عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 11-06-2022, 11:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 980 الى صـ 986
الحلقة (180)


القول في تأويل قوله تعالى :

[ 140 ] إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين

إن يمسسكم قرح بالفتح والضم قراءتان ، وهما لغتان ، كالضعف والضعف ، أي : [ ص: 980 ] إن أصابكم يوم أحد جراح : فقد مس القوم قرح مثله أي : يوم بدر ، ولم يضعفوا ولم يجبنوا فأنتم أولى ، لأنكم موعودون بالنصر دونهم ، أي : فقد استويتم في الألم ، وتباينتم في الرجاء والثواب ، كما قال : إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح والألم ، فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان ، وأنتم أصبتم في سبيل الله ، وابتغاء مرضاته . وقيل : كلا المسـين كان يوم أحد ، فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وتلك الأيام أي : أيام هذه الحياة الدنيا : نداولها بين الناس أي : نصرفها بينهم ، نديل تارة لهؤلاء ، وتارة لهؤلاء فهي عرض حاضر ، يقسمها بين أوليائه وأعدائه . بخلاف الآخرة ، فإن عرضها ونصرها ورجاءها خالص للذين آمنوا .

قال ابن القـيم - قدس سره - في ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد :

ومنها : أن حكمة الله وسـنته في رسله وأتباعهم جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، لكن تكون لهم العاقبة . فإنهم لو انتصروا دائما دخل معهم المسلمون وغيرهم ، ولم يميز الصادق من غيره . ولو انتصر عليهم دائما لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة . فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاءوا به ، ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة - انتهى - .

وقوله تعالى : وليعلم الله الذين آمنوا قال ابن القيم : حكمة أخرى وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين فيعلمهم ، علم رؤية ومشاهدة بعد أن كانوا معلومين في غيبه ، وذلك العلم [ ص: 981 ] الغيبي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب ، وإنما يترتبان على المعلوم إذا صار مشاهدا واقعا في الحس .

لطيفة :

في الآية وجهان :

أحدهما : أن يكون المعلل محذوفا معناه : وليعلم إلخ . فعلنا ذلك .

الثاني : أن تكون العلة محذوفة ، وهذا عطف عليه ، معناه : وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت ، وليعلم الله . وإنما حذف للإيذان بأن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة ليسليهم عما جرى عليهم وليبصرهم أن العبد يسوؤه ما يجري عليه من المصائب ، ولا يشعر أن لله في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه - أفاده الزمخشري - .

تنبيه :

في هذه الآية بحث مشهور ، وذلك بأن ظاهرها مشعر بأنه تعالى إنما فعل ذلك ليكتسب هذا العلم ، ومعلوم أن ذلك محال على الله تعالى ، ونظيرها في الإشكال قوله تعالى : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله إلخ . وقوله : ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين وقوله : لنعلم أي الحزبين أحصى وقوله : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [ ص: 982 ] وقوله : إلا لنعلم من يتبع الرسول

قال الرازي : وقد احتج هشام بن الحكم بظواهر هذه الآيات على أن الله تعالى لا يعلم حدوث الحوادث إلا عند وقوعها ، فقال : كل هذه الآيات دالة على أنه تعالى إنما صار عالما بحدوث هذه الأشياء عند حدوثها .

ولما كانت الدلائل القطعية دالة على أزلية علمه جل اسمه ، أجاب عن ذلك العلماء بأجوبة :

منها : أنها من باب التمثيل . فالتقدير في هذه الآية : ليعاملكم معاملة من يريد أن يعلم المخلصين الثابتين على الإيمان من غيرهم .

ومنها : أن العلم فيه مجاز عن التمييز بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب ، أي : ليميز الثابتين على الإيمان من غيرهم .

ومنها : أن العلم على حقيقته ، إلا أنه معتبر من حيث تعلقه بالمعلوم ، من حيث إنه واقع موجود بالفعل ، أي : ليعلم الثابت واقعا منهم كما كان يعلم أنه سيقع لأن المجازاة تقع على الواقع دون المعلوم الذي لم يوجد ، وهذا ما اعتمده ابن القيم كما نقلناه أولا .

ومنها : أن الكلام على حذف مضاف . أي : ليعلم أولياء الله ، فأضاف إلى نفسه تفخيما . والله أعلم .

ثم ذكر حكمة أخرى ، وهي اتخاذه سبحانه منهم شهداء ، بقوله : ويتخذ منكم شهداء أي : وليكرم ناسا منكم بالشهادة ليكونوا مثالا لغيرهم في تضحية النفس شهادة للحق ، واستماتة دونه ، وإعلاء لكلمته ، وهو تعالى يحب الشهداء من عباده ، وقد أعد لهم أعلى [ ص: 983 ] المنازل وأفضلها ، وقد اتخذهم لنفسه ، فلا بد أن ينيلهم درجة الشهادة . وفي لفظ الاتخاذ المنبئ عن الاصطفاء والتقريب ، من تشريفهم وتفخيم شأنهم ما لا يخفى . وقوله : والله لا يحب الظالمين قال ابن القيم : تنبيه لطيف الموقع جدا على أن كراهته وبغضه للمنافقين الذين انخزلوا عن نبيه يوم أحد فلم يشهدوه ، ولم يتخذ منهم شهداء ، لأنه لم يحبهم ، فأركسهم وردهم ليحرمهم ما خص به المؤمنون في ذلك اليوم ، وما أعطاه من استشهد منهم ، فثبط هؤلاء الظالمين عن الأسباب التي وفق لها أولياءه وحزبه . انتهى .

