عرض مشاركة واحدة
  #139  
قديم 10-06-2022, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
الحلقة (139)

من صــ 289 الى صـ
ـ 296



ولا ريب أن الله ألزم الخلق التوحيد وأمرهم به وقضى به وحكم فقال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} وقال: {أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} وقال: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} الآية وقال تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون} وقال: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} وهذا كثير في القرآن يوجب على العباد عبادته وتوحيده ويحرم عليهم عبادة ما سواه فقد حكم وقضى: أنه لا إله إلا هو.

ولكن الكلام في دلالة لفظ الشهادة على ذلك؛ وذلك أنه إذا شهد أنه لا إله إلا هو فقد أخبر وبين وأعلم أن ما سواه ليس بإله فلا يعبد وأنه وحده الإله الذي يستحق العبادة وهذا يتضمن الأمر بعبادته والنهي عن عبادة ما سواه فإن النفي والإثبات في مثل هذا يتضمن الأمر والنهي كما إذا استفتى شخص شخصا فقال له قائل: هذا ليس بمفت هذا هو المفتي ففيه نهي عن استفتاء الأول وأمر وإرشاد إلى استفتاء الثاني.
وكذلك إذا تحاكم إلى غير حاكم أو طلب شيئا من غير ولي الأمر فقيل له: ليس هذا حاكما ولا هذا سلطانا؛ هذا هو الحاكم وهذا هو السلطان فهذا النفي والإثبات يتضمن الأمر والنهي وذلك أن الطالب إنما يطلب من عنده مراده ومقصوده فإذا ظنه شخصا فقيل له: ليس مرادك عنده وإنما مرادك عند هذا كان أمرا له بطلب مراده عند هذا دون ذاك. والعابدون إنما مقصودهم أن يعبدوا من هو إله يستحق العبادة فإذا قيل لهم كل ما سوى الله ليس بإله إنما الإله هو الله وحده كان هذا نهيا لهم عن عبادة ما سواه وأمرا بعبادته.
و " أيضا " فلو لم يكن هناك طالب للعبادة فلفظ الإله يقتضي أنه يستحق العبادة فإذا أخبر أنه هو المستحق للعبادة دون ما سواه كان ذلك أمرا بما يستحقه. وليس المراد هنا " بالإله " من عبده عابد بلا استحقاق فإن هذه الآلهة كثيرة؛ ولكن تسميتهم آلهة والخبر عنهم بذلك واتخاذهم معبودين أمر باطل كما قال تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} وقال: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}.
فالآلهة التي جعلها عابدوها آلهة يعبدونها كثيرة؛ لكن هي لا تستحق العبادة فليست بآلهة كمن جعل غيره شاهدا أو حاكما أو مفتيا أو أميرا وهو لا يحسن شيئا من ذلك. ولا بد لكل إنسان من إله يألهه ويعبده {تعس عبد الدينار وعبد الدرهم} فإن بعض الناس قد أله ذلك محبة وذلا وتعظيما كما قد بسط في غير هذا الموضع.
فإذا شهد الله أنه لا إله إلا هو فقد حكم وقضى بأن لا يعبد إلا إياه. و " أيضا " فلفظ الحكم والقضاء يستعمل في الجمل الخبرية فيقال: للجمل الخبرية قضية ويقال: قد حكم فيها بثبوت هذا المعنى وانتفاء هذا المعنى وكل شاهد ومخبر هو حاكم بهذا الاعتبار قد حكم بثبوت ما أثبته ونفي ما نفاه حكما خبريا قد يتضمن حكما طلبيا.
فصل:
وشهادة الرب وبيانه وإعلامه يكون بقوله تارة وبفعله تارة. فالقول هو ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه وأوحاه إلى عباده كما قال: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} إلى غير ذلك من الآيات. وقد علم بالتواتر والاضطرار أن جميع الرسل أخبروا عن الله أنه شهد ويشهد أن لا إله إلا هو بقوله وكلامه؛ وهذا معلوم من جهة كل من بلغ عنه كلامه ولهذا قال تعالى:

{أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي} وأما شهادته بفعله فهو ما نصبه من الأدلة الدالة على وحدانيته التي تعلم دلالتها بالعقل وإن لم يكن هناك خبر عن الله وهذا يستعمل فيه لفظ الشهادة والدلالة والإرشاد فإن الدليل يبين المدلول عليه ويظهره فهو بمنزلة المخبر به الشاهد به كما قيل: سل الأرض من فجر أنهارها وغرس أشجارها وأخرج ثمارها وأحيا نباتها وأغطش ليلها وأوضح نهارها؛ فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. وهو سبحانه شهد بما جعلها دالة عليه؛ فإن دلالتها إنما هي بخلقه لها فإذا كانت المخلوقات دالة على أنه لا إله إلا هو وهو سبحانه الذي جعلها دالة عليه؛ فإن دلالتها إنما هي بخلقه وبين ذلك؛ فهو الشاهد المبين بها أنه لا إله إلا هو وهذه الشهادة الفعلية ذكرها طائفة.
قال ابن كيسان: {شهد الله} بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عند خلقه أنه لا إله إلا هو.

