عرض مشاركة واحدة
  #163  
قديم 11-06-2022, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 869 الى صـ 874
الحلقة (163)



قال الزمخشري : فإن قلت فهذا عام ، يخيل أنه ولو وفى أهل الكتاب بعهودهم وتركوا [ ص: 869 ] الخيانة لكسبوا محبة الله . قلت : أجل لأنهم إذا وفوا بالعهود ، وفوا أول شيء بالعهد الأعظم وهو ما أخذ عليهم في كتابهم من الإيمان برسول مصدق لما معهم ، ولو اتقوا الله في ترك الخيانة لاتقوه في ترك الكذب على الله وتحريف كلمه . انتهى .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 77 ] إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم .

إن الذين يشترون أي : يستبدلون : بعهد الله أي : بما أخذهم عليه في كتابه ، أو بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم : وأيمانهم أي : التي عقدوها بالتزام متابعة الحق على ألسنة الرسل : ثمنا قليلا من الدنيا الزائلة الحقيرة التي لا نسبة لجميعها إلى أدنى ما فوتوه : أولئك لا خلاق أي : لا نصيب ثواب : لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة وذلك لحجبهم عن مقامات قربه كما قال تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ولا يزكيهم أي : ولا يثني عليهم كما يثني على أوليائه ، أو لا يطهرهم من دنس ذنوبهم بالمغفرة : ولهم عذاب أليم أي : بالنار . واعلم أن في هذه الآية مسائل :

الأولى : قال بعض مفسري الزيدية : ثمرة الآية أن من نقض عهدا لله لغرض دنيوي ، أو حلف كاذبا ، فإنه قد ارتكب كبيرة .

الثانية : في الجمع بين قوله تعالى هنا : ولا يكلمهم الله وقوله : فوربك لنسألنهم أجمعين قال القفال : المقصود من هذه الآية بيان شدة سخط الله عليهم ، لأن من منع غيره [ ص: 870 ] كلامه فإنما ذلك بسخط عليه ، وإذا سخط إنسان على آخر قال له : لا أكلمك . وقد يأمر بحجبه عنه ، ويقول : لا أرى وجه فلان ، وإذا جرى ذكره لم يذكره بالجميل ، فثبت أن الآية كناية عن شدة الغضب ، نعوذ بالله منه . ومنهم من قال : لا يبعد أن يكون إسماع الله جل جلاله أولياءه كلامه بغير سفير تشريفا عاليا يختص به أولياءه . ولا يكلم هؤلاء الكفرة والفساق ، وتكون المحاسبة معهم بكلام الملائكة . ومنهم من قال : معنى الآية لا يكلمهم بكلام يسرهم وينفعهم ، والكل حسن .

الثالثة : روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان » . قال عبد الله : ثم قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله - عز وجل - : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية . وفي رواية قال : « من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان » فأنزل الله تصديق ذلك : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية . فدخل الأشعث بن قيس الكندي فقال : ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ قلنا : كذا وكذا ، فقال : صدق ، في نزلت ، كان بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « شاهداك أو يمينه » . قلت : إنه إذا يحلف ولا يبالي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان » ونزلت : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية .

وأخرجه الترمذي وأبو داود وقالا : إن الحكومة كانت بين الأشعث وبين رجل يهودي .

[ ص: 871 ] وروى البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة وهو في السوق ، فحلف بالله : لقد أعطى بها ما لم يعطه ، ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزلت : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية . وقدمنا في مقدمة التفسير ، في بحث سبب النزول ، وفي سورة البقرة أيضا عند آية : من كان عدوا لجبريل ما يعلم به الجمع بين مثل هذه الروايات ، وأنه لا تنافي . فتذكر .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 78 ] وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون

وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون قال الإمام ابن كثير : يخبر تعالى عن اليهود ، عليهم لعائن الله ، أن منهم فريقا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويبدلون كلام الله ، ويزيلونه عن المراد به ، ليوهموا الجهلة أنه في كتاب الله كذلك ، وينسبونه إلى الله ، وهو كذب على الله ، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله ، ولهذا قال تعالى : ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون قال مجاهد والشعبي والحسن وقتادة والربيع بن أنس : يلوون ألسنتهم [ ص: 872 ] بالكتاب ، ويحرفونه . وهكذا روى البخاري عن ابن عباس أنهم يحرفون ويزيلون . وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله - عز وجل - ولكنهم يحرفونه : يتأولونه على غير تأويله .

