عرض مشاركة واحدة
  #162  
قديم 11-06-2022, 10:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 863 الى صـ 868
الحلقة (162)


القول في تأويل قوله تعالى :

[ 65 ] يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنـزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون .

يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم أي : تجادلون فيه فيدعيه كل من فريقكم : وما أنـزلت التوراة والإنجيل أي : المقرر كل منهما لأصل دين منتحله منكم : إلا من بعده أفلا تعقلون حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدل المحال .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 66 ] ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون

ها أنتم هؤلاء أي : الأشخاص الحمقى : حاججتم فيما لكم به علم من أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ له ذكر في كتابكم ، فأمكنكم تغييره لفظا ومعنى ، أو من أمر موسى وعيسى عليهما السلام ، أو مما نطق به التوراة والإنجيل : فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم من أمر إبراهيم لكونه لم يذكر في كتابكم بما حاججتم ، فلا يمكنكم فيه التغيير : والله يعلم فيبينه لنبيه : وأنتم لا تعلمون
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 67 ] ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين

ما كان إبراهيم يهوديا أي : كما ادعى اليهود : ولا نصرانيا كما ادعى النصارى : ولكن كان حنيفا مسلما سبق معنى الحنيف عند قوله تعالى : بل ملة إبراهيم حنيفا في البقرة : وما كان من المشركين تعريض بأنهم مشركون بقولهم : عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، ورد لادعاء المشركين أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام .

[ ص: 864 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 68 ] إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين .

إن أولى الناس بإبراهيم أي : أخصهم به وأقربهم منه ، من ( الولي ) وهو القرب : للذين اتبعوه أي : في دينه من أمته وغيرهم : وهذا النبي يعني : خاتم الأنبياء محمدا - صلى الله عليه وسلم - : والذين آمنوا به فعملوا بشريعته الموافقة لشريعة إبراهيم : والله ولي المؤمنين بالنصر والمعونة والمحبة .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 69 ] ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون

ودت أي : تمنت : طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم بالرجوع إلى دينهم حسدا وبغيا : وما يضلون إلا أنفسهم أي : وما يتخطاهم الإضلال ، ولا يعود وباله إلا عليهم ، إذ يضاعف به عذابهم : وما يشعرون أي : أن وزره خاص بهم . ونظير هذه الآية قوله تعالى : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم وقوله : ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء

[ ص: 865 ]

القول في تأويل قوله تعالى :

[ 70 ] يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون

يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله أي : المنزلة على محمد - صلى الله عليه وسلم - : وأنتم تشهدون أي : تعلمون حقيقتها .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 71 ] يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون

يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل أي : تسترون الحق المنزل بتمويهاتكم الباطلة : وتكتمون الحق أي : الذي لا يقبل تمويها ولا تحريفا : وأنتم تعلمون أي : عالمين بما تكتمونه من حقيته وقد كانوا يعلمون ما في التوراة والإنجيل من البشارة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونبوته ، ويلبسون على الناس في ذلك ، كدأبهم في غيره . وفي الآية دلالة على قبح كتمان الحق ، فيدخل في ذلك أصول الدين وفروعه والفتيا والشهادة . وعلى قبح التلبيس . فيجب حل الشبهة وإبطالها .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 72 ] وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون

وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار أي : أوله : واكفروا آخره لعلهم يرجعون هذه الآية حكاية لنوع آخر [ ص: 866 ] من تلبيساتهم . وهي مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من المؤمنين أمر دينهم ، وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين ، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم . فيظن الضعفاء أنه لا غرض لهم إلا الحق ، وأنه ما ردهم عن الدين بعد اتباعهم له وترك العناد ، وهم أولو علم وأهل كتاب ، إلا ظهور بطلانه لهم ، ولهذا قال : لعلهم يرجعون أي : عن الإسلام كما رجعتم .

لطيفة :

قال الرازي : الفائدة في إخبار الله تعالى عن تواطئهم على هذه الحيلة من وجوه :

الأول : أن هذه الحيلة كانت مخفية فيما بينهم وما أطلعوا عليها أحدا من الأجانب ، فلما أخبر الرسول عنها كان ذلك إخبارا عن الغيب فيكون معجزا .

