عرض مشاركة واحدة
  #135  
قديم 10-06-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الرابع
الحلقة (135)

من صــ 253 الى صـ
ـ 262




وفي هذا المقام تعرف أولوا الألباب سر قوله: {سبقت رحمتي غضبي} وقوله: {الشر ليس إليك} وقوله: {بيدك الخير} وقوله: {من شر ما خلق} وقوله: {وإذا مرضت فهو يشفين}. {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا}؟ وما شاكل ذلك من أن الشر إما أن يحذف فاعله أو يضاف إلى الأسباب أو يندرج في العموم وأما إفراده بالذكر مضافا إلى خالق كل شيء فلا يقتضيه كلام حكيم لما توجبه الحقيقة المقتضية للأدب المؤسس لا لمحض. . . (1) متميز. وهنا يعرف سبب دخول خلق كثير الجنة بلا عمل وإنشاء خلق لها.
وأما النار فلا تدخل إلا بعمل ولن يدخلها إلا أهل الدنيا ويعرف حقيقة: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} مع أن السيئة من القدر، وقول الصديق وغيره من الصحابة: إن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان إلى غير ذلك مما فيه ما قد لحظ كل ناظر منه شعبة من الحق وتعلق بسبب من الصواب وما يتبع وجوه الحق ويؤمن بالكتاب كله إلا أولو الألباب وقليل ما هم فهذه إشارة يسيرة إلى كلي التقدير.
وأما كون قدرة العبد وكسبه له شأن من بين سائر الأسباب. فإن الله - عز وجل - خص الإنسان بأن علمه يورثه في الدنيا أخلاقا وأحوالا وآثارا. وفي الآخرة أيضا أمورا أخر لم يحصل هذا لغيره من مخلوقاته والوجوه التي خص بها الإنسان في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله شخصا ونوعا أكثر من أن تحصى وما من عاقل إلا وعنده منها طرف ولهذا حسن توجيه الأمر والنهي إليه. وصح إضافة الفعل إليه حقيقة وكسبا مع أنه خلق الله تعالى فإن الله تعالى خلق العبد وعمله وجعل هذا العمل له عملا قام به وصدر عنه وحدث بقدرته الحادثة. وأدنى أحوال " الفعل " أن يكون بمنزلة الصفات والأخلاق المخلوقة في العبد إذا جعلت مفضية إلى أمور أخر فهل يصح تجريد العبد عنها؟ كلا ولم؟.
وأما " الأمر " فإنه في حق المطيعين من الأسباب التي بها يكون الفعل منهم؛ فإنه يبعث داعيتهم ثم إنه يوجب لهم الطاعة ومحض الانقياد والاستسلام فهو من جملة القدر السابق لهم إلى السعادة وفي حق العاصين هو السبب الذي يستحقون به العصيان إذ لولا هو لما تميز مطيع من عاص. و " أيضا " في حقهم من القدر السابق لهم إلى المعصية؛ ليضل به كثيرا ويهدي به كثيرا عن إدخال الأمر والنهي في جملة المقادير. . . (2) يحل عقدة كثيرة هذا. . . (3) سبحانه وتعالى لعلمه بالعواقب.
وأما أمر العباد فظاهر العدم. . . (4) من المعاصي في علمهم وأن قصدهم نفس صدور الفعل من الجميع فهو. . . (5) في ظاهر الأمر الشرعي على لسان المرسلين بالكتب المنزلة والله كله. . . (6) مظهر أمر وحكم يمضيه فالإرادة والأمر كل منهما منقسم. . . (7) عام الوقوع جامع للقسمين وإلى شرع وربما بعد وربما وقف. . . (8) القدر له والخير كل الخير في نفوذه وهو خاص الوقوع بفرق إلى القسمين واضع الأشياء في مراتبها.

وإذا صح نسبة الطاعة والمعصية إلى من خلقت فيه ولو أنه يخلق الصفات. أفيحسن بالإنسان أن يقول: أسود وأحمر وطويل وقصير وذكي وبليد وعربي وعجمي فيضيف إليه جميع الصفات التي ليس للإنسان فيها إرادة أصلا ألبتة لقيامها به، وتأثيرها فيه تارة بما يلائمه وتارة بما ينافره ثم يستبعد أن يضاف إليه ما خلق فيه من الفعل بواسطة قصده وإرادته المخلوقين أيضا؟ ثم يقول: ليس للعبد في السيئ شيء فهل الجميع إلا له؟ بل ليست لأحد غيره؛ لكن الله سبحانه وتعالى خلقها له وإضافة الفعل إلى خالقه ومبدعه لا تنافي إضافته إلى صاحبه ومحله الذي هو فاعله وكاسبه وقد بينا الجبر المذموم ما هو.

