلك لو لم يشترط عليه تأخير الأجل وشرط عليه أن يبيعه شيئا أو يسلفه إياه أو يعمله له بثمن على أن يرهنه ، ولم يرهنه لم يجز الرهن ، ولا يجوز الرهن في حق واجب قبله حتى يتطوع به الراهن بلا زيادة شيء على المرتهن ، ولو قال له : بعني عبدك بمائة على أن أرهنك بالمائة وحقك الذي قبلها رهنا كان الرهن والبيع مفسوخا كله ، ولو هلك العبد في يدي المشتري كان ضامنا لقيمته ، ولو أقر المرتهن أن الموضوع على يديه الرهن قبضه جعلته رهنا ، ولم أقبل قول العدل : لم أقبضه إذا قال المرتهن قد قبضه العدل .
اختلاف المرهون والحق الذي يكون به الرهن . ( قال الشافعي ) : رحمه الله : وإذا كانت الدار أو العبد أو العرض في يدي رجل فقال رهنيه فلان على كذا ، وقال فلان ما رهنتكه ، ولكني أودعتك إياه أو وكلتك به أو غصبتنيه فالقول قول رب الدار والعرض والعبد ; لأن الذي في يده يقر له بملكه ويدعي عليه فيه حقا فلا يكون فيه بدعواه إلا ببينة ، وكذلك لو قال الذي هو في يديه رهنتنيه بألف ، وقال المدعى عليه لك علي ألف ، ولم أرهنك به ما زعمت كان القول قوله وعليه ألف بلا رهن كما أقر ، ولو كانت في يدي رجل داران فقال : رهننيهما فلان بألف ، وقال فلان : رهنتك إحداهما وسماها بعينها بألف كان القول قول رب الدار الذي زعم أنها ليست برهن غير رهن .
، وكذلك لو قال له رهنتك إحداهما بمائة لم يكن رهنا إلا بمائة ، ولو قال الذي هما في يديه : رهنتنيهما بألف ، وقال رب الدارين : بل رهنتك إحداهما بغير عينها بألف لم تكن واحدة منهما رهنا ، وكانت عليه ألف بإقراره بلا رهن ; لأنه لا يجوز في الأصل أن يقول رجل لرجل : أرهنك إحدى داري هاتين ، ولا يسميها ، ولا أحد عبدي هذين ، ولا أحد ثوبي هذين ، ولا يجوز الرهن حتى يكون مسمى بعينه .
ولو كانت دار في يدي رجل فقال رهنيها فلان بألف ودفعها إلي ، وقال فلان رهنته إياها بألف ، ولم أدفعها إليه فعدا عليها فغصبها أو تكاراها مني رجل فأنزله فيها أو تكاراها مني هو فنزلها ، ولم أدفعها إليه قبضا بالرهن فالقول قول رب الدار ، ولا تكون رهنا إذا كان يقول ليست برهن فيكون القول قوله ، وهو إذا أقر بالرهن ، ولم يقبضه المرتهن فليس برهن ، ولو كانت الدار في يدي رجل فقال : رهنيها فلان بألف دينار وأقبضنيها . وقال فلان : رهنته إياها بألف درهم أو ألف فلس وأقبضته إياها كان القول قول رب الدار ، ولو كان في يدي رجل عبد فقال : رهنيه فلان بمائة وصدقه العبد . وقال رب العبد : ما رهنته إياه بشيء . فالقول قول رب العبد ، ولا قول للعبد ، ولو كانت المسألة بحالها فقال ما رهنتكه بمائة ، ولكني بعتكه بمائة لم يكن العبد رهنا ، ولا بيعا إذا اختلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|