
11-06-2022, 10:46 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 875 الى صـ 880
الحلقة (164)
[ ص: 875 ] الثالث : قرئ في السبع : ولا يأمركم بالرفع على الاستئناف أي : ولا يأمركم الله أو النبي ، وبالنصب عطفا على ثم يقول ، ( ولا ) مزيدة لتأكيد معنى النفي .
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 81 ] وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين
[ لم يفسر العلامة رحمه الله هذه الآية ]
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 82 ] فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون
فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون اعلم أن المقصود من هذه الآيات تعديد تقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتاب مما يدل على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - . قطعا لعذرهم وإظهارا لعنادهم . ومن جملتها ما ذكره الله تعالى في هذه الآية : وهو أنه تعالى أخذ الميثاق من الأنبياء الذين آتاهم الكتاب والحكمة بأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهم ، وإن كان ناسخا لبعض أحكامهم بما دلت [ ص: 876 ] الحكمة على اقتضاء الزمان ذلك ، آمنوا به ونصروه أيضا ، مبالغة في تشهير أمره . ولا يمنعهم ما هم فيه من العلم والنبوة واتباع شرعه ونصره . وأخبر أنهم قبلوا ذلك ، وحكم بأن من رجع عن ذلك كان من الفاسقين . وقد قرئ في السبع بفتح اللام من : لما آتيتكم وكسرها ، فعلى الأول هي موطئة للقسم ، لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف ، و ( ما ) حينئذ تحتمل الشرطية ، و : لتؤمنن ساد مسد جواب القسموالشرط . وتحتمل الموصولة بمعنى ( للذي آتيتكموه لتؤمنن به ( وعلى الثاني ، أعني : كسر اللام فـ : ( ما ) إما مصدرية أي : لأجل إيتائي إياكم الكتاب ، ثم لمجيء رسول مصدق لكم غير مخالف ، أخذ الله الميثاق لتؤمنن به ولتنصرنه . وإما موصولة والمعنى : أخذه للذي آتيتكموه ، وجاءكم رسول مصدق له ، وقوله تعالى : فاشهدوا أي : يا أنبياء ، بعضكم على بعض ، بالإقرار . وفي قوله تعالى : وأنا معكم من الشاهدين توكيد عليهم ومن أمعن في نهج الآية علم أن هذا الميثاق قد بولغ في شأنه غاية المبالغة ، وإذا كان هذا الإيجاب مع الأنبياء ، فمع أممهم أولى . وقد روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما : ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق ، لئن بعث الله محمدا ، وهو حي ، ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته ، لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه . قال ابن كثير : وهذا لا يضاد ما قاله طاوس والحسن وقتادة : أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ، بل يستلزمه ويقتضيه ، ولهذا روى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه مثل قول علي وابن عباس. - انتهى - .
ومن أثر علي عليه السلام هذا - فهم بعض العلماء اختصاص هذا الميثاق بنبينا - صلى الله عليه وسلم - كما نقل القاضي عياض في ( الشفاء ) عن أبي الحسن القابسي قال : استخص الله تعالى محمدا بفضل لم يؤته غيره أبانه به ، وهو ما ذكره في هذه الآية . انتهى . وقد علمت المراد .
بقي أن الإمام أبا مسلم الأصفهاني ذهب إلى أن في قوله تعالى : ميثاق النبيين حذف مضاف ، أي : أممهم ، وعبارته : ظاهر الآية يدل على أن الذين أخذ الله الميثاق منهم يجب [ ص: 877 ] عليهم الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - عند مبعثه ، وكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكونون عند مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - من زمرة الأموات ، والميت لا يكون مكلفا ، فلما كان الذين أخذ عليهم الميثاق يجب عليهم الإيمان بمحمد عليه السلام عند مبعثه ، ولا يمكن إيجاب الإيمان على الأنبياء عند مبعث محمد عليه السلام ، علمنا أن الذين أخذ الميثاق عليهم ليسوا هم النبيين ، بل هم أمم النبيين . قال : ومما يؤكد هذا أنه تعالى حكم على الذين أخذ عليهم الميثاق ، أنهم لو تولوا لكانوا فاسقين ، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء عليهم السلام ، وإنما يليق بالأمم ، أجاب القفال رحمه الله فقال : لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية : أن الأنبياء لو كانوا في الحياة لوجب عليهم الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام ؟ ! ونظيره قوله تعالى : لئن أشركت ليحبطن عملك وقد علم الله تعالى أنه لا يشرك قط ، ولكن خرج هذا الكلام على سبيل التقدير والفرض ، فكذا هنا . وقال : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وقال في صفة الملائكة : ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين مع أنه تعالى أخبر عنهم بأنهم : لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وبأنهم : يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون فكل ذلك خرج على سبيل الفرض والتقدير ، فكذا ههنا .