ونختم الكلام بكلام وجيز في سبب الفرق بين الخلق والكسب.
فنقول: الخلق يجمع معنيين: أحدهما: الإبداع والبرء، والثاني: التقدير والتصوير.
فإذا قيل: خلق فلا بد أن يكون أبدع إبداعا مقدرا ولما كان - سبحانه وتعالى - أبدع جميع الأشياء من العدم وجعل لكل شيء قدرا صح إضافة الخلق إليه بالقول المطلق. والتقدير في المخلوق لازم إذ هو عبارة عن تحديده والإحاطة به وهذا لازم لجميع الكائنات لا كما زعم من حسب أن الخلق في. . . (10) ذوات المساحة وهي الأجسام مفرقا بين الخلق والأمر بذلك فإنه قول باطل مبتدع والأمر هو كلامه كما فسره الأولون والخلق مفسر. . . (11) يجعل الخلق بإزاء إبداع الصور الذهنية وتقديرها ومنه تسمية. . . (12) اختلافا إذ هو صور ذهنية ليس لها حقيقة خارجة عن الذهن و. . . (13) جعل الخلق بمعنى التقدير فقط مقطوعا عنه النظر إلى الإبداع بما قال. . . (14) سدى ما خلقت وكما قال علي في تمثال صنعه: أنا خلقته والفرق. . . (15) الأولى من حيث إن تلك الصورة مبتدعة لكان قولا. . . (16) يكون إلا الله سبحانه وتعالى صح وصفه سبحانه بأنه خالق كل شيء.
وأما الكسب فقد ذكرنا أنه إنما ينظر فيه إلى تأثيره في محله ولو لم يكن له عليه قدرة حتى يقال: الثوب قد اكتسب من ريح المسك، والمسجد قد اكتسب الحرمة من أفعال العابدين والجلد قد اكتسب الحرمة لمجاورة المصحف والثمرة قد اكتسبت لونا وريحا وطعما فكل محل تأثر عن شيء مؤثرا وملائما ومنافرا صح وصفه بالاكتساب بناء على تأثره وتغيره وتحوله من حال إلى حال والإنسان يتأثر عن الأفعال الاختيارية ولا يتأثر عن الأفعال الاضطرارية فتورثه أخلاقا وأحوالا على أي حال كان حتى على رأي من يطلق اسم الجبر على مجموع أفعاله فإنه يستيقن تأثير الأفعال الاختيارية في نفسه بخلاف الاضطرارية اللهم إلا من حيث قد توجب الأفعال الاضطرارية أمرا في نفسه فيكون ذلك اختيارا.
ثم اعلم أن الاضطرار إنما يكون في بدنه دون قلبه إما بفعل الله تعالى كالأمراض والأسقام وإما بفعل العباد كالقيد والحبس وأما أفعال روحه المنفوخة فيه؛ إذا حركت يديه فهي كلها اختيارية ومن وجه قد بيناه كلها اضطرارية فاضطرارها هو عين. . . (17) واختيارها إنما هو بالاضطرار وحقيقة الاضطرار هو أن اضطرار. . . (18) وربما أحبت من وجه وكرهت من وجه آخر وهذا كله لا يمنع ورود التكليف واقتضاء الثواب والعقاب. هذا الذي تيسر كتابته في الحال: {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل} والحمد لله وحده.

(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (286)
وقال - رحمه الله -:
فصل:

في الدعاء المذكور في آخر (سورة البقرة) وهو قوله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} إلى آخرها.
قد ثبت في صحيح مسلم: {أنه قال قد فعلت} وكذلك في صحيحه من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم تقرأ بحرف منها إلا أعطيته} وفي صحيحه أيضا عن ابن مسعود قال: {لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها قال: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال: فراش من ذهب قال: فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن مات من أمته لا يشرك بالله شيئا المقحمات}.
قال بعض الناس إذا كان هذا الدعاء قد أجيب فطلب ما فيه من باب تحصيل الحاصل وهذا لا فائدة فيه فيكون هذا الدعاء عبادة محضة ليس المقصود به السؤال وهذا القول قد قاله طائفة في جميع الدعاء أنه إن كان المطلوب مقدرا فلا حاجة إلى سؤاله وطلبه وإن كان غير مقدر لم ينفع الدعاء - دعوت أو لم تدع - فجعلوا الدعاء تعبدا محضا كما قال ذلك طائفة أخرى في التوكل. وقد بسطنا الكلام على هؤلاء في غير هذا الموضع وذكرنا قول من جعل ذلك أمارة أو علامة بناء على أنه ليس في الوجود سبب يفعل به؛ بل يقترن أحد الحادثين بالآخر قاله طائفة من القدرية النظار وأول من عرف عنه ذلك الجهم بن صفوان ومن وافقه وذكرنا أن " القول الثالث " هو الصواب وهو أن الدعاء والتوكل والعمل الصالح سبب في حصول المدعو به من خير الدنيا والآخرة والمعاصي سبب وأن الحكم المعلق بالسبب قد يحتاج إلى وجود الشرط وانتفاء الموانع فإذا حصل ذلك حصل المسبب بلا ريب. والمقصود هنا الكلام في الدعاء الذي قد علم أنه أجيب فقال بعض الناس: هذا تعبد محض لحصول المطلوب بدون دعائنا فلا يبقى سببا ولا علامة وهذا ضعيف.