الثاني : أنه تعالى لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لم يحصل لها أثر في قلوب المؤمنين ، ولولا هذا الإعلام لكان ربما أثرت في قلب بعض من في إيمانه ضعف .

الثالث : أن القوم لما افتضحوا في هذه الحيلة صار ذلك رادعا لهم عن الإقدام على أمثالها من الحيل والتلبيس .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 73 ] ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم

ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم من تتمة كلامهم ، أي : ولا تصدقوا إلا نبيا تابعا لشريعتكم ، لا من جاء بغيرها ، أو : ولا تؤمنوا ذلك الإيمان المتقدم ، وهو إيمانهم وجه النهار ، إلا لأجل حفظ أتباعكم وأشياعكم وبقائهم على دينكم : قل إن الهدى هدى الله أي : الذي هو [ ص: 867 ] الإسلام وقد جئتكم به ، وما عداه ضلال ، فلا ينفعكم في دفعه هذا الكيد الضعيف ولا تقدرون على إضلال أحد منا بعد أن هدانا الله . ثم وصل به تقريعهم فقال : ( أن ) بمد الألف على الاستفهام ، في قراءة ابن كثير . وتقديرها في قراءة غيره ، أي : دعاكم الحسد والبغي حتى قلتم ما قلتم ودبرتموه الآن : يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الشرائع والعلم والكتاب : أو كراهة أن : يحاجوكم أي : الذين أوتوا مثل ما أوتيتم : عند ربكم أي : بالشهادة عليكم يوم القيامة أنهم آمنوا وكفرتم بعد البيان الواضح فيفضحكم : قل إن الفضل أي : بإنزال الآيات وغيرها : بيد الله يؤتيه من يشاء فلا يمكنكم منعه : والله واسع كثير العطاء : عليم
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 74 ] يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم

يختص برحمته من يشاء فيزيده فضلا عليكم : والله ذو الفضل العظيم
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 75 ] ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون

ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما بالمطالبة والترافع وإقامة البينة ، فلا يبعد منه الخيانة مع الله بكتمان ما أمره بإظهاره طمعا في إبقاء الرئاسة والرشا عليه . ثم استأنف علة الخيانة بقوله : ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل أي : ذلك الاستحلال والخيانة هو بسبب أنهم يقولون : ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب عقاب ومؤاخذة [ ص: 868 ] فهم يخونون الخلق : ويقولون أي : في الاعتذار عنه : على الله الكذب بادعائهم ذلك وغيره ، فيخونونه أيضا : وهم يعلمون أنه كذب محض وافتراء لتحريم الغدر عليهم . كما هو في التوراة . وقد مضى نقله في البقرة في آية : إن الذين آمنوا والذين هادوا فارجع إليه .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 76 ] بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين

بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين اعلم أن ( بلى ) إما لإثبات ما نفوه من السبيل عليهم في الأميين ، أي : بلى عليهم سبيل ، فالوقف حينئذ على ( بلى ) وقف التمام ، وقوله : من أوفى بعهده جملة مقررة للجملة التي سدت ( بلى ) مسدها . وإما لابتداء جملة بلا ملاحظة كونها جوابا للنفي السابق ، فإن كلمة ( بلى ) قد تذكر ابتداء لكلام آخر يذكر بعدها - كما نقله الرازي - وهذا هو الذي أرتضيه . وإن اقتصر ( الكشاف ) ومقلدوه على الأول . وقد ذكروا في ( نعم ) أنها تأتي للتوكيد إذا وقعت صدرا . نحو : نعم هذه أطلالهم ، فلتكن ( بلى ) كذلك ، فإنهما أخوان ، وإن تخالفا في صور ، وعلى هذا فلا يحسن الوقف على ( بلى ) . والضمير في : بعهده إما لاسم ( الله ) في قوله : ويقولون على الله الكذب على معنى : إن كل من أوفى بعهد الله واتقاه في ترك الخيانة والغدر فإن الله يحبه . وإما لـ : من أوفى على أن كل من أوفى بما عاهد عليه واتقاه فإنه يحبه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]