فصل:
وقوله: {قائما بالقسط} هو نصب على الحال وفيه وجهان: قيل: هو حال من (شهد) : أي شهد قائما بالقسط. وقيل: من (هو أي لا إله إلا هو قائما بالقسط كما يقال: لا إله إلا هو وحده وكلا المعنيين صحيح. وقوله: {قائما بالقسط} يجوز أن يعمل فيه كلا العاملين على مذهب الكوفيين في أن المعمول الواحد يعمل فيه عاملان كما قالوا في قوله: {هاؤم اقرءوا كتابيه} {آتوني أفرغ عليه قطرا} و {عن اليمين وعن الشمال قعيد} ونحو ذلك.
وسيبويه وأصحابه يجعلون لكل عامل معمولا ويقولون حذف معمول أحدهما لدلالة الآخر عليه وقول الكوفيين أرجح كما قد بسطته في غير هذا الموضع. وعلى المذهبين فقوله: {بالقسط} يخرج على هذا إما كونه يشهد قائما بالقسط؛ فإن القائم بالقسط هو القائم بالعدل كما في قوله {كونوا قوامين بالقسط} فالقيام بالقسط يكون في القول وهو القول العدل ويكون في الفعل. فإذا قيل: شهد {قائما بالقسط} أي: متكلما بالعدل مخبرا به آمرا به: كان هذا تحقيقا لكون الشهادة شهادة عدل وقسط وهي أعدل من كل شهادة كما أن الشرك أظلم من كل ظلم وهذه الشهادة أعظم الشهادات.

وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية ما يوافق ذلك فذكر ابن السائب: {أن حبرين من أحبار الشام قدما على النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة فقالا: أنت محمد؟ قال: نعم قالا: وأحمد؟ قال: نعم. قالا: نسألك عن شهادة فإن أخبرتنا بها آمنا بك. فقال: سلاني. فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فنزلت هذه الآية}.

ولفظ " القيام بالقسط " كما يتناول القول يتناول العمل فيكون التقدير: بشهد وهو قائل بالقسط عامل به لا بالظلم؛ فإن هذه الشهادة تضمنت قولا وعملا فإنها تضمنت أنه هو الذي يستحق العبادة وحده فيعبد وأن غيره لا يستحق العبادة وأن الذين عبدوه وحده هم المفلحون السعداء وأن المشركين به في النار فإذا شهد قائما بالعدل المتضمن جزاء المخلصين بالجنة وجزاء المشركين بالنار كان هذا من تمام تحقيق موجب هذه الشهادة وكان قوله: {قائما بالقسط} تنبيها على جزاء المخلصين والمشركين كما في قوله: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} قال طائفة من المفسرين منهم البغوي نظم الآية شهد الله قائما بالقسط ومعنى قوله: {قائما بالقسط} أي بتدبير الخلق كما يقال: فلان قائم بأمر فلان أي يدبره ويتعاهد أسبابه وقائم بحق فلان أي مجاز له فالله تعالى مدبر رزاق مجاز بالأعمال.
وإذا اعتبر القسط في الإلهية كان المعنى: " لا إله إلا هو قائما بالقسط " أي هو وحده الإله قائما بالقسط فيكون وحده مستحقا للعبادة مع كونه قائما بالقسط كما يقال: أشهد أن لا إله إلا الله إلها واحدا أحدا صمدا وهذا الوجه أرجح؛ فإنه يتضمن أن الملائكة وأولي العلم يشهدون له مع أنه لا إله إلا هو وأنه قائم بالقسط.
و " الوجه الأول " لا يدل على هذا؛ لأن كونه قائما بالقسط كما شهد به أبلغ من كونه حال الشاهد وقيامه بالقسط يتضمن أنه يقول الصدق ويعمل بالعدل كما قال: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} وقال هود: {إن ربي على صراط مستقيم} فأخبر أن الله على صراط مستقيم وهو العدل الذي لا عوج فيه.
وقال: {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم} وهو مثل ضربه الله لنفسه ولما يشرك به من الأوثان كما ذكر ذلك في قوله: {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق} الآية. وقال: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} الآيات. إلى قوله: {وما يشعرون أيان يبعثون} فأخبر أنه خالق منعم عالم وما يدعون من دونه لا تخلق شيئا ولا تنعم بشيء ولا تعلم شيئا وأخبر أنها ميتة فهل يستوي هذا وهذا؟ فكيف يعبدونها من دون الله مع هذا الفرق الذي لا فرق أعظم منه؟ ولهذا كان هذا أعظم الظلم والإفك.

ومن هذا الباب قوله تعالى {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم ما يشركون} فقوله تعالى: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم} كلاهما مثل بين الله فيه أنه لا يستوي هو وما يشركون به كما ذكر نظير ذلك في غير موضع وإن كان هذا الفرق معلوما بالضرورة لكل أحد؛ لكن المشركون مع اعترافهم بأن آلهتهم مخلوقة مملوكة له يسوون بينه وبينها في المحبة والدعاء والعبادة ونحو ذلك.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]