أما أولا فإن العمل الذي لا مصلحة للعبد فيه لا يأمر الله به وهذا بناء على قول السلف: إن الله لم يخلق ولم يأمر إلا لحكمة كما لم يخلق ولم يأمر إلا لسبب. والذين ينكرون الأسباب والحكم يقولون بل يأمر بما لا منفعة فيه للعباد ألبتة وإن أطاعوه وفعلوا ما أمرهم به كما بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع. والمقصود أن كل ما أمر الله به أمر به لحكمة وما نهى عنه نهى لحكمة وهذا مذهب أئمة الفقهاء قاطبة وسلف الأمة وأئمتها وعامتها فالتعبد المحض بحيث لا يكون فيه حكمة لم يقع.

نعم قد تكون الحكمة في المأمور به وقد تكون في الأمر وقد تكون في كليهما فمن المأمور به ما لو فعله العبد بدون الأمر حصل له منفعة: كالعدل والإحسان إلى الخلق وصلة الرحم وغير ذلك. فهذا إذ أمر به صار فيه " حكمتان " حكمة في نفسه وحكمة في الأمر فيبقى له حسن من جهة نفسه ومن جهة أمر الشارع وهذا هو الغالب على الشريعة وما أمر الشرع به بعد أن لم يكن إنما كانت حكمته لما أمر به. وكذلك ما نسخ زالت حكمته وصارت في بدله كالقبلة.
وإذا قدر أن الفعل ليست فيه حكمة أصلا فهل يصير بنفس الأمر فيه حكمة الطاعة؟ وهذا جائز عند من يقول بالتعبد المحض وإن لم يقل بجواز الأمر لكل شيء؛ لكن يجعل من باب الابتلاء والامتحان فإذا فعل صار العبد به مطيعا كنهيهم عن الشرب إلا من اغترف غرفة بيده. والتحقيق أن الأمر الذي هو ابتلاء وامتحان يحض عليه من غير منفعة في الفعل متى اعتقده العبد وعزم على الامتثال حصل المقصود وإن لم يفعله كإبراهيم لما أمر بذبح ابنه وكحديث أقرع وأبرص وأعمى لما طلب منهم إعطاء ابن السبيل فامتنع الأبرص والأقرع فسلبا النعمة وأما الأعمى فبذل المطلوب فقيل له أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك وهذا هو الحكمة الناشئة من نفس الأمر والنهي لا من نفس الفعل فقد يؤمر العبد وينهى وتكون الحكمة طاعته للأمر وانقياده له وبذله للمطلوب كما كان المطلوب من إبراهيم تقديم حب الله على حبه لابنه حتى تتم خلته به قبل ذبح هذا المحبوب لله فلما أقدم عليه وقوي عزمه بإرادته لذلك تحقق بأن الله أحب إليه من الولد وغيره ولم يبق في قلبه محبوب يزاحم محبة الله. وكذلك أصحاب طالوت ابتلوا بالامتناع من الشرب ليحصل من إيمانهم وطاعتهم ما تحصل به الموافقة والابتلاء هاهنا كان بنهي لا بأمر وأما رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة فالفعل في نفسه مقصود لما تضمنه من ذكر الله.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله في الحديث الذي في السنن {إنما جعل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله} رواه أبو داود والترمذي وغيرهما فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا له حكمة فكيف يقال لا حكمة؛ بل هو تعبد وابتلاء محض. وأما فعل مأمور في الشرع ليس فيه مصلحة ولا منفعة ولا حكمة إلا مجرد الطاعة والمؤمنون يفعلونه فهذا لا أعرفه بل ما كان من هذا القبيل نسخ بعد العزم كما نسخ إيجاب الخمسين صلاة إلى خمس.

و " المعتزلة " تنكر الحكمة الناشئة من نفس الأمر؛ ولهذا لم يجوزوا النسخ قبل التمكن وقد وافقهم على ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي الحسن التميمي وبنوه على أصلهم وهو أن الأمر عندهم كاشف عن حسن الفعل الثابت في نفسه لا مثبت لحسن الفعل وأن الأمر لا يكون إلا بحسن وغلطوا في المقدمتين فإن الأمر وإن كان كاشفا عن حسن الفعل فالفعل بالأمر يصير له حسن آخر غير الحسن الأول وإذا كان مقصود الآمر الامتحان للطاعة فقد يأمر بما ليس بحسن في نفسه وينسخه قبل التمكن إذا حصل المقصود من طاعة المأمور وعزمه وانقياده وهذا موجود في أمر الله وأمر الناس بعضهم بعضا.
__________
Q (1) سقط بالأصل
Q (5، 2) هكذا بالأصل
Q (9، 6) هكذا بالأصل
Q (16، 10) بياض بالأصل
Q (18، 17) بياض بالأصل

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.63%)]