ونقول إنه سماهم فاسقين على تقدير التولي ، فإن اسم الفسق ليس أقبح من اسم الشرك ، [ ص: 878 ] وقد ذكر تعالى على سبيل الفرض والتقدير في قوله : لئن أشركت ليحبطن عملك فكذا ههنا - نقله الرازي .
ولما بين تعالى أن الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - شرع شرعه وأوجبه على جميع من مضى من الأنبياء والأمم ، لزم أن كل من كره ذلك فإنه يكون طالبا دينا غير دين الله ، فلهذا قال :
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 83 ] أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون
أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها أي : استسلم له من فيهما بالخضوع والانقياد لمراده ، والجري تحت قضائه ، كما قال تعالى : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون
فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله ، والكافر مستسلم له كرها ، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع . أفاده ابن كثير : وإليه يرجعون يوم القيامة فيجزي كلا بعمله ، والجملة سيقت للتهديد والوعيد .
[ ص: 879 ]
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 84 ] قل آمنا بالله وما أنـزل علينا وما أنـزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون
قل آمنا بالله وما أنـزل علينا وما أنـزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط أي : أولاد يعقوب : وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم بالإيمان بالبعض والكفر بالبعض ، كدأب اليهود والنصارى : ونحن له مسلمون أي : منقادون فلا نتخذ أربابا من دونه .
لطيفة :
نكتة الجمع في قوله : ( آمنا ) بعد الإفراد في : ( قل ) كون الأمر عاما ، والإفراد لتشريفه عليه الصلاة والسلام ، والإيذان بأنه أصل في ذلك . أو الأمر خاص بالإخبار عن نفسه الزكية خاصة . والجمع لإظهار جلالة قدره ورفعة محله بأمره ، بأن يتكلم عن نفسه على ديدن الملوك .
ثانية :
عدى أنزل هنا بحرف الاستعلاء ، وفي البقرة بحرف الانتهاء لوجود المعنيين ، إذ الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسول ، فجاء تارة بأحد المعنيين ، وأخرى بالآخر ، وقال صاحب ( اللباب ) : الخطاب في البقرة للأمة لقوله : ( قولوا ) . فلم يصح إلا ( إلى ) لأن الكتب منتهية إلى الأنبياء وإلى أمتهم جميعا . وهنا قال ( قل ) ، وهو خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - دون أمته ، فكان اللائق به ( على ) لأن الكتب منزلة عليه لا شركة للأمة فيها .
وفيه نظر ، لقوله تعالى : آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا - أفاده النسفي - .
[ ص: 880 ]
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 85 ] ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
ومن يبتغ أي : يطلب : غير الإسلام دينا أي : غير التوحيد والانقياد لحكم الله تعالى . كدأب المشركين صريحا . والمدعين للتوحيد مع إشراكهم كأهل الكتابين : فلن يقبل منه لأنه لم ينقد لأمر الله . وفي الحديث الصحيح : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » : وهو في الآخرة من الخاسرين لضلاله وجوه الهداية في الدنيا .
قال العلامة أبو السعود : والمعنى : أن المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع ، واقع في الخسران ، بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها . وفي ترتيب الرد والخسران على مجرد الطلب دلالة على أن حال من تدين بغير الإسلام واطمأن بذلك - أفظع وأقبح - انتهى -

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|