وقال وهب بن منبه : إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى لم يغير منهما حرف ، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل ، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ويقولون : هو من عند الله وما هو من عند الله . فأما كتب الله فإنها محفوظة لا تحول . رواه ابن أبي حاتم . قال ابن كثير : فإن عنى وهب ما بأيديهم من ذلك ، فلا شك أنه قد دخلها التبديل والتحريف والزيادة والنقص . وأما تعريب ذلك المشاهد بالعربية ، ففيه خطأ كبير وزيادات كثيرة ونقصان ووهم فاحش . وهو من باب تفسير المعرب المعبر ، وفهم كثير منهم فاسد . وأما إن عنى كتب الله التي هي كتبه من عنده ، فتلك كما قال ، محفوظة لم يدخلها شيء - انتهى - وقد قدمنا الكلام على ذلك في مقدمة التفسير عند الكلام على الإسرائيليات ، وفي سورة البقرة أيضا عند قوله تعالى : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه

ولما بين تعالى كذبهم عليه - جل ذكره - بين افتراءهم على رسله إذ زعموا أن عيسى عليه السلام أمرهم أن يتخذوه ربا ، فرد سبحانه عليهم بقوله :

[ ص: 873 ]

القول في تأويل قوله تعالى :

[ 79 ] ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون

ما كان لبشر أي : ما صح ولا استقام . وفي التعبير ببشر إشعار بعلة الحكم ، فإن البشرية منافية لما افتروه عليه : أن يؤتيه الله الكتاب والحكم أي : الفهم والعلم أو الحكمة : والنبوة وهي الخبر منه تعالى ليدعو الناس إلى الله بترك الأنداد : ثم يقول للناس أي : الذين بعثه الله إليهم ليدعوهم إلى عبادته وحده : كونوا عبادا لي أي : اتخذوني ربا : من دون الله ولكن يقول لهم : كونوا ربانيين أي : منسوبين إلى الرب لاستيلاء الربوبية عليهم وطمس البشرية ، بسبب كونهم عالمين عاملين معلمين تالين لكتب الله . أي : كونوا عابدين مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على الطاعات ، حتى تصيروا ربانيين بغلبة النور على الظلمة - أفاده القاشاني - : بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون أي : بسبب مثابرتكم على تعليم الناس الكتاب ودراسته ، أي : قراءته . فإن ذلك يجركم إلى الله تعالى بالإخلاص في عبادته .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 80 ] ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون

ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر أي : بالعود إليه وقد بعث لمحو الشرك : بعد إذ أنتم مسلمون أي : بعد استقراركم على الإسلام .

[ ص: 874 ] تنبيهات :

الأول : إذا كان ما ذكر في الآية لا يصلح لنبي ولا لمرسل ، فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم ، بطريق الأولى والأحرى .

ولهذا قال الحسن البصري : لا ينبغي هذا لمؤمن ، أن يأمر الناس بعبادته ، قال : وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضا - يعني : أهل الكتاب - كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم ، كما قال الله تعالى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله الآية ، وفي جامع الترمذي - كما سيأتي - أن عدي بن حاتم قال : يا رسول الله ما عبدوهم . قال : بلى ، إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم . فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ ، بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين ، فإنهم إنما يأمرون بما يأمر الله به وبلغتهم إياه الرسل الكرام ، وإنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه وبلغتهم إياه رسله الكرام - قاله ابن كثير - .

الثاني : في هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل ، وأن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه . والدراسة : مذاكرة العلم والفقه . فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيا ، فمن اشتغل بها ، لا لهذا المقصود ، فقد ضاع سعيه وخاب عمله ، وكان مثله مثل من غرس شجرة حسناء مونقة بمنظرها ، ولا منفعة بثمرها ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : « نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع » كذا في فتح البيان والرازي .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.02%)]