فالتعريض بالمنافقين ويحتمل أن يكون بالكفرة الذين أديل لهم ، تنبيها على أن ذلك ليس بطريق النصرة لهم ، بل لما ذكر من الفوائد العائدة إلى المؤمنين . ثم ذكر حكمة أخرى فيما أصابهم ذلك اليوم بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 141 ] وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين

وليمحص الله الذين آمنوا أي : لينقيهم ويخلصهم من الذنوب ومن آفات النفوس . وأيضا فإنه خلصهم ومحصهم من المنافقين ، فتميزوا منهم . فحصل لهم تمحيصان : تمحيص من نفوسهم ، وتمحيص ممن كان يظهر أنه منهم وهو عدو . ثم ذكر حكمة أخرى وهي محق الكافرين بقوله : ويمحق الكافرين أي : يهلكهم ، فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا . فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ، إذ جرت سنة الله تعالى ، إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم ، قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم . ومن أعظمها - بعد كفرهم - بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم والتسليط عليهم . والمحق : ذهاب الشيء بالكلية حتى لا يرى منه شيء ، وقد محق الله الذين حاربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ، وأصروا على الكفر جميعا ، ثم أنكر تعالى عليهم حسبانهم وظنهم أنهم يدخلون الجنة بدون الجهاد في سبيله والصبر على أذى أعدائه ، وأن هذا ممتنع بحيث ينكر على من ظنه وحسبه : فقال :

[ ص: 984 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 142 ] أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين

أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين أي : ولما يقع ذلك منكم فيعلمه ، فإنه لو وقع لعلمه فجازاكم عليه بالجنة . فيكون الجزاء على الواقع المعلوم ، لا على مجرد العلم ، فإن الله لا يجزي العبد على مجرد علمه فيه دون أن يقع معلومه - أفاده ابن القيم - .

وفي ( الكشاف ) : ولما يعلم الله بمعنى : ولما تجاهدوا لأن العلم متعلق بالمعلوم ، فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقه ، لأنه منتف بانتفائه ، يقول الرجل : ما علم الله في فلان خيرا ، يريد ما فيه خير حتى يعلمه ، و ( لما ) بمعنى ( لم )، إلا أن فيها ضربا من التوقع ، فدل على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقعه فيما يستقبل ، وتقول : وعدني أن يفعل كذا ولما . تريد : ولما يفعل ، وأنا أتوقع فعله .

لطيفة :

قال أبو مسلم في : أم حسبتم إنه نهي وقع بحرف الاستفهام الذي يأتي للتبكيت ، وتلخيصه : لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولم يقع منكم الجهاد ، وهو كقوله : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون وافتتح الكلام بذكر ( أم ) التي هي أكثر ما تأتي في كلامهم واقعة بين ضربين ، يشك في أحدهما لا بعينه . يقولون : أزيدا ضربت أم عمرا ؟ مع تيقن وقوع الضرب بأحدهما . قال : وعادة العرب يأتون بهذا الجنس من الاستفهام توكيدا ، فلما قال : ولا تهنوا ولا تحزنوا كأنه قال : أفتعلمون أن ذلك كما تؤمرون به ، أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة وصبر ! . وإنما استبعد هذا لأن الله تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة ، وأوجب الصبر على تحمل متاعبها ، وبين وجوه المصالح فيها في الدين [ ص: 985 ] وفي الدنيا ، فلما كان كذلك ، فمن البعيد أن يصل الإنسان إلى السعادة والجنة مع إهمال هذه الطاعة - انتهى - .

ثم وبخهم على هزيمتهم من أمر كانوا يتمنونه ويودون لقاءه فقال :
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 143 ] ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون

ولقد كنتم تمنون الموت أي : الحرب ، فإنها من مبادئه ، أو الموت على الشهادة : من قبل أن تلقوه أي : تشاهدوه وتعرفوا هوله : فقد رأيتموه أي : ما تتمنونه من أسباب الموت ، أو الموت بمشاهدة أسبابه العادية ، أو قتل إخوانكم بين أيديكم : وأنتم تنظرون حال من ضمير المخاطبين ، وفي إيثار الرؤية على الملاقاة ، وتقييدها بالنظر ، مبالغة في مشاهدتهم له .

قال ابن عباس : لما أخبرهم الله تعالى على لسان نبيه بما فعل بشهداء بدر من الكرامة ، رغبوا في الشهادة ، فتمنوا قتالا يستشهدون فيه فيلحقون إخوانهم ، فأراهم الله ذلك يوم أحد ، وسببه لهم ، فلم يلبثوا أن انهزموا إلا من شاء الله منهم ، فأنزل الله تعالى : ولقد كنتم تمنون الآية . وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف » .

[ ص: 986 ] قال أهل المغازي : لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد ، أقبل عبد الله بن قميئة يريد قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فذب عنه مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو يومئذ صاحب رايته ، فقتله ابن قميئة ، وهو يرى أنه قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع فقال : قد قتلت محمدا ، وصرخ الشيطان : ألا إن محمدا قد قتل . فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس ، فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال . ففي ذلك أنزل الله تعالى :

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]